إشراقات

الشيخ د. عائض القرني

كان العالم قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم جيفة في حضن صنم، وجثة هامدة تحت أقدام وثن، جباه معفرة للّات والعزى، وأنوف راغمة لمناة الثالثة الأخرى، عريٌ في الأخلاق، ونكوص في الهمم، وانتحار في المبادئ، عقل مدفون تحت ركام الجهل؛ بصيرة مطموسة بغبش التقليد والتبعية، فأراد الله بهذا العالم خيراً، منة منه وفضلاً، وكرماً منه، فبُعث محمد عليه الصلاة والسلام، فهو النبأ العظيم، والنبي الخاتم، والحدث الجلل، بُعث عليه الصلاة والسلام ليرد كل شيء إلى أصله، وكل أمر إلى حقيقته، وكل نبأ إلى مستقره، فملأ القلب إيماناً، والعقل حكمة، والنفس يقيناً، والكون عدلاً، والدنيا رحمة، والأيام سلاماً، والليالي أمناً.

أصدق الناس لهجة، وأبرّهم قلباً، وأشرحهم صدراً، وأعظمهم حلماً، وأسدهم رأياً، وأقواهم بصيرة، وأحسنهم هدياً، وأجملهم طريقة، وأتقاهم نفساً، وأنقاهم سريرة، وأبينهم خطاباً، وأثبتهم جناناً، وأسلمهم جانباً، وأرضاهم سجية، وأقومهم قيلاً، وأعدلهم حكماً، وأوصلهم رحماً، وأطهرهم عرضاً، وأكرمهم يداً، وأظهرهم حجة، وأمضاهم عزيمة، وأنبلهم سجية، وأعرقهم نسباً، وأفضلهم حسباً، وأوسطهم طريقة، وأوضحهم مذهباً، وأجلهم قدراً، وأعزهم فخراً.

كان الكون قبل رسالته هائماً في حلم الكرى، سادراً في خرافات الورى، العقول جامحة في هواها، والنفوس طائشة في مبتغاها، شطحات في الفكر، وكساح في المعرفة، وتشويه في الأخلاق والسلوك، وتخلفٌ بهيمي في الإرادات، وعوج ظاهر في المدارك، وسفه عابث في القيم، أمة قبل مبعثه مبعثرة، تصب فضول الخمر على رأس الصنم، وتذبح البنات بالحجج الواهيات.

وسوم: العدد 817