هل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم يتعارض مع تعظيم الله عز وجل؟

هنالك ناس ظهرت لهم في السنوات المتأخرة حساسية مع تعظيم النبي ﷺ، يظنون أن التعظيم من التوحيد ولا ينبغي إلا لله، ويستدلون بالحديث الشريف: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» وغيره من النصوص التي ينزلونها في غير منازلها.

▪أولًا: لو كان الله يخشى من سيدنا ﷺ على عظمته وعزِّه وتوحيده لما عظَّمه، وبجَّله، وعلَّى قدره، ورفع ذكره، فقرن اسمه مع اسمه تعالى في كلمة التوحيد: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، فلا يقبل من أحد إسلامًا إلا بالشهادة بها كاملة. وقرن اسمه مع اسمه تعالى في النداء للصلاة، الركن الثاني في الإسلام، وفي الإقامة، وفي غير ما موضع كريم وشريف. 

وعظَّمه بمدح أخلاقه العظيمة فقال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» 

[سورة القلم: 4]

وأمر عباده بتعظيمه فقال تعالى: 

«لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» [سورة الفتح: 9]

قال أهل التفسير: أي تعينوه، وتنصروه، وتعظموه، وتجلُّوه، وتفخموه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، ترجمان القرءان قال: «تعزروه» الإجلال، «وتوقروه» التعظيم.

وعظَّمه بالصلاة عليه، وأمر ملأه الأعلى وسائر عباده المؤمنين بكثرة الصلاة عليه فقال تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» [سورة اﻷحزاب: 56]

وعظَّمه بختامية الأنبياء والرسل، وبإمامتهم، وبالشفاعة الكبرى، وبلواء الحمد، وبحوض الكوثر، وبالمقام المحمود، وبأنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يدخل الجنة، وبأن أمته هي خير أمة أخرجت للناس، وغير ذلك من أشكال تعظيم الله تبارك وتعالى لحبيبه المصطفى ﷺ.

▪ثانيًا: إن تعظيم رسول الله ﷺهو من تعظيم الله، لأنه رسول الله إلى خلقه، وما عظَّمه المسلمون إلا لله، وامتثالًا لأمر الله، وطمعًا في مرضاة الله.

▪ثالثًا: أما حديث «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» فرسول الله ﷺ ما قال: «لا تطروني» وسكت، بل حدد إطراءًا معينًا فنهى عنه. والإطراء هو المدح في حضور الممدوح، وهو من أبلغ أنواع المدح، ولقد أطراه الصحابة رضوان الله عليهم، كسادتنا العباس وحسان بن ثابت رضي الله عنهما، فاستحسن منهم ذلك واستحبه وأقرهم عليه. لكنه نهى عن إطراء النصارى الذي يجعله إلها وندًا وشريكًا لله عز وجل، كما قال تعالى:

«لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» [سورة المائدة: 72]

وقال تعالى:

«وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ»

[سورة التوبة: 30]

لذلك قال ﷺ في الحديث: «إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله»، أي أطروني بما شئتم، وعظِّموني بما شئتم، لكن لا تخرجوني عن عبوديتي لله، فأنا عبده ورسوله. كما قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:

«وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ» [سورة المائدة: 72]

▪رابعًا: لقد ضرب الصحابة رضوان الله عليهم المثل الأعلى في تعظيم وإجلال المصطفى ﷺ، فقال عروة رضي الله عنه في صلح الحديبية: 

«أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظِّمه أصحابه ما يعظِّم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- محمدًا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدُّون إليه النظر تعظيمًا له" أخرجه البخاري

فكانوا يتأدبون في حضرته، ولا يحدُّون النظر تعظيمًا له، ويتهيَّبون سؤاله، ويستلُّون سيفهم لمن يتعرض له، ليس لهم رد عليه إلا السيف. وكانوا لا يسبقونه بالقول ويبتدرون لأمره، ويقدمونه على كل شئ ويفدونه بأنفسهم وأهليهم، وغير ذلك من أشكال التعظيم 

فكن معظِّما لهذا الجناب العظيم تجد المثوبة من الله عز وجل. 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد واهدنا إلى الرشاد

وسوم: العدد 777