منوعات روحية 937

{ وليالٍ عشر } .. 

 الليلة_الثانية

حيـنَ تتّجهُ إلى الكعبةِ ..

تلتقي عيناكَ بِقدَمِ ابراهيم هادئةً في المقام .. فقد انتهى السّفرُ هُنـاك !

تراها ضاربةً جُذورها في عُمقِ التّاريخ .. تقتربُ منها .. تحاولُ أن تَفهَمَ خَبايا أسرارِها !

فتراها صامدةً كلحظتِها ؛ يوم تَقَدَّمَت نحوَ النّار دون تَلَكُّؤ ..

فقد كانت قَـدم إبراهيم ؛ قَـدمَ صـِدق !

كانت الجِهات يومها في حـسّ القومِ كُلّها منهارةً ؛ إلّا فـي بصيرة إبراهيم ..

فقد كان يُردّد :

{ إنّي وجّهتُ وجهيَ للذي فَطَرَ السّماوات و الأرضَ حنيفاً } !

يومها ..

بدأ الابتلاء { وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } ..

وَقدر المسافاتُ للغايات الجليلة أن تكـون ؛ طويلة !

فانطَلَقَ ابراهيمُ وحدهُ خارجاً من حُدوده ؛ كَـي يبلُغ المقام !

انطلق إبراهيمُ مـِن العراق إلى فلسطين ؛ حتى يبلُغَ الكعبة ..

فهـل تَعني لك هـذه الخارطـة شيئاً ؟

هل تمتلكُ هذه الرّحلة ؛ سِرّاً أو رمزاً ، أو رسالـةً لـك أيّها المُسلم ؟

ماذا كان يحمِلُ هذا المُهاجرُ في حَقيبةِ سَفَرِه .. في سرِّ صدره ..

في خُطاهُ المرسومة بحكمةِ الأقدار ؟!

وبماذا كان يبوح في كلّ حِواراتِه مع الشمس و القَمر و النّجوم ؛ فقد كان إبراهيمُ لا يُتقِنُ النّظر إلاّ إلى النّجوم !

كـان قلبُه هناكَ عالياً ؛ حيثُ العَـرش ..

و كَان عبـداً كثيـرَ التـأوّه و الدّعـاء ..

إذْ كان يوقـِنُ :

( أنّ الأقدار التي تأتيكَ بعد الدّعاء .. لا تَدعك حيث ُوجَدَتكَ ) !

كان إبراهيم في تِرحاله يَنزِفُ كثيراً ؛ كي يَمنحنا الكثير !

كلّ رِحلاته ..

كانت غارقةً في التّضحية !

كانت قدمهُ تَسعى من فلسطينَ إلى مكّةَ ؛ أتدري لماذا ؟

كي تُودِع الصغيرَ للصحراء !

تلك رحلة الفناء عن الذات لله ..

ومَـع كلّ خطوةٍ :

كـَان ابراهيمُ يقترِبُ مـِن مَقـام الخَليل !

رحلة كلّما تقدّمتّ فيها يا إبراهيم إلى مكّة ؛ كان الدّرب يفرغ ..

فَوحدَكَ أنت الزّحامُ ..

و وحدَكَ أنت بكلِّ الأنـام !

كلّ خُطوةٍ له ؛ كانت تعدِل مَسيـر أمـّة..

كلّ خطوةٍ ؛ كانت ترفَعُكَ إلى حيثُ البيت المعمور في السماء السََابعـة !

مَن غَيرَكَ يا ابراهيمُ يُطيقُ ؛ أن يُودع طفلهُ للمَجهـول ؟!

طفلُ السّنوات ..

التي أجدَبَت طويلاً دون صوتٍ كانت تشتاقُه فِطرَتُك العميقة !

إسماعيل هو طفلُ السّنوات ..

التي اشتَهَت ضمّةَ الصّغير ، و احدودبَ الظّهرُ دونها !

يحمِلهُ إبراهيم لله دون أنْ يَتعثّرَ ..

فَقَدَمُ ابراهيمُ ؛ لا يليقُ بها إلا الثّبات ..

لذا ؛ ظلَّ الّنور يمضي حيث تمضي يَـا إبراهيم !

كانت لِخطوَتِه على الرّمل المُنساح في الصّحراء ؛ دويّ في السّماء ..

فقد كانت تُمهّد الطّريق بينَ القبلتين !

تلك خَطوات ..

ستَبقى في ذاكرةِ الخُلـود !

يَـا إبراهيم ..

هل تعلم أن عيد أمّةٍ بأكملها ؛ سيبدأ من خُطوَتِكَ تلك نحوَ مكـّة !

لقد سطَّرتَ بِقَدَمِكَ ميلادَ فِكرةٍ ..

فحُقَّ لِقدمك أنْ ترتاحَ في ظـِلّ البيتِ أبداً !

وحـُقَّ لك ..

أنْ يجعل الله لك { لسانَ صِدقٍ في الآخرين } يُقتدى بك ..

فبقيتَ حيّـاً يـا إبراهيم ؛ وَقـدْ مَـات القَـومُ و جَفـّوا !

يَـا لِرَهبةِ الأقدار ..

كيف يُولدُ الصّغير من عطشِ الشّوق اليه ؛ ثم يُحمل إلى عَطَشِ الصّحراء !

فيبكي الوَليدُ شوقاً لِقَطـرة الحيـاة ..

فَتنهمِـرُ زمـزَمَ فوّارة أبَـد الدّهـر ..

و يُبنى البيت ..

ليُعلّمنا اللهُ :

( أنّك إن صَدَقتَ ؛ فَستَختَبِئُ لك المُعجزات في الأسباب المُستحيلة ) !

****************************************

عن شداد بن أوس ، قال :ثنتان حفظتهما

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

"إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا

قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا

الذبح وليحد أحدكم شفرته

فليرح ذبيحته ". 

 رواه مسلم

شرح الحديث

الإسلامُ دِينُ رَحمةٍ في كُلِّ شَيءٍ، وفي جَميعِ الأَحوالِ حتَّى في حالِ قَتلِ مَا يَستَحِقُّ القَتْلَ، فإنَّه يَكونُ برَحمةٍ.

وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ كَتبَ الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، يَعني: أنَّ الإحسانَ لَيس خاصًّا بشَيءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الحياةِ، بل هُو في جَميعِ الحياةِ. ثُمَّ بَيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مِنَ الإحسانِ إلى ما يُذبَحُ أو يُقتَلُ أنْ يُحِدَّ الذَّابحُ شَفرتَه، وهي السِّكِّينُ أوِ السَّيفُ الَّذي سَيَقْتِلُ أو يَذبَحُ به، كما بَيَّنَ أيضًا أنَّ مِنَ الإحسانِ إلى الذَّبيحَةِ أنْ يُريحَها عِندَ الذَّبحِ بحيثُ يُمِرُّ السِّكِّينَ بقُوَّةٍ وسُرعَةٍ.

في الحديثِ: الحثُّ على الإحسانِ في كُلِّ شَيءٍ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى كتَبَ ذلك، أي: شَرَعَه شَرعًا مُؤَكَّدًا. 

وفيه: حُسْنُ تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بضَرْبِ الأَمثالِ؛ لأنَّ الأَمْثِلةَ تُقرِّبُ المعانيَ.

****************************************

ادخلوا المواسم بأزواد متعددة..

فرب زاد تستقله، وفيه الخير كله...

ادخلوها باستعطاف والديكم أو من بقي من بعض ريحهم..

ادخلوها بالتماس الدعاء بظهر الغيب ممن تظنون بهم الخير..

ادخلوها بأعمال خفية..

ادخلوها بمعصية تهجرونها وكأنكم تقولون معها:

وعزتك وجلالك ما تركناها إلا ابتغاء وجهك فحرم على النار وجوهنا..

ادخلوها بشفقة على المسلمين يعلمها الله من قلوبكم..

ادخلوها بانكسارة يسمعها الله من أصواتكم ويراها من لمعان دموع أعينكم..

ادخلوها بالصدقات، ادخلوها بالتوبات والاستغفارات..

ادخلوها بالمصاحف لا تتركونها حتى تسقط من أياديكم، وبالقيام لا تتركونه حتى تتورم أرجلكم، ولسان حالكم قول القائل:

وعزتك وجلالك لا أعرف للراحة طعما حتى أذوق للقبول طعما.

ادخلوها بمعتكف صغير في بيوتكم أو كبير في مساجدكم،فالاعتكاف لزوم والتصاق بباب الملك، وحيثما شعر القلب بمعناه فليعتكف.

ادخلوها بقلوب غافرة عفوَّة، ترسل العفو للمخلوق لتستقبل عفو الخالق.

ادخلوها بهذا كله وغيره من جميل الأعمال والنيات، فالمواسم الجليلة تحتاج لقربات جليلة...

وموسمنا هذا ليس ككل المواسم..

رضي الله عن أنس بن مالك -رضي الله عنه عندما قال: "تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى, فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ".

ورضي الله عن بعض أحبتنا الذين إذا دخلت المواسم غابوا عنا وحضروا عند ربهم، فلما كنا نسأل عنهم كانوا يقولون:

(لا ينبغي لعاقل أن يغيب وقت توزيع الرحمات، وغيابنا عنكم يُستَدرك لكن غيابنا عن باب الملك قد لا يُدرَك)

احملوا أزوادكم، وأنيخوا مطاياكم، وتخففوا من ضوضاء الدنيا حولكم... فأنتم مقبلون على أيام وليال لو كشف الله لكم حفلات توزيع جوائزه فيها لمُتُّم طربا للقبول أو حزنا للفوات.

****************************************

(غفلنا ولم يغفل الله عنا فلم نتعظ بغيرنا حتى وعظ غيرنا بنا فأدركت السعادة من تنبّه وأدركت الشقاوة من غفل)

****************************************

 خمسة وثلاثون أدباً في التعامل مع الوالدين :

١) إغلاق الجوال في حضرتهم.

٢) الإنصات لحديثهم.

٣) تقبل رأيهم .

٤) التفاعل مع حديثهم .

٥) النظر إليهم مباشرة بتذلل.

٦) المدح والإشادة الدائمة لهم.

٧) مشاركتهم الأخبار المفرحة.

٨) عدم نقل الأخبار السلبية لهم.

٩) الثناء على أصدقائهم ومن يحبون.

١٠) التذكير الدائم بإنجازاتهم .

١١) الإيحاء بالتفاعل مع الحديث حتى لو تكرر منهم.

١٢) عدم ذكر المواقف المؤلمة من الماضي .

١٣) تجنب الأحاديث الجانبية.

١٤) الجلوس باحترام معهم.

١٥) عدم التقليل والانتقاص من أفكارهم.

١٦) عدم مقاطعتهم وتركهم يسترسلون في حديثهم .

١٧) احترام سنهم وعدم إزعاجهم بالأحفاد.

١٨) عدم معاقبة الأحفاد أمامهم .

١٩) تقبل كافة النصائح والتوجيهات منهم.

٢٠) السيادة لهم في حضورهم .

٢١) عدم رفع الصوت عليهم .

٢٢) عدم المشي قبلهم أو أمامهم .

٢٣) عدم الأكل قبلهم .

٢٤) عدم تحديق البصر بهم .

٢٥) الافتخار بهما.

٢٦) عدم مد الرجل أمامهم أو إعطائهم الظهر .

٢٧) عدم التسبب بشتمهم .

٢٨) الدعاء لهم في كل حين .

٢٩) عدم إظهار التعب والتضجر أمامهم .

٣٠) عدم الضحك على صدور خطأ منهم .

٣١) خدمتهم قبل أن يطلبوا ذلك .

٣٢) الدوام على زيارتهم وعدم الغضب منهم .

٣٣) انتقاء الألفاظ الحسنة في الحوار معهم .

٣٤) منادتهم بأحب الأسماء إليهم .

٣٥) تقديمهما على كل الناس .

هما كنز فوق الأرض يُوشك أن يدفن تحت الأرض.

****************************************

..هل تطرحه في النار ؟!..🔥

الله أرحم بعباده .. من آبائهم وأمهاتهم ..

في الصحيحين :

🎈 أن النبي صلى الله عليه وسلم لما إنتهى من حرب🗡 هوازن .. أُتي إليه بعد المعركة .. بأطفال الكفار ونسائهم .. ثم جمعوا في مكان ..

🎈 فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم .. فإذا امرأة من السبي .. أم ثكلى .. تجر خطاها .. تبحث عن ولدها .. وفلذة كبدها .. قد اضطرب أمرها .. وطار صوابها .. واشتدّ مصابها ..

تطوف على الأطفال الرضع .. تنظر😥 في وجوههم .. يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه ..

تتمنى لو أن طفلها بين يديها .. تضمه ضمة .. وتشمه شمة .. ولو كلفها ذلك حياتها ..

فبينما هي على ذلك ..

🎈 إذ وجدت ولدها .. فلما رأته جف دمعها .. وعاد صوابها .. ثم انكبت عليه .. وانطرحت بين يديه .. وقد رحمت جوعه وتعبه .. وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله .. ثم ألصقته بصدرها .. وألقمته ثديها ..

فنظر الرحيم الشفيق إليها .. وقد أضناها التعب .. وعظم النصب .. وقد طال شوقها إلى ولدها .. واشتد مصابه ومصابها ..

🎈 فلما رأى ذلها .وانكسارها .. وفجيعتها بولدها ..

التفت إلى أصحابه ثم قال :

أتُرَون هذه .. طارحة ولدها في النار🔥 .. يعني لو أشعلنا ناراً وأمرناها أن تطرح ولدها فيها .. أترون أنها ترضى ..

🎈 فعجب الصحابة الكرام : كيف تطرحه في النار .. وهو فلذة كبدها .. وعصارة قلبها ..كيف تطرحه .. وهي تلثمه .. وتقبله .. وتغسل وجهه بدموعها .. كيف تطرحه ..

وهي الأم الرحيمة .. والوالدة الشفيقة ..

قالوا : لا .. والله .. يا رسول الله .. لا تطرحه في النار .. وهي تقدر على أن لا تطرحه

فقال صلى الله عليه وسلم : والله .. لله .. أرحم بعباده من هذه بولدها ..

وسوم: العدد 937