الشهيد عبد اللطيف شيخ إبراهيم

تنظر في وجهه، فتتوكد في نفسك القوة والعزيمة، وتتفتح أمام عينيك آفاق رحيبة من الأمل، وعندما تسبر أعماق نفسه، تجدها تنطوي على رقة وعذوبة، وصفاء فطري صقلته تربية إسلامية سامية.

ذلكم الشهيد عبد اللطيف شيخ إبراهيم، المولود في قرية "بسامس" منطقة أريحا في محافظة إدلب سنة 1962م، وفي قريته درس الابتدائية، وفي القرى المجاورة درس الإعدادية والثانوية حتى حصل على الثانوية العلمية، وخلال هذه المرحلة ذاق عبد اللطيف مرارة اليتم بعدما فقد والده، وفي ظل هذه الظروف الصعبة تابع دراسته بصبر وأناة.

كان رحمه الله هادئاً ترتسم على وجهه ملامح الحزن، وكأنه يحمل هموم هذه الأمة المجيدة، كثير التأمل والتفكير، نقي القلب كأصفى ما يكون النقاء، طاهر النفس زكي الفؤاد.

كنا في جلساتنا معه نحس بسمو روحي ونشعر بأرواحنا تحلق في سماء عالم طالما تشوقنا إليه.

وصفوة القول إنه كان ذا شخصية متميزة ساهمت في تكوينها نشأته في ظل أسرة فطرت على السماحة والتقى، وصحبته لأستاذه الشهيد مصطفى حورية، فقد كان شهيدنا يحظى باهتمام أستاذه لما كان يلحظه فيه من ذكاء واهتمام بأحاديثه وتوجيهاته، فكانت يد الأستاذ تمتد بحنو لتمسح عن جبين تلميذه مرارة اليتم.. فما الذي يمكن أن يكون عليه من تربى مثل هذه التربية؟

ثم يقضي سنتين في كلية العلوم في جامعة حلب، وهو على اتصال دائم بأستاذه وإخوانه المجاهدين، يمضي إجازاته المدرسية بينهم يؤمن لهم حاجاتهم ويرعى شؤونهم.

وفي تشرين الثاني عام 1982م طلب عبد اللطيف من إخوانه أن يسمحوا له بالالتحاق بهم، فحملهم حرصهم عليه من الوقوع في أيدي السلطة المجرمة على الاستجابة لطلبه وتحس أمه العجوز بما أقدم عليه ابنها فتتودد إليه، وتسخر رضاها بحنان الأم وحرصها على ابنها – عله يتريث ريثما يأتي الفرج:

- يا ابني ما طلبك أحد.. انتظر إلى أن يخرجوا بطلبك.. سأزوجك وأقضي بقية عمري معك.

ويبتسم عبد اللطيف ابتسامة المشفق على أمه المسكينة ويسرح بصره في الأفق البعيد، فيحلق بروحه إلى حيث النعيم المقيم حيث الأحبة، ثم تترقرق الدمعة في عينيه ويرفق بأمه ليكسب رضاها:

- يا أماه إنه إما الذل والهوان، وإما الجهاد لدفع الظلم ورفع راية الحق والعدل ادفعيني في خزائن الله ذخراً لك، فإنه لا مجال للتردد.

وما إن أسدل الظلام ستاره حتى كان أستاذه وإخوانه يحتضنونه، وقد غمرتهم الفرحة بلقائه.

ويمضي قرابة السنة لا يعرف الكلل والملل مغتنماً فتوته وشبابه المتدفق بالحيوية والرجولة فيحمل أثقل الأعباء بين إخوانه..

وفي إحدى ليالي حزيران عام 1983م يتقدم بصحبة أحد إخوانه في مهمة، فيستبشر الأخ المجاهد خيراً بهذه الصحبة، ويطول انتظارنا لهما في تلك الليلة، ثم ما تلبث أن تأتينا الأخبار في اليوم التالي تحمل لنا نبأ استشهاد عبد اللطيف مع أخيه المجاهد أبي رضوان بعد أن وقعا في كمين نصبه أزلام السلطة على مدخل قرية الرامة.

فما إن مر الإخوان المجاهدان حتى أطلق عليهما الجبناء الرصاص فوراً دون أن يتعرفوا عليهما، وذلك خوفاً من أن ينقضا عليهم بمجرد شعورهما بوجودهم.

ويحمل الأزلام الجسدين الطاهرين إلى إدلب، فيعز عليهم التعرف على عبد اللطيف التي مزقت الرصاصات الجبانة جسده فيحضرون أمه بين من أحضروهم للتعرف عليه.

وتقف أمه العجوز التي فقدت وعيها عندما عرضوا عليها الأجساد الممزقة فلا تستطيع التعرف عليه.. وتقضي ثمانية أيام في سجن المخابرات تحت سياط الجلادين معصوبة العينين حتى كادت تفقد بصرها وتبقى عالقة في ذهنها صورة ذلك الشاب ذي البشرة السمراء والطول الفارع والجسد الممزق المضرج بالدماء، لتعلم أخيراً أن ذلك الشاب لم يكن غير ابنها عبد اللطيف فتسكب عليه دمعة حرى، ثم ما تلبث أن تتجلد وتحتسبه في خزائن الله ذخراً لها.

فلله درك أيتها الأم الصابرة.. وهنيئاً لك هذا الذخر الطيب في خزائن الله ولسوف تقر عينك بالثأر من أولئك المجرمين على يد إخوان عبد اللطيف بعون الله.

أما أنت أيها الأخ المجاهد الحبيب فلكأني بك تتنقل في رياض الجنة في حواصل طيور خضر مع إخوانك السابقين لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون...

سلامٌ عليك يا أخا الصبر والإيمان، وعليك وعلى إخوانك الرحمة والرضوان، وإلى اللقاء في عليين مع الأنبياء والشهداء والصالحين.