عبد الغـني العِطـري

أيمن بن أحمد ذو الغنى

1

(أديب الصَّحفيِّين, وصَحفيُّ الأدباء)

(1337 - 1423هـ = 1919 - 2003م)

أيمن بن أحمد ذو الغنى

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

هو عبدُ الغني بن محمَّد بن عبد الغني العِطري، أبوه من تجَّار الشام ووُجَهائها (1348هـ / 1929م).

وأمُّه فوزيَّة ابنة العالم الصالح إبراهيم بن محمَّد الذهَبي.

درس في الكليَّة العلميَّة الوطنيَّة من بدء الدراسة الابتدائيَّة إلى نهاية المرحلة الثانويَّة، وظهر تفوُّقه في مادَّتَي الأدب العربيِّ والأدب الفرنسيِّ.

شارك في الحركات الوطنيَّة ضدَّ الاحتلال الفرنسيِّ, ولوحِقَ وأوذي.

نبوغ مبكِّر

بدأ نشرَ المقالات والقصص المؤلَّفة والمترجَمَة في مجلَّة (الرسالة) المصريَّة، و(المكشوف) اللبنانيَّة، وغيرهما من المجلاَّت الكُبرى في سنٍّ مبكِّرة، وهو لا يزال طالبًا في المرحلة الثانويَّة.

هَوِيَ الصِّحافةَ وتتبَّع الصُّحفَ اليوميَّة باهتمام وشَغَف، وأَولى المجلاَّت الفرنسيَّة عنايته؛ لإعجابه بموضوعاتها وأبوابها المبتكَرة.

بعد فراغه من المرحلة الثانويَّة لم يعبَأ بمتابعة الدراسة الجامعيَّة، وقرَّر النـزولَ إلى مُعتَرك الحياة العمليَّة.

استأجر امتيازَ جريدة (الصَّباح)([2]) الأدبيَّة المتوقِّفة، وأعاد إصدارَها من جديد، وكان عملُه هذا مغامرةً تتَّسِم بالطَّيش، إذ ظروفُ البلاد بلغَت في الصُّعوبة الغاية!

صدر العدد الأوَّل من (الصباح) في 6 من تشرين الأول 1941م، وفيه قصصٌ وقصائدُ ومقالاتٌ لعدد كبير من أعلام الأدب حينئذٍ، من مصرَ ولبنانَ وسورية.

وعلى صفَحاتها ظهرت الكتاباتُ الأولى لعددٍ كبيرٍ من الأدباء الذين صاروا فيما بعدُ أعلامًا ومشاهيرَ، منهم: نزار قبَّاني، وعبد السلام العُجَيلي، وبديع حقِّي، وسُهَيل إدريس، وسعد صائب، وعدنان مَردَم بك.

وعلى صفَحاتها أيضًا نشر عددٌ كبير من عمالقة الأدب منهم: محمود تَيمور، ود. زكي مُبارك، ويوسف جَوهر، وخليل مَردَم بك، ومحمَّد البِزِم، وشَفيق جَبري، وأحمد الصَّافي النَّجفي، وزكي المَحاسني، وفؤاد الشَّايب، ومحمَّد الفُراتي.

وكانت (الصباحُ) تَحرِص على مُستوًى عال ورفيع للنشر فسجَّلت نجاحًا كبيرًا متميِّزًا.

بعد سنتين أبى صاحبُ الامتياز تجديدَ العقد بوَسوَسَة وتحريض من بعض الحُسَّاد؛ طَمعًا في استثمار نجاح الصَّحيفة، ولكنَّهم أخفَقوا في إكمال المسيرَة، وانتهى بهم الأمرُ إلى إيقافها.

تولَّى رِياسةَ تحرير جريدة (الأخبار) اليوميَّة بإلحاح من صاحبها محمَّد بَسيم مُراد، فأدخل عليها مجموعةَ أبواب وزوايا جديدة، جعلها تقفزُ إلى الأمام خطُوات، ولم يَطُل بقاؤه فيها؛ لشدَّة الإرهاق، فاعتذَرَ عن ترك العمل.

عام 1945م شرعَت محطَّة الشرق الأدنى للإذاعة العربيَّة - ومقرُّها مدينة يافا - توجِّه دعَوات إلى كبار الأدباء العرب؛ لتقديم بعض الأحاديث الأدبيَّة فيها، ووقع اختيارُها حينها على الأستاذَين الكبيرَين محمَّد كُرد علي رئيس المجمع العلميِّ العربيِّ، وشاعر الشام شَفيق جَبري، والأديب الشابِّ عبد الغني العِطري.

إصرار ودأب

اشترى امتيازَ جريدة يوميَّة، وحوَّلها إلى مجلَّة أسبوعيَّة جامعة سمَّاها (الدنيا)، صدر أوَّلُ أعدادها يوم 17 من آذار 1945م.

وكانت وثبةً في عالم الصِّحافة السوريَّة؛ أدخل عليها الطِّباعةَ الملوَّنة في الغلاف والصفَحات الداخليَّة، وجدَّد في إخراج المادَّة، واقتَبَس أبوابًا من المجلاَّت الفرنسيَّة لم تكن معروفةً في الصِّحافة العربيَّة.

وفي مطلع عام 1953م صار يُصدر معها كتابًا شهريًّا ناجحًا باسم (كتاب الشهر) استمرَّ سنةً، ثم أوقفه مضطَرًّا؛ للتخفيف من وَطأة العمل وكثرة الأعباء.

سجَّلت (الدنيا) نجاحًا كبيرًا، وتخرَّج في مدرستها أجيالٌ من الكتَّاب والصَّحفيِّين.

وفي أيَّام الوَحدَة بين سورية ومصر سنة 1958م أوحى عبد الحميد السرَّاج إلى جمال عبد الناصر ضرورةَ تصفية الصُّحف والمجلاَّت السوريَّة، فاغتيلَت كلُّها في مسرحيَّة هَزليَّة أُجبر فيها الأستاذ - مع جميع أصحاب الصُّحف والمجلاَّت - على توقيع تنازُل، وقلبُه يتفطَّر ألمًا وحَسرة.

بعد انفِراط عِقد الوَحدَة أُعيدت الصُّحف والمجلاَّت إلى أصحابها، فأعاد إصدارَ مجلَّته (الدنيا) في الثاني من آب 1962م، بعد احتجابٍ دام ثلاثَ سنوات وستَّة أشهر. وصدرت في حُلَّة جديدة وقفزة صَحفيَّة كبيرة.

واستمرَّت كذلك إلى الثامن من آذار 1963م حين استهلَّ حزبُ البعث عهدَه الغاشم بإلغاء امتيازات جميع الجرائد والمجلاَّت!

في السعودية

سافر في 15 من كانون الأول 1963م إلى مدينة جُدَّة في السعوديَّة؛ استجابةً لعرض سخيٍّ للعمل في وِزارَة الإعلام؛ رئيسًا لتحرير (مجلَّة الإذاعة)، ومُراقبًا للمطبوعات الفرنسيَّة، وقام بنشر عشَرات المقالات الأدبيَّة والفكريَّة في الصُّحف السعوديَّة، إضافةً إلى تحرير صفحة كاملة يوميًّا في جريدة (الندوة).

لم يناسبه جوُّ جُدَّة شديدُ الرطوبة، فاضطُرَّ إلى العودة إلى مَدرَج صِباه ومَهوى فؤاده دمشق، بعد سنتين من الاغتراب عنها.

عَود على بَدء

عُهد إليه في دمشقَ كتابةُ أحاديثَ أدبيَّة لإذاعة لندن، مع مقالات لبعض المجلاَّت الكُبرى، منها: (العربي)، و(الفيصل)، و(المجلَّة العربيَّة) و(طبيبك).

ثم تولَّى رَآسةَ المكتب الصَّحفيِّ في السِّفارَة السعوديَّة بدمشق من عام 1969م حتى 1986م.

وكانت له زاويةٌ في مجلَّة (فنون) بعنوان (أوراق صَحفيٍّ قديم).

نتاجه الأدبي([3])

 1- (أدبنا الضَّاحك).

2- (قلب ونار) وهو مجموعة قصصيَّة مؤلَّفة ومترجَمة، قدَّم لها الروائيُّ المصريُّ الكبير محمود تَيمور.

3-   (دفاع عن الضَّحك).

4- (اعترافات شاميٍّ عتيق) وهو سيرتُه الذاتيَّة.

5-   (همَسات قلب).

6-   (بخلاء معاصرون).

7-  (سعادة والحزب القومي)([4]).

سلسلته في تراجم أعلام الشام:

8-   (عَبقريَّاتٌ شاميَّة) عددُ التَّراجِم فيه (11).

9-  (عَبقريَّاتٌ من بلادي) عددُ التَّراجِم فيه (19).

10- (عَبقريَّاتٌ وأعلام) عددُ التَّراجِم فيه (46).

11-   (عَبقريَّات) عددُ التَّراجِم فيه (49).

12-   (أعلامٌ ومُبدِعُون) عددُ التَّراجِم فيه (53).

13-   (حَديثُ العَبقريَّات) عددُ التَّراجِم فيه (50).

في مساء الأحد الثاني والعشرين من شهر ذي الحجَّة سنة 1423هـ يوافقه 23/ 2/ 2003م، بينما الأستاذ يمضي إلى داره مشيًا على قدميه، إذا بسيَّارة مسرعة تصدمه، وتُلقي به مسافةَ أمتار، لا يلبث أن يلفظَ أنفاسَه على إثرها، ويُسلم الرُّوح لبارئها، رحمه الله تعالى رحمةً واسعة، وغفر له ما قدَّم([5])، وعوَّض أمَّتنا خيرًا.

الأستاذ عبد الغني العِطري في مكتبه الذي كان مقرًّا لمجلَّته (الدنيا)

يوم الثلاثاء 19 من جُمادى الآخرة 1423هـ

بعدسة كاتب الترجمة

الأستاذ عبد الغني العِطري في مكتبه ومعه كاتب الترجمة

يوم الثلاثاء 19 من جُمادى الآخرة 1423هـ

من إهداء شرَّفني به لكتابه

(دفاع عن الضحك)

               

([1]) من كتابي (أعلام العبقريَّات الشاميَّة؛ فهرس الأعلام الذين ترجم لهم عبد الغني العِطري في كتبه).

ومصادر ترجمة الأستاذ العِطري: (اعترافات شامي عتيق)، و(عبقريات وأعلام) ص453-475 كلاهما للمترجَم له، و(من هم في العالم العربي، سورية) ص430، و(معجم المؤلفين السوريين) لعبد القادر عيَّاش ص356-357، و(موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين) لسليمان بن سليم البوَّاب 3/ 299، و(ذيل الأعلام) لأحمد العلاونة 3/ 116، و(إتمام الأعلام) لنـزار أباظة 2/ 96-97، و(موسوعة الأسر الدمشقية) لمحمد شريف الصوَّاف 2/ 731-732، و(معجم الجرائد السورية) لمهيار عدنان الملُّوحي ص445-446، و(علماء دمشق وأعيانها في القرن الخامس عشر الهجري) لنـزار أباظة ص468-469.

([2]) كان يومئذٍ في الثانية والعشرين من عُمره, وفي "معجم المؤلِّفين السوريين" ص356 أنه كان في التاسعة عشرة, وهو خطأ!

([3]) ذكر الأستاذ الفاضل د. نزار أباظة في كتابيه (إتمام الأعلام) 2/96, و(علماء مشق وأعيانها في القرن الخامس عشر الهجري) ص468 من كتب العطري: (كتبتُ ذات يوم), و(دمشق: صور وذكريات), و(شيء من القلب). وهذه الكتب كان أخبر الأستاذ العطري في بعض كتبه أنها في قيد الطبع, أمَّا الأوَّلان فلم يُطبعا, وأمَّا الأخير فطُبع بعنوان: "همَسات قلب".

([4]) انفرد بذكره الصديق الأستاذ أحمد العلاونة في "ذيل الأعلام" 3/116, ولم يذكره العطريُّ في شيء من كتبه ولا في ترجمته لنفسه! وذلك أنه كان في شبابه قريبًا من الحزب القوميِّ السوريِّ معجبًا بمؤسِّسه أنطون سعادة, فألَّف كتابَه هذا عام 1950م, ثم تغيَّر موقفُه من الحزب وزعيمه فكتَم خبرَ الكتاب البتَّة.

([5]) أُخذ على الأستاذ في صدر حياته وعلى مجلَّتيه (الصباح) و(الدنيا) الجنوحُ عن جادَّة الشرع القويم, بيدَ أنه بفضل الله فاء إلى الرُّشد في أواخر حياته؛ استقامةً ومحافظةً على الواجبات الدينيَّة رحمه الله.