تأملات في القران الكريم ح370، سورة الاحقاف الشريفة

للسورة الشريفة كثير من الفضائل والخصائص منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الامام الصادق عليه السلام قال: من قرأ كل ليلة أو كل جمعة سورة الاحقاف لم يصبه الله تعالى بروعة في الحياة الدنيا وامنه من فزع يوم القيامة إن شاء الله .

بسم الله الرحمن الرحيم

حم{1}

تقدم مثلها .

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{2}

تستهل الآية الكريمة (  تَنزِيلُ الْكِتَابِ ) , القرآن الكريم , (  مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ) , في ملكه وملكوته , الغالب امره , (  الْحَكِيمِ ) , في صنعه وتدبيره وفي ما يقضي ويقدر . 

مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ{3}

تبين الآية الكريمة امرين متلازمين :

1-    (  مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ) : ان الله جل وعلا خلق السموات والارض وكل شيء لتكون شواهد ودلالات على قدرته ووحدانيته , اما الاجل المسمى فهو حين انقضاء الآجل الكلي "يوم القيامة" , او انقضاء الآجل الخاص لكل شيء في اخر مدة بقاء له .   

2-    (  وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ ) :  يبين النص المبارك ان الكفار غافلين وغير متفكرين تاركين الاستعداد لما خوفوا منه , في اشارة الى يوم القيامة .

قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{4}

الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ ) , لهم يا محمد "ص واله" , (  أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) , أخبروني عن حال آلهتكم التي تعبدونها من دون الله جل جلاله :

1-    (  أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ) : ان كانت قد خلقت شيئا من الارض فأروني اياه , بيانا لعجزها عن أتفه الافعال .

2-    (  أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ) : اما اذا كان لهم شراكة مع الله تعالى عن ذلك فأتوني بحجة او برهان .

3-    (  اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا ) : أذا فأتوني بكتاب مثل القرآن ناطقا بالحق والتوحيد يكون دليلا وحجة وبرهانا لكم على عبادتهم .

4-    (  أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) : ان كان الكتاب غير ممكنا , فأتوني ببقية علوم اباءكم الاولين تدل وتثبت فيها على استحقاقهم العبادة , (  إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في دعواكم وعبادتكم لها .   

( عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال عنى بالكتاب التوراة والانجيل وأما أثارة من العلم فإنما عنى بذلك علم أوصياء الانبياء ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .

وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{5}

تستمر الآية الكريمة (  وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّه مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ ) , تضمن النص المبارك استفهاما يفيد النفي , أي ان لا احد اكثر ضلالا وتيها وبعدا عن الحق والطريق القويم ممن عبد غير الله جل جلاله , ودعا من لا يسمع دعاءه ولا يستجيب له , (  إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ ) , أي ان الاصنام لا تسمع ولا تستجيب لعبادها ودعواتهم لها وان استمر دعاءهم الى يوم القيامة , (  وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) , بل ان تلك المعبودات اما ان تكون جمادات فلا تسمع ولا تجيب داعيها , او ان تكون من ذوات الارواح العاقلة كعيسى "ع" فهو مشغول بذكر ربه وعبادته , واما تكون من ذوات الارواح غير العاقلة كالبقر وغيرها , فهي بهائم مشغولة بالطعام والشراب والغرائز , فلا تعي دعوة داعيها .   

وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{6}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ ) , الى يوم القيامة , (  كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء ) , أي ان تلك المعبودات ستلحق الضرر بعابديها حينها , وذلك بالبراءة منهم وشهادتها ضدهم , كبراءة عيسى "ع" ممن ألهه وعبده , (  وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) , وايضا تنكر عبادتهم لها { وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } المائدة116 .    

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ{7}

تستمر الآية الكريمة مبينة (  وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ) , يبين النص المبارك حال اهل مكة عند تلاوة شيئا من آيات القرآن واضحات المعنى والدلالة , (  قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ ) , قال الكفار منهم في شأن الحق , وذلك بعد ان جحدوها ولم يؤمنوا بها , (  هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) , هذا سحر ظاهر "أي الحق" , في محاولة يائسة منهم في ابطاله ودحضه .      

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{8}

تستمر الآية الكريمة (  أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ) , لم يكتفوا بقولهم سحر ظاهر , بل اضافوا ما هو اشنع من ذلك , حيث اتهموا النبي الكريم محمد "ص واله" باختلاقه وافتراءه , (  قُلْ ) , لهم يا محمد "ص واله" , (  إِنِ افْتَرَيْتُهُ ) , على افتراض اني قد اختلقته , (  فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ) , أي ان اوقع الله تعالى ذكره بيّ الضر او العقوبة والعذاب , فلا يمكنكم دفع شيئا منه عني , (  هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ) , وهو جل وعلا اعلم بما تقولونه عن القرآن من القدح في آياته , (  كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) , يشهد لي بالبلاغ ويشهد عليكم بالتكذيب والجحود , في النص المبارك تهديد ووعيد لهم , (  وَهُوَ الْغَفُورُ ) , وهو جل وعلا كثير المغفرة لمن آمن وتاب , (  الرَّحِيمُ ) , بالمؤمنين , من النص المبارك (  وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) نستلهم عدة امور منها :

1-    وعدا الهيا لمن آمن وتاب بالمغفرة والتوبة ومن ثم حسن العاقبة والثواب الجزيل .

2-    وفيه ايضا بيان او اشعار عن حلم الله تعالى عنهم , فلا يعاجلهم العقوبة في الدنيا , بل أجل العقاب الى يوم القيامة .  

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ{9}

تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ ) , لهم يا محمد "ص واله" , (  مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ ) , بديعا منهم , او اول من ارسل , بل سبقني الكثير منهم , فكيف تكذبونني وانتم تعلمون ان هناك رسلا قد سبقوني , (  وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ) , لا علم لي بما سيجري عليّ ولا عليكم في الدارين , لا اعلم ان كنت سوف أقتل كما قتل النبيين قبلي او اخرج من بلدي كما اخرجوا , او ان أرمى بالحجارة ... الخ , ولا اعلم ان كنتم من سيقوم بكل ذلك , او انكم سوف تؤمنون , (  إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) , لكني اتبع ما يوحى ألي من امر الدين , ولا ابتدع شيئا من تلقاء نفسي , (  وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) , يبين الرسول الكريم محمد  "ص واله" احدى وظائفه , البلاغ الواضح المقرون بالحجج والادلة على صدق رسالته , منذرا من عقاب الله تعالى الذي ينتظر الكفار والمشركين .  

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{10}

تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ ) , لهم يا محمد "ص واله" , (  أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ ) , أخبروني كيف سيكون حالكم ان كان القرآن من عند الله تعالى وانتم قد كفرتم به , (  وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ ) , يؤكد النص المبارك حضور شاهدا من بني اسرائيل , لديه علما مسبقا من التوراة به , يختلف المفسرون في هوية ذلك الشاهد , فمنهم من قال انه عبدالله بن سلام , حيث كان عالما من علماء بني اسرائيل , وقد يكون هذا الرأي مرجحا لدى كثيرون منهم , واخرون يرون ان الشاهد هو موسى "ع" , حيث بشر بمجيء الرسول الكريم محمد "ص واله" بصفته ونعته , (  عَلَى مِثْلِهِ ) , مما في التوراة , حيث تطابقت المعاني , فصادقت عليه , (  فَآمَنَ ) , ذلك الشاهد وهو عبدالله بن سلام على ارجح الآراء , (  وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) , وتكبرتم انتم يا كفار مكة عن الايمان به , (  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) , يقرر النص المبارك انه جل جلاله لا يوفق الظالمين الى طريق الهداية لأتباعهم الهوى واستحبابهم للملذات والشهوات ومتابعتهم طرقها ومسالكها وتفضيلها على الطريق الموصل للحق .   

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ{11}

تروي الآية الكريمة على لسان الكفار (  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا ) , في حقهم , (  لَوْ كَانَ خَيْراً ) , أي الايمان او ما جاء به الرسول الكريم محمد "ص واله" , (  مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) , وذلك لأن اكثر المؤمنين كانوا من الفقراء والموالي , (  وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ) , طالما وان هؤلاء الكفار لم يهتدوا الى الايمان بالقرآن , (  فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيم ) , فسيقولون عنه انه كذب , كأساطير الاولين .    

وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ{12}

تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مضيفة (  وَمِن قَبْلِهِ ) , من قبل القرآن , (  كِتَابُ مُوسَى ) , التوراة , حيث كان (  إِمَاماً ) في طريق الحق والهداية , (  وَرَحْمَةً ) , لمن آمن به , مطبقا لمضامينه , (  وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ ) , لكتاب موسى "ع" , ولكل الكتب الاخرى , (  لِّسَاناً عَرَبِيّاً ) , باللغة العربية , ومن اهدافه ومضامينه :

1-    (  لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) : الانذار , للمشركين بالنار وسوء العاقبة .

2-    (  وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) : البشارة للمؤمنين , بالجنة وحسن العاقبة .  

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{13}

تقرر الآية الكريمة (  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) , وحدوه , (  ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) , على الدين , او التوحيد والايمان , والطاعة والعبادة , (  فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) , من مكاره الدنيا والاخرة , (  وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) , على ما فاتهم من عزيز او أي شيء اخر .  

أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{14}

تضيف الآية الكريمة (  أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ) , اهلها وسكانها , (  خَالِدِينَ فِيهَا ) , حالهم فيها الخلود , (  جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) , ثواب واجر ما عملوه في الدنيا .      

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{15}

تبين الآية الكريمة (  وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً ) , أمرنا بالإحسان اليهما , (  حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ) , حملته امه على مشقة , وكانت ولادته امرا شاقا ايضا , (  وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً ) , اقل مدة حمل ستة اشهر , اما الرضاعة فتستمر لسنتين , ذلك كله لبيان ما تكابده الام , (  حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) , كمال القوة العقلية والبدنية , (  وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) , الذروة في تكامل القوة العقلية والبدنية , (  قَالَ  رَبِّ أَوْزِعْنِي ) , ألهمني :  

1-    (  أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ) : ألهمني او وفقني الى شكر نعمتك عليّ وعلى والدي , وذكر الوالدين من جهة الابن بيانا لبره بهما واعترافا منه بفضلهما عليه .

2-    (  وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ) : الهمني ووفقني الى العمل الصالح النافع الذي يرضيك .

3-    (  وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) : كما صلحت انا مع والداي . 

4-    (  إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ ) : من ذنوبي , وعن كل شغل يشغلني عنك .

5-    (  وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) :  المخلصين الخاضعين المنقادين المستسلمين لأمرك ونهيك , وطاعتك وعبادتك . 

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ{16}

طالما وان الدعاء كان مستهلا بـ ( رب ) فتكون اجابته اما في نفس الآية الكريمة او في الآية التي تليها , فأجابته الآية الكريمة (  أُوْلَئِكَ ) , الداعين بهذا الدعاء , (  الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ) , احسن ما عملوا من نافع الاعمال , (  وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ ) , ونعفو عما ارتكبوه من سيء الاعمال , (  فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ) , في جملتهم , (  وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) , الذي لا شك فيه , الذي وعدوا به في الدنيا .   

وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{17}

تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مضيفة مسلطة الضوء على الولد العاق (  وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا ) , ولو بكلمة ( اف ) على صغرها , لكن مضمونها كبير عند الله تعالى , (  أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) , من القبر للبعث , (  وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي ) , وقد مات قبلي الكثير الكثير لم أر منهم من خرج من قبره , بل ولم اسمع ذلك , (  وَهُمَا ) , الوالدين , (  يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ) , يسألانه جل وعلا الغوث برجوع ابنهما الى طريق الحق , (  وَيْلَكَ آمِنْ ) , الويل والثبور لك , آمن بالبعث , (  إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) , بالبعث والحساب , (  فَيَقُولُ ) , لهما هذا الولد العاق , (  مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) , ما هذا البعث الا من الاكاذيب والاباطيل التي تروى عن اساطير الامم السابقة .        

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ{18}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  أُوْلَئِكَ ) , العاقين لأباءهم , (  الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) , بالعذاب , (  فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ) , في جملة الامم الكافرة من امم الجن والانس , (  إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) , خسروا الدنيا والاخرة , خسروا انفسهم واموالهم , خسروا تجارتهم , بعد ان باعوا الهدى بالضلال , ونعيم الجنة بعذاب النار .  

وسوم: العدد 759