الأستاذ الدكتور الداعية محمد أديب الصالح

(1926- معاصر )

clip_image002_be322.jpg

هو الكاتب الإسلامي الكبير ، والعالم الجليل، والأديب الذواقة، والأكاديمي المتميز، الذي تخرج على يديه آلاف الطلبة الجامعيين، ومئات من أساتذة الجامعات في سورية، والأردن، والسعودية، وهو من الرعيل الأول في ميادين الدعوة، صحب شيخنا الدكتور مصطفى السباعي، تغمده الله بفيض رحمته، وأفاد منه الكثير، وخلفه في مجلة (حضارة الإسلام).

وأشرف على طبع كتب الندوي ؛ لأنه كان مكلفاً بتدريس اللغة العربية في كلية الشريعة عام 1384 هجرية .                                      

والشيخ الصالح محدّث بارع، وخطيب مفوّه، وصاحب أسلوب أدبي مشرق، تقرأ له، فتظن أنك تقرأ لشيوخ العربية، للجاحظ، أو التوحيدي مثلاً، بإشراق ديباجته، وجزالة عبارته، وصفاء بيانه، ونصاعة فصاحته، وقوة حجّته، وشدّة تأثيره في قارئه.

ما عرفه إنسان، من عالم، وتاجر، وطالب، إلاّ أحبّه، فهو في أخلاقه، كقرص الشهد، وكالعبير، وكالجدول الرقراق، أما في العلم فبحر زخّار، وفي العطاء من ذات نفسه، وماله، ووقته، وراحته، لأمته، ودعوته، وطلبته، وإخوانه –قدوة تحتذى..

يذكر الشيخ محمد المجذوب أنه : (( لا أذكر بالضبط متى بدأت معرفتي به، ولكن الذي لا يبلغه النسيان من ذاكرتي هو تلاقينا الكثير في كنف الدعوة، أيام كان للدعوة الإسلامية نشاطها الواسع على امتداد الربوع السورية ..

ولقد كنا على تواصل سعيد في خدمتها، تجمعنا أخوة في الله لا انفصام لها، وكان الجو السياسي على شيء غير قليل من الطلاقة، بحيث يتسع لمختلف الأفكار والتيارات، كل يعرض ما لديه من تصورات قابلة للمناقشة بمنتهى الحرية، ولجماهير الشعب أن تسمع، وتقرأ، فتفرق بين الحق والباطل .

وكانت الثقة تملأ صدورنا بأن السواد الأعظم من هؤلاء مع أفكارنا؛ لأنها عميقة الجذور بفطرته وتراثه الروحي والاجتماعي ..

وكان معظم تلاقينا لدراسة مسيرة الدعوة على ضوء الأوضاع العامة، فنتداول الأمور وفق أمزجتنا الشخصية، من الحار الذي يأخذه الانفعال، والهادئ الذي يضبط التوازن ..

ولعلي لا أعدو الواقع إذا اعتبرت فضيلة المترجم أحد الذين يمثلون جانب الهدوء والأناة في تلك الاجتماعات ..

وها هي السنون تكر، والأحداث (تمر) فلا تزيده إلا رسوخاً في ذلك المزاج الرصين، لا يكاد يفارقه خطيباً أو محدثاً أو مناقشاً، حتى إنك لتحتاج أثناء محادثته إلى الانتباه الدقيق لئلا يفوتك بعض كلامه، الذي يذكرك بالصورة التي أوصى بها لقمان ولده، وهو يحضه على الغض من صوته في مخاطبة الآخرين .. بل إن في مشيته صورة أخرى للشكل الذي رسمه ذلك الحكيم لابنه بتلك العبارة التي خلدها الله في كتابه الكريم [واقصد في مشيك] .

وما أدري أهي طبيعة فطر عليها، أم أدب أخذ به منذ الطفولة، أم تطبيق مقصود للتوجيهات السامية التي رضيها الله لعباده المؤمنين !..

ولا ريب أن لهذا المزاج أثره البعيد في تفكير المترجم، وطريقة تناوله للموضوعات التي يعالجها، وبالنظرة العميقة التي يستكشف بها الجديد البعيد من المعاني المضيئة في كل ما يكتبن ويؤلف، ويذيع .. وهي خاصة يستطيع القارئ أن يتبنها في كل نتاجه، وأقربها إليه برنامجه الذي يعتبر نسيج وحده في موضوع (التنمية..) الذي بثه من إذاعات المملكة ..فمن هو العلامة محمد أديب الصالح ؟ وما هي سيرته ؟ وصفاته وأخلاقه ؟ كل هذا وغيره نجده في الصفحات التالية : .....

المولد والنشأة :

ولد الدكتور محمد أديب الصالح في مدينة قطنا جنوب دمشق في العام 1926م وقد شاء الله أن يتذوق مرارة اليتم بوفاة والده وهو في الشهر السادس من عمره، ولكن والدته الصالحة قد عوضته عن عناية الوالد بانقطاعها لرعايته ، والاهتمام بشأنه ، حتى توفاها الله في الرياض أول يوم من عيد الأضحى المبارك من العام 1983 م/ 1403 هـ . وكان من بره بها أن نفذ وصيتها بدفنها في بقيع المدينة بجوار صحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه .

ما قبل الدراسة الجامعية :

وأبرز صفات هذه المرحلة الالتزام بحلقات العلم على أيدي نخبة من العلماء الأفاضل ـ وفي مقدمتهم : --العلامة المربي الشيخ إبراهيم الغلاييني مفتي قطنا ـ والتي مهدت للقدرة على إمكان التعامل مع بعض من أمهات الكتب في الشريعة واللغة العربية ، ساعد على ذلك حفظ عدد لا بأس به من المتون .

وقد بدأ تعليمه في إحدى مدارس قطنا الابتدائية ، ومنها انتقل إلى دمشق حيث أحرز شهادة الكفاءة العامة ثم شهادة الكلية الشرعية عام 1944م، التي كانت بمثابة معهد علمي رفيع المستوى ، ثم حصل على الثانوية الشرعية مع الثانوية العامة عام 1946 م ..

الدراسة الجامعية :

وبسبب تفوقه على أقرانه حصل على إيفاد من وزارة المعارف يومذاك إلى الجامعة الأزهرية .

وسجل في كلية الحقوق بجامعة دمشق ، ولكنه لم ينقطع إليها ، إذ أوفد إلى الأزهر عام 1947 م فالتحق بكلية أصول الدين ، فكان يقدم امتحانها في الدور الأول ، ويقدم امتحان الحقوق بدمشق في الدور الثاني .. وكان الحصول على شهادة تلك الجامعة عام 1949 م .

ثم حصل على إجازة في الحقوق من كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1950 م .

ويحسن بنا أن نتساءل عن السبب الذي حداه للاتجاه نحو الدراسة الشرعية بعد حصوله على الثانوية العامة ، التي تمكنه من الدراسة في أي من الكليات الأخرى بجامعة دمشق .. وهي أقصر الطرق إلى العمل المنتج ، الذي يجتذب معظم الطلاب ، وبخاصة في غمرة التطور المادي الذي صارت إليه البلاد في ظل الانتداب الفرنسي وما بعده .. ولابد أن يكون لذلك علاقة وثيقة بإيحاءات البيئة التي نشأ في ظلالها ، ذلك أن قطنا لا تزال محتفظة بالكثير من مواريث الحياة الإسلامية ، كالمألوف في الأوساط البعيدة عن مهب التغيرات السريعة التي تتعرض لها الحواضر الكبرى .. ونستدل على هذا من اتصاله الوثيق بشيخ قطنا ومفتيها وعلامتها الشيخ إبراهيم الغلاييني رحمه الله ، الذي كان المترجم أحد الطلاب المواظبين على حلقته الخاصة في العلوم الشرعية ، ثم توثقت الصلة بينهما عن طريق المصاهرة ، إذ زوجه الشيخ إحدى بناته ، التي أنجبت له ثلاثة من الأبناء وأربعاً من البنات ، ومن هنا نكتشف إحدى أهم الخلفيات التي حببت إليه العلم الشرعي ، وزودته بالكثير من روافد الثقافة الإسلامية ، التي أصبحت المدرسة الحديثة عاجزة عن توفيرها للمسلم .

والذي يعرف الشيخ إبراهيم الغلاييني لابد أن يتصور أثره العميق في نفوس طلابه ، فهو عالم متفتح الذهن والقلب ، رحب الصدر للمناقشة والمراجعة ، إلى كونه قوي الشخصية عميق التأثير في قلوب المتصلين به .

ويذكر الشيخ محمد المجذوب قصة طريفة مكنت له من التعرف على بعض خصائص هذا الشيخ فقد قدم اللاذقية ذات يوم بدعوة من بعض مريديه، وفي جلسة مكتظة بهؤلاء في منزل آل الأزهري ، اجتمع الشيخ محمد المجذوب به، واستمع إلى حديثه، وشاهد تعلق الأتباع به، وتسابقهم إلى التبرك بسؤره .. ثم صحبه في بعض رحلاته القريبة ، فسرّه منه فهمه السليم لأبعاد بعض الأحاديث النبوية ، وذات مساء ودعه الشيخ، فأرسل ورائه من يخبره بأنه ينتظر زيارته في صباح اليوم التالي .

ولم يفته ما وراء هذه الدعوة ، فقد كان أكثر الحضور اهتماماً بالشيخ يومئذ ذلك الفتى الذي لا يستهويه شيء مثل الوشاية وإثارة عوامل الفتنة، فتوقع ما كان، وما سيكون .. وفي الموعد المضروب، وكانت الحجرة مكتظة بالزائرين ، طرح الشيخ الموضوع دون مقدمات، فإذا هي كما قدّر دسيسة جاهل لا يفرق بين الحق والباطل، وأجابه الشيخ المجذوب بالتفصيل مع ذكر الدليل من كتاب الله وسنة رسوله فإذا هو يصرح بموافقته، وهو يقول : أنت على حق .. ـ ، وبهت الذي كذب

ومن هذه الطرفة يدرك القارئ أن المرحوم مفتي قطنا لم يكن من الشيوخ المغفلين ، كذلك المفتي السوري الآخر، الذي أغلق على نفسه منافذ العلم الحق حين سمعناه يعلن أن الأولين لم يتركوا للآخرين قولاً، فلا غرو أن يكون لهذا الشيخ أثره في توجيه الشيخ محمد أديب الصالح إلى المسلك الذي أخذ به نفسه، فكان توفيقاً من الله إلى التي هي خير وأبقى ..

الدرسات العليا :

· دخل الشيخ محمد أديب الصالح في كلية الشريعة معيداً بمسابقة شرعية عام 1956 ـ 1957 م وذلك بعد التدريس خمس سنوات، أو تزيد في ثانويات ودور المعلمين بدمشق، وحلب، وكان من تلامذته في دار المعلمين في حلب مصطفى البيراوي، ود.فخر الدين قباوة . وذلك ما بين العامين 1949 ـ 1956م .

ثم حصل على إيفاد من جامعة دمشق إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1959 م بعد تدريس مادة " أحاديث الأحكام " سنة دراسية بكلية الشريعة بدمشق .

· وهناك حصل على شهادة معهد الشريعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة (وهي مع رسائلها الموجزة بمثابة درجة الماجستير) عام 1961 م .

وكان عنوان رسالته تحقيق كتاب " تخريج الفروع على الأصول " للإمام الزنجاني ت 656 هـ . مع دراسة وافية للكتاب، وأهمية موضوع تخريج الفرع على الأصل فيه ، إذ قام منهجه على تتبع أبواب الفقه بالتسلسل والكشف عن علاقة الفرع الفقهي بالقاعدة عند كل من الحنفية والشافعية مضافاً إلى ذلك الفهارس العلمية الشاملة .

ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق (الشريعة الإسلامية) سنة 1963م من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى مع تبادل الرسالة مع الجامعات .

 وكان موضوع أطروحته (تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ـ دراسة مقارنة) التي أشرف عليها الشيخ محمد أبو زهرة .

شيوخه وأساتذته :

نهل الشيخ محمد أديب الصالح العلم والفقه والتربية والتزكية على أيدي علماء أفذاذ ، منهم:

- الشيخ محمد خير الجلاد : تلقى العلم على يديه في المرحلة الثانوية ، وتأثر بأسلوبه وأثنى عليه

- العلامة الإمام محمد أبو زهرة : الفقيه المصري المشهور ، وصاحب سلسلة الأئمة : الشافعي ، أبو حنيفة ، والإمام أحمد، ومالك، والإمام زيد وابن تيمية ابن حزم وجعفر الصادق ، وله كتاب المذاهب الإسلامية، وخاتم النبيين ...وغيرها ..

- الشيخ الأزهري علي الخفيف .

 -الشيخ فرج السنهوري ..

الذين يقول الشيخ محمد أديب الصالح : إنهم من الرعيل الأول الذي لا يكاد يعوض .

أعماله والوظائف التي تقلدها :

ثم عمل مدرساً لمادة التفسير في جامعة دمشق في كلية الشريعة عند افتتاحها عام 1954م .

1964/ 1969 م : مدرس بكلية الشريعة والمشاركة بوضع المناهج مع تدريس مادة أصول الفقه في كلية الحقوق ومواد علوم القرآن وعلوم الحديث والبلاغة النبوية في كلية الآداب بجامعة دمشق .

1964 ـ 1974 م : تولي رئاسة قسم علوم القرآن والسنة بكلية الشريعة بجامعة دمشق وتدريس آيات الأحكام وأحاديث الأحكام وأصول الفقه بكلية الشريعة وأصول الفقه بكلية الحقوق .

1969 م : الانتقال إلى رتبة أستاذ مساعد .

1974 م : الانتقال إلى رتبة أستاذ .

1970 ـ 1974 م : التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية محاضراً فيها في أول عام افتتحت فيه، ورئيساً لقسم أصول الدين ودام ذلك سنتين، ثم كانت الإعارة سنتين أيضاً ، وكان ـ مع التدريس في هذه المرحلة ـ

الإسهام في وضع مناهج الكلية ، ثم تثبيتها مع مراعاة قابلية التطوير وهذا مع القيام بأعباء التدريس بجامعة دمشق خلال السنتين الأوليين والمشاركة في تأليف بعض كتب التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية في المدارس الأردنية .

وكذا المشاركة في ندوات الجامعة العلمية والثقافية ولدورات وزارة الأوقاف الأردنية التربوية والدعوية .

1974 ـ 1978 م : الانتقال إلى رتبة أستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق .

1978 ـ 1988 م : أستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض ، (وكان قد قدم إليها معاراً من دمشق) .

 وقد كان من بين الأعمال فيها ما يلي :

ـ ما كان من توفيق الله بإنشاء قسم السنة وعلومها في هذه الكلية ، بالتعاون مع بعض الزملاء والعمل على أن تكون مناهجه ومقرراته على المستوى المطلوب قدر المستطاع مع التركيز ـ في موضوع التخريج في المناهج والمصادر ـ على العناية بتخريج أحاديث الأحكام في كتب الفقه والأحاديث التي ترد في كتب الأصول إذ فيها جملة لا بأس بها من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة أحياناً والمطلوب ـ دائماً ـ أن يكون الاعتماد على الأحاديث والآثار المقبولة التي لابد منها في كثير من الأحيان سواء في ذلك تقعيد القاعدة أو البحث فيما ترتب على الاختلاف في القواعد من آثار في الفروع والأحكام .

ـ رئاسة القسم المذكور لمدة ثماني سنوات .

ـ الإسهام في أعمال المجلس العلمي عن طريق العضوية في عدد من الدورات .

ـ الإشراف على عدد وافر من رسائل الماجستير والدكتوراه في الكلية والمشاركة في مناقشة عدد وافر أيضاً من رسائل الماجستير والدكتوراه في مختلف جامعات المملكة وبعض البلاد العربية .

ـ عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منذ عام 1977 م وحتى صدور نظام التعليم العالي بعد سنوات طوال .

ـ التحكيم في الإنتاج العلمي وبحوث الترقية لأعضاء هيئة التدريس في عدد من الجامعات، والتحكيم في صلاحية نشر الكتب والبحوث في بعض المجلات المحكمة في المملكة وغيرها .

ـ المشاركة في عدد من المؤتمرات ، وقد كلفت بأن مقرراً لبعض لجانها مثل : مؤتمر السنة والسيرة ، مؤتمر المنظمات الإسلامية ، مؤتمر فقه الدعوة والدعاة ، مؤتمر مكافحة المسكرات والمخدرات .

1988 ـ 1996 م : أستاذ في قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية في جامعة الملك سعود ـ الرياض (إثر الانتقال إليها من جامعة الإمام) وتدريس نصوص الأحكام وفق بيان العربية وقواعد الأصول .

وفي هذه الكلية تولى تدريس نظام الإسلام، مع التفسير، والحديث، وأصول الفقه في بعض الأحيان ..

وشاء الله أن يمتد نشاطه إلى أبعد من الحدود السورية، فأعير إلى الجامعة الأردنية لتدريس التفسير والحديث والثقافة الإسلامية على مدى سنتين كانت حافلتين بالنشاط العلمي والإسلامي، الذي عرف به داخل الجامعة وخارجها، ثم تلا ذلك تجواله التدريسي في مناطق أخرى من وطن العروبة والإسلام، فاستقدم أستاذاً زائراً إلى جامعة الرياض ـ الملك سعود ـ حيث أمضى شهراً ونصفاً في قسم الثقافة من كلية التربية ، وكذلك دعي زائراً إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وإلى كلية التربية للمعلمين والمعلمات في قطر، حتى استقرا أخيراً في أسرة التدريس من جامعة الإمام .

فمنذ سنوات ست يتولى رئاسة قسم السنة وعلومها في هذه الجامعة، إلى جانب مشاركاته المستمرة في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه فيها وفي كل من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، إلى ما هناك من دراسات علمية، وما سيتتبعها من تقارير يكلف بها من قبل هذه الجامعات وجامعة الإمارات .. ولعل مما يدخل في ذلك عضويته في المجلس العلمي بجامعة الإمام، وعضويته الأخرى في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية .

ولا جرم أن في هذه الممارسات المتعددة الجوانب لمتسعاً لكثير من الإمكانات الفكرية والعلمية، من شأنها ألا تقف بمعطياته عند حد معين، بل تمده بمنطلقات رحبة تصور سعة الأفق الذي منه يستمد وبه يتأثر.

وما دمنا في صدد الحديث عن مجالات نشاطه العلمي والعملي فلا بد من الإشارة على جوانبها الأخرى، خارج نطاق المدرسة والجامعة، فهناك الخطابة المسجدية التي مارسها سنوات كثيرة في مسجد الجامعة ـ بدمشق ـ ثم في مساجد قطنا إلى جانب حلقات التدريس في تلك المساجد، ثم الندوات الثقافية التي لم تكد تنقطع بينه وبين الطلاب .

وإلى جانب هذا وذاك من ألوان النشاط العلمي والدعوي لا ننسى عمله في مجلة (حضارة الإسلام) التي هي واحدة من حسنات المرحوم الدكتور مصطفى السباعي ، فقد تولى رئاسة تحريرها منذ العام 1965 وحتى الآن لا يزال يكتب افتتاحياتها، ويمدها بالبحوث والمقالات يبعث بها إلى المجلة من مقر عمله في الرياض .

وأدار كثيراً من الندوات ويشهد له كل من حضرها أنه كان موضع التقدير لبراعته في إدارة الجلسات ولأفكاره العميقة التي كان يركز عليها في مناقشة البحوث .

دوره في تأسيس الحركة الإسلامية في سورية :

انتسب فضيلة الشيخ د. محمد أديب الصالح إلى حركة الإخوان المسلمين في سورية في وقت مبكر، وكان من جيل المؤسسين، ومن أبرز تلاميذ العلامة الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله تعالى -، ثم صار رئيساً للتحرير في مجلة ( حضارة الإسلام ) بعد وفاة مؤسسها فضيلة د. مصطفى السباعي .

      وانتخب من قبل الهيئة التشريعية بجماعة  الإخوان المسلمين أميناً للسر، وكان يشاركه أمانة السر الأستاذ قاسم التونجي ..وذلك عام 1954م .

     ثم انتخب أيضاً في نفس العام في عضوية المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في سورية , وبعد اجتماع المكتب التنفيذي انتخب نائباً للمراقب العام للإخوان المسلمين آنذاك د. السباعي وذلك في 15 ربيع الأول 1374/ 10 تشرين الثاني 1954م .

حج مرات عديدة، والتقى بالعلماء هناك, واستفاد من علومهم, منهم : محمد إبراهيم الختني ..

وفي عام 1978م بعد المواجهات الدامية في سورية, غادر البلاد إلى السعودية, فعمل أستاذاً للحديث في كلية أصول الدين قسم السنة وعلومها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .., وظل مدرساً فيها ما يقارب عشرين سنة، وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية في الدراسات العليا منها على سبيل المثال : اليهود في السنة المطهرة – ماجستير تقدم بها عبد الله بن ناصر بن محمد الشقاري يوم الأحد في 25/7/1403 هجرية .

مذاعات إسلامية :

ولأحاديثه الموقوفة والمستمرة عن طريق إذاعات المملكة صورة أخرى من نشاطه الفكري لا يحسن بمترجم له إغفالها .. وأول ما يتبادر للذهن منها برنامجه المعروف باسم (معالم قرآنية في البناء والتنمية) .

وقد قارب ما سجل منه الألف من الحلقات اليومية على مدى أربع سنوات، ثم اضطر إلى وقفه تحت ضغط المشاغل الجامعية، ولا تزال الإذاعة تعيد بعض حلقاته بين الحين والآخر، وقد أخبره مدير إذاعة القرآن الكريم أنهم قد أهدوا منها الكثير إلى العديد من الإذاعات العربية والإسلامية .

ومجرد اختياره لهذا العنوان يصور نزوعه الفكري إلى استكشاف الدقائق القرآنية في تربية الإنسان على النحو المتميز الذي يشمل كل خصائصه الذاتية، ليجعل منه الأنموذج الرباني الذي لا يطغى فيه جانب على آخر..

ولنستمع إليه يحدد هدفه من هذا العنوان بأنه يقدم (المبحث القرآني عن طريق حركات مركزة ومحددة في موضوع محدد يتعلق بالبناء عموماً، وبناء الإنسان بخاصة ، إذ أن التنمية بكل فروعها وميادينها رهن بناء الإنسان على المثال المتكامل الذي أراده الإسلام، وعلى هذا النهج تعرض بعض الحلقات لنماذج من أصول التنمية ، كما أوردها القرآن، والتي عمادها المتكامل الذي ينأى بالتنمية عن العثرات التي تتخبط فيها الحضارة الحديثة ، فمع التنمية لقدرات الإنسان وملكاته ـ بعد العقيدة ـ تنمية الجوانب الحياتية جميعاً ،من منطلقات سليمة تنتهي إلى غايات سليمة وبوسائل نظيفة متناسقة..).

وهناك حديثان آخران على ترتيب أسبوعي يبثان عن طريق إذاعة القرآن الكريم .. أولهما : السنة : علومها ومنزلتها من القرآن الكريم . وقد سجل منها حتى كتابة هذه السطور حوالي التسعين من الحلقات .. أما الثاني فعن (اليهود في القرآن والسنة) وبلغت مسجلاته السبعين .. ويقول : إن البرنامجين مستمران في الدورة الإذاعية خلال شهر رمضان المبارك ـ الذي نعيش في ظلاله هذه الأيام .

ومرة أخرى نعيد التأمل في موضوعات هذه المذاعات فنزداد علماً بتلك المواهب التي تحفزه لاختيار الأكثر أهمية من الأحاديث ، على أساس من الحاجة الماسة إلى الجديد الطريف الذي يعالج واقع الحياة الإسلامية ، بعيداً عن التكرار الذي يستهوي الكثير من أهل العلم في هذه الأيام ، سواء عن طريق الإذاعة أو البحوث التي قتلها مفكروا الإسلام كشفاً وتدقيقاً في القديم والحديث .

رأيه في صحوة الجيل :

وكانت فرصة صالحة لاستطلاع رأي فضيلته في بعض أحوال المسلمين :

هذه الصحوة التي كتب عنها الكثير، ونلمسها في أوساط الشباب المسلم على امتداد العالم الإسلامي ، وحيثما وجد هذا الشباب ، لابد أن يكون لها صورة ما في رؤيتكم الإسلامية :

يقول فضيلته في الجواب :

لابد لهذه الصحوة من امور من أهمها :

أ ـ ربط الشباب بالأصول في فهم كتاب الله ، والوثوق بالحديث النبوي وفهمه ، وما يؤصل ثقتهم بمواجهة نصوصهما ومناهج العلماء في فهمها ، مما يجعلهم على بينة ، وينأى بهم عن الإفراط والتفريط .

ب ـ العمل على ترسيخ صلتهم بنماذج من أعلام هذه الأمة عبر التاريخ ، لكيلا ينساقوا مع تفسيرات مادية لتاريخنا ، أو إغراق في نظرات تجعل من التاريخ متعبة للشباب .

ودراسة نماذج مضيئة من الإعلام تختار من الميادين كلها تنأى بالشباب عن العاطفة الجامحة ، وتشغله بالتأسي الجاد الذي لا بد له من المعرفة والصدق والعزيمة . وتفسير التاريخ نظرة إسلامية صحيحة في ضوء العقيدة وما هو حقها ، يضع الأمور في نصابها عند الشباب .

جـ ـ محاولة اشتمال الصحوة ضمن التيارات التي منها ما يدفع إلى ردة الفعل بسبب ظلم الطغاة وجور أولي التنفيذ ، أو انحراف بعض من يتصدون منابر العلم والتوجيه . ومنها ما وقع في حمأة الانشغال بالجزئيات عن الكليات ، ويجعل الشاب يقدم ما يراه مهماً وهو غير ذلك على الأهم ، الذي هو جمع القلوب على كلمة التوحيد ومقتضياتها ، ومواجهة التحديات بوعي وبصيرة ، وقدرة على فهم طبيعة الأرض التي يتحركون عليها ، والعدو الذي يواجهونه . وما الذي يريده الإسلام في مثل هذه المواقف .

د ـ وإذا سلكت هذه السبيل ممن أقامهم الله على هذا الثغر كان في مقدورنا توظيف الصحوة في المكان المناسب . والتوسط في مواجهة القضايا وحل المشكلات وفق المنهج الإسلامي جيد وطيب . فلا ملامة على من لا يوافقنا في الرأي ، ولا مهاترة يذهب معها الحق وتضيع الفرصة .

المؤلفات والبحوث :

كتب الأستاذ الدكتور محمد أديب الصالح العديد من الكتب والمؤلفات والأبحاث النافعة العميقة في الاختصاصات الشرعية المختلفة ... ولعل مؤلفاته المطبوعة أو التي في طريقها إلى المطبعة أقل عدداً مما يتوقع من مفكر على المستوى الذي عرفناه، بيد أن أعباء العمل التي تحاصره أبداً لها حكمها في تحديد نتاجه ، كشأنها في الكثير من أهل العلم الذين حبسهم الجهاد باللسان عن التدوين في الأوراق ، هذا إلى أن قوة المضمون في هذا القليل ترجح الكثير مما يعرض من المصنفات في الأسواق .. ولعله حين يصير ـ مثلي ـ إلى التفرغ للتأليف يمنحنا المزيد من الخير الذي ينطوي عليه إن شاء الله ..

أولاً :

المؤلفات والتحقيق :

 1-" تخريج الفروع على الأصول " للإمام الزنجاني المتوفي سنة 656 هـ ـ حقيقه لأول مرة . وقد طبعته جامعة دمشق في مطبعتها الطبعة الأولى عام 1963م، وعمل المؤلف يذكر بالتلاحم بين أصول الفقه وأصول الحديث ، لأن " أصول الحديث " هو المفتاح الحقيقي لتحرير كتب الأصول مما فيها من أحاديث وآثار ضعيفة أو موضوعة في بعض الأحيان ولو على قلة .

 وتجدر الإشارة هنا إلى أن صدور الكتاب محققاً قد أبرز عمل الزنجاني العظيم وأصبح تخريج الفروع على الأصول مادة مقررة في أغلب الجامعات على صعيدي الإجازة والدراسات العليا في مقدمتها جامعة الأزهر .

 وهذا ما دعاه إلى مضاعفة الجهد في خدمة الكتاب، فزاد من تحقيقه، وعني بتوثيق كل واحدة من مسائله من مصادرها الأصلية، وبذلك تتابعت طبعاته حتى بلغت الرابعة .

2 ـ " تفسير النصوص في الفقه الإسلامي " مجلدان :

 وقد طبع ثانية في مجلدين، وهو على وشك الصدور في الطبعة الثالثة .

دراسة مقارنة لمناهج الاستنباط . على هدي التطور التاريخي للمصطلحات الأصولية وتخريج الأحاديث والآثار المتعلقة بالقواعد الأصولية والأمثلة عليها ، مضافاً إلى ذلك : بيان ما ترتب على الاختلاف في القاعدة الأصولية من آثار في الفروع . ومما يثلج الصدر أن هذا الكتاب مقررـ على طلاب الدراسات العليا في العديد من كليات الشريعة في العالم العربي . وقد لمست ذلك بنفسي في المملكة هنا وفي الأردن وفي الإمارات وحدثت عن غيرها .

3ـ " مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط " :  ألفه الدكتور محمد أديب الصالح  لكلية الحقوق بجامعة دمشق، وجاءت الطبعة الجديدة الثانية موسعة، منقحة، فيها مزيد عناية بالتخريج والإضافات وتوجه جديد بأدلة جرى الإطلاع عليها من كلام الزنجاني وغيره في المصدرين المعروفين : الاستحسان والمصالح المرسلة وتحرير موقف الشافعية من كل من هذين المصدرين في ضوء هذا التوجه دون إهمال لتوضيح الموقع والدليل في العبارة مع الحفاظ الدقيق على الحقيقة العلمية ، ومراعاة التطور التاريخي للقاعدة والمصطلح بحيث يجمع التعريف هنا أشتات التعريفات عند الأقدمين ـ يرحمهم الله ـ ويعرضه بيسر ولين قدر المستطاع الأمر الذي آمل أن يسهم فيما يدعى إليه من التجديد . وما لابد من الإشارة إلى أن نواة هذا الكتاب كانت مذكرات درست موضوعاتها لطلاب السنة الرابعة بكلية الحقوق بجامعة دمشق ، حيث كانت الكلية قد أسندت إلي بموافقة كلية الشريعة تدريس مادة الأصول فيها ست سنوات كوامل .

4-(لمحات في أصول الحديث والبلاغة النبوية) : وطبع للمرة الثالثة في المكتب الإسلامي في بيروت، وهو في الطريق إلى الرابعة .وهو كتاب لطيف في مصطلح الحديث ، كتب له مقدمة في تاريخ السنة وأصول الحديث وعرج على البلاغة النبوية باختصار .

5-(من الجامع لأحكام القرآن) : تفسير ودراسة تحليلية لنصوص من تفسير القرطبي ، مع ترجمة للمؤلف، ودراسة لمنهجه في التفسير .

6 ـ " على الطريق " مجموعة مقالات فكرية، وبحوث تتعلق بالعلوم الإسلامية .

7- " هكذا يعلم الربانيون ": وهي مقالات تربوية تهتم بتزكية النفس نشرها تباعاً في مجلة حضارة الإسلام الصادرة في دمشق، وقد جمعها في مجلد أنيق

8 ـ " أدعياء الهيكل  : مقالات عن اليهود .

9- القيامة : مشاهدها وعظاتها في الحديث النبوي . 3 أجزاء .

10- التقوى في هدي الكتاب والسنة وسير الصالحين : " 4 أجزاء في مجلدين .

11-" معالم في الغاية والمنهج " مجموعة افتتاحيات " حضارة الإسلام " بوصفي رئيس التحرير، وعدد من المقالات والبحوث العلمية والفكرية .مجلدان .

12- " القصص في السيرة النبوية ".

13-(مذكرات في التفسير) : لطلاب كلية الشريعة، ويقول إن هذه المذكرات في طريقها لتكون عدة كتب، بعد أن تولاها بالمراجعة والتنقيح والتعديل في ضوء التدريس والمعاناة ..

14 -(معالم قرآنية في البناء والتنمية) .

15- (على الطريق) جزءاً ثانياً .

16-(من هدي النبوة): مجموعة أحاديث مختارة درست، وشرحت بتحليل في المعهد العالي للدعوة الإسلامية .

17- (البلاغة النبوية): مجموع محاضرات ألقيت على طلبة قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة دمشق .

18-(أصول الفقه).

19-(من أحكام القرآن): وهو آيات الأحكام التي درسها في جامعة دمشق

20-(تخريج أحاديث البزروي): للقاسم بن قطلوبغا بتحقيق المترجم .

ثانياً :

ومن البحوث :

1 ـ نظرة في الإجماع عند الشافعي -رحمه الله- (منشور) . مجلة كلية الشريعة بالجامعة الأردنية 1970 ـ 1971 العدد الأول .

2 ـ بحث عن المستشرق جولد زيهر وأمثاله في الموقف من الاستنباط وأصول الفقه بعنوان : عجمة القلب واللسان .(منشور).

3 ـ بحث عن الإمام الزنجاني وكتابه : " تخريج الفروع على الأصول " بعنوان : عالم وكتاب . (منشور).

4ـ تحقيق كتاب :" تخريج أحاديث البزدوي " للقاسم بن قطلوبغا ، قيد الإنجاز والطبع . وهو كتاب في غاية الأهمية لأنه يخرج أحاديث وآثار كتاب جد مهم من كتب أصول الحنفية . وهذا الكتاب أنموذج للعلاقة التي يفترض أن تكون حميمة بين أصول الفقه وأصول الحديث كما أشرت إلى ذلك من قبل . وفوائد ذلك على ساحة العلم لا تخفى على منصف وأبسطها أن يكون الأصولي على بينة من أمره في العلاقة بالنصوص .

5 ـ شرح كتاب " الرسالة " للإمام الشافعي (تخطيط وتهيئة) .

6 ـ" أحكام القرآن " تفسير آيات الأحكام في سورة البقرة (بحث موسع للطلبة).

7 ـ " أحكام القرآن " تفسير آيات الأحكام في سورة النساء (بحث موسع للطلبة) . وهما كتابان معدان للطبع ومنشوران كمذكرات لطلبة الشريعة .

8 ـ" عربية اللسان في القرآن الكريم ".

9 ـ " في البلاغة النبوية " منشور.

10 ـ " حول التفسير حسب النزول وعلاقة ذلك بالمعاني والأحكام .منشور.

11 ـ بين الطبري ويحيى بن سلام .

المشاركة الإذاعية :

كان من توفيق الله ما أتيح له من المشاركة الإذاعية في إذاعة القرآن الكريم منذ المجيء إلى المملكة العربية السعودية عام 1978 م وحتى الآن ، وذلك بتقديم عدد من البرامج والأحاديث التي تذاع أيضاً من إذاعتي البرنامج العام والبرنامج الثاني ، وكذا المشاركة في ندوات علمية إذاعية وتلفزيونية .

ومن البرامج الإذاعية :

1 ـ " معالم قرآنية في البناء والتنمية " وقد ناهزت حلقاته الألف حلقة .

2 ـ" السنة ومكانتها التشريعية في الإسلام ".

3 ـ " اليهود في القرآن والسنة ".

4 ـ " مشاهد القيامة في الحديث النبوي ".

5 ـ " التقوى في الكتاب والسنة ".

6 ـ " الربانيون " قدوة وعمل .

7 ـ " القصص في السنة النبوية ".

وتتم إذاعة بعض من هذه البرامج ـ بالتنسيق مع إذاعة القرآن الكريم بالرياض وإهداء منها ـ في عدد من إذاعات الدول العربية والإسلامية وتحرص إذاعة القرآن الكريم مشكورة على تجديد إذاعة بعض البرامج التي ترى في عطائها صلاحية الإعادة ، ولذلك تتكرر إعادة إذاعة تلك البرامج كالذي هو حاصل في هذه الدورة بدءاً من المحرم حيث تعاد إذاعة برنامج : مشاهد القيامة في الحديث النبوي حيث يستمر ذلك حتى المحرم 1427 هـ .

أنموذج من أحاديثه المذاعة

ـ مع اليهود ـ

اليهود هم اليهود .. وقصتنا التي طال أمدها مع الذين غضب الله عليهم ما تزال على ما يبدو بعيدة النهاية حتى تعود أمتنا سيرتها الأولى . وفي القرآن ضياء على دروب هذه الرحلة [ومن أصدق من الله حديثاً !] فالمسلم يردد قوله تعالى :[غير المغضوب عليهم ولا الضالين] مرات ومرات في الصلاة وخارج الصلاة .

والذي رأيناه من مكرهم وغدرهم ، ونراه اليوم من صلفهم وتجاوزهم كل الحدود ، كما يمثل في وجهه الأول حقيقة ما هم عليه ، يمثل في وجهه الآخر ، انعكاس ما نحن عليه في أنفسهم . فهم ينطلقون من حقيقة ما هم عليه أولاً ، ومن اقتناعهم بما نحن عليه ثانياً .

وكل هذا ينبغي أن يزيد الأمة حرصاً على وضوح الرؤية بشأن هؤلاء اليهود ، والنظر إلى أمرهم نظرة جادة ، لا تدع الاعتبار بالماضي ، كما لا تغفل أثر الحاضر في المستقبل . فالخطر الداهم ممن حل عليهم غضب الله ولعناته ، لا يقتصر على ميدان دون ميدان ، ولكن يتعدى السلم والحرب إلى الميادين كلها ، والأمة التي تقف على أبواب يقظة جديدة ، يجب أن تكون أمورها الثقافية ـ بمدلولها الواسع ـ والسياسة ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، في حسابها عندما تحارب أو تسالم ، عندما تهادن أو تخاصم .

من أجل ذلك علينا أن نحسن بناء الفرد على العقيدة وحب الجهاد ، ونحول دون زعزعة كيان الجماعة ، ونوظف العلم في الإفادة من ثروتنا ، وتنمية طاقاتنا المعنوية والمادية ، كي نستطيع مواجهة المراحل المقبلة ، وما تلده الليالي من وقائع وأحداث .. ويوم لا نضع في حسابنا ما عليه عدونا من خلائق جاء على ذكرها القرآن الكريم والسنة المطهرة وأكدتها الوقائع ، ونهمل طبيعة العلاقة بيننا وبينهم على مدى التاريخ ، وخصوصاً ما كان من عدائهم للرسالة والرسول ، وما تبع ذلك من شرور مزقت فيما مزقت تلك الراية التي كان يجتمع حولها المسلمون .. يوم نفعل ذلك على طريق حسم ما بيننا وبينهم ، نكون غافلين عن الحقيقة متخلين عن واحد من أمضى الأسلحة في ميدان الصراع ، وهل أدل على ذلك من واقع صنيعهم اليوم ، ودس أنوفهم في كل ميدان ، محاولة منهم للتأثير في حياتنا تحت شتى العناوين ، والإفادة من تخلخل الصف وانحسار الإسلام عن حياة المسلمين في كثير من البقاع !..

إن باباً عريضاً للعزة والنصر سوف يكون ملكاً لهذه الأمة ، إذا هي اعتبرت بالماضي ، ولم تغفل طبيعة الصراع في الحاضر، وكانت على ذكر من أنه لا يحسن الظن بهؤلاء الأعداء ومن هم على شاكلتهم . إلا زائغ عن طريق الحق أو غافل ، ففي ظلال الإخراج المسرحي لصلح منفرد نرى من بعض تصريحات رئيس وزرائهم قوله : (لن نتخلى بأي حال من الأحوال عن مدينة القدس عاصمة إسرائيل التي توحدت إلى الأبد) وهو يعتبر ـ كما نعلم ـ الضفة الغربية التي أسماها (يهود السامرة) جزءاً لا ينفصم من أرض إسرائيل الكبرى .

وللتاريخ كلمة هو قائلها في من يتبرع ، أو يساوم على قضية الأمة بكاملها ، لأنها في دم كل مسلم وروحه وقلبه ، وليست ملك إنسان سوف تبدي الأيام أنه لا يملك ما يساوم عليه ، وحسبنا في هذه الدقائق الخمس أن نذكر قول الله تعالى بعد أن عرض للكثير من ضلالهم ، والخطاب للمؤمنين :

[أفتطمعون أم يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ! .. أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون !].

ويخاطب الله المسلمين خطاباً يحملهم على اليأس من خيرهم .. كيف .. وهؤلاء اليهود يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ويبدلونه ، وكأنهم يحسبون الله غافلاً عما يعملون .. فإذا كان هذا موقفهم من رب العالمين وكلماته فكيف يبقى للطمأنينة إليهم مكاناً ؟!..

إنه الدرس الذي لا يصح لغافل أن ينساه ، والمعلم القرآني الذي يجب على الأمة أن تسير في علاقتها باليهود على هداه ..

النشاطات الأخرى :

ـ رئاسة تحرير مجلة " حضارة الإسلام " من عام 1964 وحتى عام 1981 م، وهي مجلة محكمة كانت تصدر في دمشق . وقد استودعها عدداً وافراً من الافتتاحيات والبحوث والمقالات يربو عدد صفحاتها على خمسمائة وألف، وقد حدّد طبعها في مكتبة العبيكان بمجلدين، وكان ذلك بعنوان " معالم في الغاية والمنهج ".

ـ الإسهام في التوجيه العلمي الدعوي والمشاركة في عدد من الندوات والمحاضرات، مع القيام ـ بحمد الله من زمن طويل ـ على عدد من الحلقات العلمية المتخصصة في أصول الفقه وأصول الحديث وتفسير النصوص في الكتاب والسنة والإسهام في التوعية الإسلامية قدر المستطاع .

ـ المشاركة في النشاط العلمي والدعوي في كل من قطر والكويت ، وبخاصة في شهر رمضان المبارك .

ـ المشاركة الفعالة في الندوات العلمية والتربوية التي كانت تنظمها كلية الشريعة بجامعة دمشق والتي أسهمت في تكوين الطالب والطالبة والارتقاء بهما إلى مستوى السلوك الذي فيه تتحقق أهداف

في الإعداد العلمي والتربوي .

ـ تولي إلقاء خطبة الجمعة في مسجد جامعة دمشق خلال الأعوام : 1964 ـ 1969 ، وهو مسجد كبير تشرف عليه كلية الشريعة وتؤمه أعداد كبيرة من الأساتذة والطلاب ـ من مختلف التخصصات ـ وكبار المثقفين ، وقد كانت الخطابة فيه موجهة بحيث تكون صورة من صور التكامل العلمي والفكري مع العمل الجامعي في كليتي الشريعة والحقوق .

ـ المشاركة في بعض المؤتمرات ومحاضرات وندوات بعض الأسابيع الثقافية في بعض الجامعات وما هو منها بسبب .

ـ زيارة بعض الجامعات العربية والتدريس فيها بناء على دعوات منها بصفة أستاذ زائر وذلك لمدة تتراوح بين الشهر والشهرين وأحياناً أكثر، حصل ذلك بجامعة قطر، وجامعة الملك سعود ، وجامعة الإمام قبل الإعارة .

  ـ ومن نعم الله جل شأنه بعد توقف العمل الجامعي للتقاعد : ما من الله به عليه من استمرار اللقاء الدوري على حلقات علمية خاصة في " أصول الفقه " ـ على الأعم الأغلب ـ و" الحديث النبوي " في مصادره وشروحه .

ـ ثم توافر الوقت والبركة فيه : لاصطحاب مكتبته الخاصة في المنزل ، أكثر من ذي قبل ، وهي مكتبة تضم ـ بحمد الله ـ آلاف العناوين المنوعة حيث التفرغ لشيء من التنقيح والاستدراك لبعض المؤلفات تمهيداً لإعادة طباعتها، وإنجاز ما يكون من المقدور عليه من البحوث والتآليف .

يضاف إلى ذلك : القيام بما تكلفه به بعض الجامعات من مناقشات لرسائل الدكتوراه ، أو التحكيم في تقويم إنتاج علمي لترقية صاحبه في السلم الجامعي ، أو النشر في مجلة علمية محكمة ، ناهيك عما قد يصحب ذلك من استشارة علمية من قبل مراكز البحوث ، أو تقويم بحث علمي يراد نشره عندها .

والاستضافة العلمية التي قد تشرفه بها جامعة من الجامعات ، كالذي حصل من قريب ، من جامعة الشارقة ، وجامعة الإمارات ، وكلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي : أمر طيب يجدد للأستاذ الجامعي آفاق التعاون العلمي البناء والحمد لله رب العالمين .

· تجدر الإشارة هنا إلى أن الميل إلى مادة " أصول الفقه " كان يحمله على شيء من التوسع بدراسة خاصة على بعض مشايخه المتخصصين يومذاك، وكان الواحد منهم يحرص على قراءة الكتاب ـ بفهم ـ من الجلدة إلى الجلدة .

· الرتب المذكورة في أعلاه هي وفق مصطلح جامعة دمشق وقتذاك . والحقبة الزمنية بين المرتبة والمرتبة التي تليها خمس سنوات .

علماً بأن حامل الدكتوراه ـ ولو كان موفداً من الجامعة مثله ، لابد من فحص الرسالة من قبل لجنة تشكلها الجامعة لأن الرسالة صلحت للدكتوراه، ولكن الصلاحية للتدريس في الجامعة الموفدة أمر آخر.

المراجع :

1– معجم المؤلفين السوريين :297 .

2– النشرتان (3و4 ) التي أصدرها المكتب التنفيذي بتاريخ 15/ ربيع الأول 1374/1954م .

3-علماء ومفكرون عرفتهم – محمد المجذوب – دار الاعتصام بمصر .

4-رابطة أدباء الشام – كتب ترجمته بقلمه .

5-أعلام الحركة الإسلامية في سورية – عمر محمد العبسو.