الصمود عبادة

حسام العيسوي إبراهيم

الصمود عبادة

حسام العيسوي إبراهيم

[email protected]

كثير من تصيبه أحداث الأيام وأهوالها يأسًا وقنوطًا وبعدًا لإيثار السلامة والنجاة. لكن هناك صنفًا آخر لا تزيده أهوال الحياة إلا تمسكًا بمبادئه، وتضحية في سبيلها بكل غال ونفيس؛ لأنه يتيقن بأن لكل هم فرجًا، ولكل ضيق مخرجًا، وأن رزق الله ونصره آت لا محالة.

الناظر إلى سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) يجد أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جسّد صمودًا رائعًا في مواجهة الأحداث الجسام، فها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصمد وسط اعتداءات قريش المتكررة لهدم دعوته الجديدة، صمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تجاه الإيذاء المادي والمعنوي، صمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تجاه المخططات الماكرة المستمرة، والتي كان هدفها تثبيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في مكانه ومنعه من التحرك لنشر هذا الدين، وإظهار هذه الدعوة في العالمين.

وبعد خروجه (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة، ليقوم هذا الدين ويظهر وتتعلم منه الأمم جميعًا، صمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تجاه هذه النفوس الإنسانية المركبة، صمد على تكوينها وتربيتها، صمد على تعليمها الآداب وتنفيذها للتكاليف، حتى غدت أفضل النفوس البشرية، ومثالا يقتضى به في كل مراحل التاريخ.

وبعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) يقع المسلمون في ابتلاءات واختبارات عديدة، فمن خروج لكثير من المسلمين عن دين الإسلام، ومن خلافات مزقت الصف المسلم، ومن دول تتصارع مع بعضها البعض على القيادة والبقاء، كان سلاح علماء الأمة في هذا الوقت هو الصمود تجاه هذه الاجتهادات البشرية الخاطئة، والصمود بالتمسك بالتعاليم الإسلامية الوسطية الرصينة.

حتى أتت الأمة في الوقت الراهن وقد تحملت من أعباء الماضي الكثير، فقد خلفت أحداث الماضي العديد من الخلافات السياسية الجائرة، والصراع الممتد بين الأمة وأعدائها، يبذل فيه الأعداء كل جهدهم، وينشرون فيه كل ما يملكون من أسلحة وعتاد.

تعيش الأمة في هذه الأيام مرحلة من الصمود الممتد عبر صفحات التاريخ الإسلامي، وهو صمود متميز، فعال، وصل إلى مرحلة متقدمه يتبعه بمشيئة الله امتلاكًا لمقدرات الأمة، وقوة ذاتية تستطيع من خلاله إبراز عقيدتها، ونشر هويتها، لتكون شاهدة على حضارة مملوءة بالخير، مفعمة بروح الحرية والكرامة والإنسانية.

فتحية للصامدين في ميادين الأمة، الباذلين في سبيل تحقيق أمانيها الغالي والنفيس، الطارحين وراء ظهورهم حياة بئس لم يستنشق فيها أصحاب الحرية إلا روح اليأس والقنوظ والمذلة والخنوع.

وأبشر الصامدين، بأننا في مرحلة المخاض الأخير، وأن مولودنا الجديد أوشك على الخروج للحياة، وأن صرخاته على وشك السماع، وساعتها سينفجر بالبكاء على سنين ضيعتها الأمة في شقاء وبؤس؛ لتمسكها بتعاليم أرضية لم تذدها إلا البعد عن الحق والصواب، وفي كل عام يقدم مزيدًا من الأمل والفرحة العارمة للبشرية، فهو سيأخذ بيديها إلى العيشة الكريمة والسلام المفقوين، والخير الممتد لكل فرد من أفراد العالم.

صمودنا يحمل للعالم أجمع الخير، صمودنا سيولد قيم الحرية والكرامة الإنسانية لشعوب طالما أفقدها الاستعمار قوتها وصادر على حريتها، ومنعها من تملك طاقتها ومواردها، صمودنا سيملأ الأرض عدلا بعد أن امتلأت جورًا، صمودنا سينفخ روح الحب والأخوة بين شعوب العالم، أخوة حقيقية قائمة على النفع المتبادل، وليس على نهب ثروات الشعوب والاستفادة من خيراتها.

تحية للصامدين في ميادين العزة والكرامة، ولن يتركم الله أعمالكم، والنصر حليفكم، والعالم كله ينتظر عودتكم.