لا يجب أن ننسى الضراعة إلى الباري جل في علاه ليرفع عنا البلاء إلى جانب الأخذ بأسباب الوقاية من الجائحة التي حلت بنا

يقول الله تعالى في محكم التنزيل :

 ((  ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك  فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون )) .  قال  المفسرون إن هذا الخطاب موجه إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يخبره فيه رب العزة جل جلاله أن الأمم السابقة التي كانت تكذب المرسلين ، وتكفر برب العالمين أصابهم سبحانه وتعالى إصابة  تمكّن ،فسلط عليهم الجوع والوباء لعلهم يتذللون له جل في علاه، وتذللهم كناية عن اعترافهم بذنبهم  والتوبة منه .

سيقول البعض وما مناسبة هذا الحديث ، ونحن أمة تؤمن بالله عز وجل ،وتوحده ،ولا تدعو معه شركاء ، وتصدق بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم . والرد على هذا التساؤل يكون بتساؤل مثله وهو : وهل كل الناس في عالمنا اليوم  يؤمنون بالله عز وجل ولا يشركون به شيئا ؟ ولا شك أن الجواب سيكون بالنفي، وحينئذ سيطرح تساؤلان آخران ، والأول هو : ما المانع  من أن نتضرع نحن لله تعالى إن لم يتضرع غيرنا ممن لا يؤمن به  ؟ والثاني هو : أليس فينا عصاة يذنبون ذنوبا ما دون الكفر والشرك ، وفيها ما هي كبائر؟

ومعلوم أن الضراعة إلى الباري جل في علاه تلزم المؤمن وغير المؤمن ، فإذا وجبت الضراعة على هذا الأخير بسبب كفره أو شركه ، وجبت على المؤمن بسبب معاصيه ، ومن منا لم يعص ربه ، والخطيئة من طبيعة بني آدم ؟

إن الأخذ بأسباب الوقاية من جائحة وباء كورونا أمر مطلوب في شريعة الإسلام بما في ذلك الحجر لتجنب نشر الوباء ، والأخذ بنصائح أهل العلم من أطباء وفقهاء ، وولاة أمر ، ولكن لا مناص من الضراعة إلى رب العزة جل جلاله ، لأنه هو وحده سبحانه القادر على كشف هذا السوء مصداقا لقوله تعالى :

(( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )) .

وإذا كان الاحتراز من هذه الجائحة كما قدر ذلك أهل العلم والاختصاص عندنا   قد حال دون توجهنا إلى بيوت الله عز وجل  استجابة لندائه  ، وهي  أفضل أماكن الدعاء والضراعة ، فعلينا أن نضرع إلى مولانا سبحانه وتعالى وجل في علاه ونحن في بيوتنا ، ويكون تضرّعنا  قياما في جوف الليل مصحوبا بالاستغفار الكثير، والتذلل بين يديه العزيز  ليرفع عنا ما نزل بنا وما نزل بغيرنا ،وهو سبحانه مجيب المضطر، وكاشف السوء ، وهو القائل :

(( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا وليؤمنوا بي  لعلهم يرشدون )) .

ولقد وعد الله تعالى عباده بإجابتهم إذا دعوه ، و في المقابل أمرهم بأن يستجيبوا له بدورهم ،ويؤمنوا به . ومن الاستجابة له سبحانه وتعالى أن يتضرعوا  إليه ،وأن يتذللوا له إذا مستهم الضراء . وهل نستنكف ونحن المذنبون عن الضراعة إليه ،وقد تضرع إليه  المعصومون كنبيه أيوب عليه السلام كما أخبرنا سبحانه في محكم التنزيل حيث  قال : ((  وأيوب إذا نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين )) .

كما تضرع إليه ذو النون عليه السلام  كما أخبرنا رب العزة في محكم التنزيل : ((  وذا النون إذ ذهب مغاضبا  فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )) .

إن من رحمة الله عز وجل أنه يستجيب لعباده المؤمنين وينجيهم كما استجاب لأصفيائه الرسل الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين ونجاهم من الغم .

 وإننا لندعو كل مؤمن ومؤمنة لهما ثقة راسخة  في استجابة الله عز وجل لهما ثقة لا يخالطها شك أن يضرعا إليه سبحانه في جوف الليل خاشعين باكيين مستغفرين مرددين قول أيوب وذي النون عليهما الصلاة والسلام ، وما أخبرنا ربنا سبحانه بتضرعهما إلا لنحذو حذوهما في الضراعة إليه .

اللهم يا سيدنا، ويا مولانا، ويا خالقنا، ويا أرحم الراحمين ،ويا رءوف بالعباد اقبل ضراعتنا  إليك ،واكشف ما نزل بنا من ضر ، واغفر واصفح يا غافر الذنب وقابل التوب . يا من وسعت  رحمته كل شيء ، فلا تجعلها تضيق عنا ،وارحمنا وتجاوز عنا  فإنا مؤمنون ، ولا تأخذنا  يا مولانا بما أخذت به من كفر أو أشرك بك. اللهم إنا نسألك بالذي إذا سئلت به أعطيت ، وإذا دعيت به أجبت ، وإذا طلبت به أعطيت ، فلا تخيب رجاءنا فيك ، فإنا ليس لنا سواك ملاذا نلوذ به ، ولا حصنا نتحصن به . اللهم إنا نتشفع إليك بجلالك وقدوسيتك وعظمتك وقدرتك ورحمتك ، ونتشفع إليك بحبيبك محمد عليه الصلاة والسلام ألا ترد لنا رجاء رجوناك  أو دعاء دعوناك. اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين . 

وسوم: العدد 868