تطور المنهاج عند الإخوان المسلمين (3)

تطور المنهاج عند الإخوان المسلمين (3) المنهاج

دراسة حصرية للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية

في بداية حقبة الأربعينيات، وأثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، وضع الأستاذ البنا منهاجًا يتوافق مع الشريعة ويواكب مستجدات العصر ومتطلباته.

فقد قام الإمام البنا بإعداد دورات لإعداد دعاة للإخوان من شتى الأقاليم، كان الغرض منها تدريب الإخوان على الوعظ والإرشاد علميًا وعمليًا.

وقد سبق تلك الدورات إعداد منهج متكامل لتأهيل هؤلاء الدعاة، وقام الإمام البنا بإعداد هذا المنهج بنفسه، ثم قام بعرضه على مجموعة من كبار علماء الأزهر العاملين فى حقل الدعوة للاستفادة بخبراتهم والانتفاع برأيهم؛ فما خاب من استشار. وكان من هؤلاء الشيخ إبراهيم الجبالى الذى أرسل إليه الإمام البنا المنهج، حيث جاء في الرسالة المرسلة له: فكّر مكتب الإرشاد العام فى تثقيف بعض أعضاء جماعة الإخوان تثقيفًا خاصًا، يمكنهم من النهوض بعبء الدعوة، ونشر الخير بين طبقات الأمة؛ فوضع مشروع المنهاج المرافق لهذا، وهو يشرف بتقديمه إليكم لإبداء رأيكم فيه من حيث الغرض الذى دُفع إليه([1]).

وقد بدأت أول فرقة تتلقى الدروس العملية على الوعظ فى أول يونيو عام 1939م للإخوان بشبرا، وكان الإمام البنا يقوم بنفسه بإلقاء تلك الدروس على الدعاة.

وكانت الفرقة الواحدة تتكون من خمسين من الإخوان بحيث تتوافر فيهم المؤهلات العلمية التي تمكنهم من الانتفاع من تلك الدروس، واشتُرط لذلك أن يكون الأخ فى مستوى دراسة الثانوي العام أو الأزهري، وكانت مدة الدراسة للفرقة الواحدة خمسة عشر يومًا، يتلقى فيها دروسًا نظرية، ثم يتدرب عمليًا بدور الإخوان ومساجدهم بأحياء القاهرة المختلفة([2]).

فى بداية عام 1940م، شكّل الإمام البنا لجنة برئاسته، وعضوية كل من الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة، والأستاذ حلمى نور الدين، وعلوي أفندى عبد الهادي الذى أسندت إليه سكرتارية اللجنة. وقد وضعت تلك اللجنة لائحة للمنهج الثقافي ومنهاجه وكتب يدرسها الإخوان، وهى لم تخرج عن اللائحة والمناهج التى وضعها الإمام البنا، واستشار فيها علماء الأزهر، كما وفرت الكتب لبيعها للإخوان بالتقسيط، وحددت ميعاد الامتحان فى أول أكتوبر عام 1940م، وآخر ميعاد للتقدم لهذا الامتحان فى آخر مايو 1940م، وقام الأستاذ علوي عبد الهادي بشرح غاية المنهج وأغراضه ووسائله في مقال له بمجلة التعارف، بعد نشر لائحة المنهاج الثقافى([3]).

في عام 1944م، فكر الإخوان فى إنشاء مدارس الجمعة، لما رأوا عدم توافر التربية الإسلامية الصحيحة فى المدارس الحكومية، فقرروا إنشاء قسم يقوم على رعاية تلاميذ تلك المدارس، يكون غرض المشروع تكوين الجيل الجديد على الأساس الإسلامي والخلق القوى والتربية الرياضية والتفكير المنظم.

وقد اختار مكتب الإرشاد الأستاذ عبد العزيز كامل رئيسًا للقسم، والأستاذ سالم غيث مشرفًا عليه من قِبل مكتب الإرشاد، وهذا القسم هو البداية التي تطور عنها قسم الأشبال بعد ذلك.

وقد تضمن منهاج تلك المدارس التربية الروحية، والثقافة العامة، والتربية الدينية، كما تضمن ما يمكن عمله فى الريف والمدينة([4]).

ولقد وضعت الجماعة لائحة تحت مسمى (لائحة المنهاج الثقافي للإخوان المسلمين) جاء في أغراضها:

1- إعداد أعضاء وجماعات الإخوان المسلمين إعدادًا يؤهلهم لأن يكونوا دعاة منتجين يحملون عبء الدعوة.

2- توجيه الإخوان ثقافيًا، وإكمال النقص العلمي، وتقوية المواهب والاستعدادات الفطرية فى نواحي الإنتاج المختلفة اللازمة للنهوض بالدعوة، والوصول بها إلى النصر المؤزر عن أقرب طريق([5]).

لقد ارتكزت سياسة تطوير المناهج على أربعة محاور:

1-احترام مبدأ (الأولويات أولًا).

2- فهم الأوضاع والقدرات التي يمتلكها الأفراد.

3- احترام مبادئ تمام العمل وإتقانه.

4- المرونة.

إن منهاجنا يشمل الحاضر والمستقبل، ويعمل على تحقيقه بطريقة (البناء لا الهدم)، ونؤْثِر في ذلك الهدوء والسكينة، ونكره الظهور والشهرة، ونفضل أن يكون (رديف) غيرنا بمد الصف إذا استقام، ونسويه إذا عوج، ونقويه إذا ضعف، ونحميه إذا أحيط به، ونظهره إذا تدلس، ونحتله إذا خلا: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ{ [الحج: 40، 41].

مرحلة ما بعد الإمام البنا

حرصت الجماعة على تكييف أوضاعها، ومجاراة الواقع والمستجدات التي طرأت على المجتمع، والمتغيرات السياسية بزوال الملكية، فطوّر الإخوان مناهجهم، ولقد حرصت السيد زينب الغزالي على وضع منهاج تربوي للكيان الجديد بعد محنة عام 1954م، وبالفعل بعد استشارة المستشار حسن الهضيبي وافق على أن يضع الأستاذ سيد قطب بعض المنهاج التربوي للشباب المتواجد خارج السجون، حيث ظل العمل به حتى بعد استشهاد سيد قطب.

في هذه المحنة أصبح إخوان الأردن المتكفلين بوضع المنهاج التربوي، بعد استشارة الكثير من الإخوان الفارين من بطش عبد الناصر، ففي 1978م تم وضع هذا المنهاج بطريقة علمية محددة المراحل والأهداف والوسائل، وقد عقدت عدة مؤتمرات تربوية لمراجعة ذلك المنهاج والاستدراك عليه، كان أهمها المؤتمر التربوي عام 1994م.

وظل تطوير المنهج التربوي يشغل الإخوان في كل قُطر وفي كل بلد، حسب وضع البلد وظروفها.

المصادر:

([1])  جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان نقلا عن محمد حلمي عبد المجيد: (مختارات إسلامية) الكتاب الحادي عشر ، صـ7 ،الزهراء للإعلام العربي – القاهرة.

([2])  مجلة النذير الأسبوعية: السنة الثانية، العدد 12، 18ربيع الأول 1358هـ / 9مايو 1939م، صـ7، 9.

([3])  مجلة التعارف الأسبوعية: السنة الخامسة، العدد 8، 28صفر 1359هـ / 6أبريل 1940م، صـ11.

([4])  أوراق من تاريخ الإخوان نقلا عن نشرة المركز العام، قسم المراقبة العامة، نشرة إدارية عامة رقم (2) – غرة رجب 1363هـ / 22يونيو 1944م.

([5])  عبده دسوقي: لوائح وقوانين الإخوان المسلمين، مؤسسة إقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، 2013م، لوائح عام 1944م

وسوم: العدد 797