كُلُّكُمْ رَاعٍ

لعل من أجل مستلزمات تربية الأبناء غرس عقيدة التةحيد في قلوبهم . والتركيز على محبة الله تعالى ورسله . وتحبيب القيام بأداء الصلاة إذا بلغوا السن السابعة . ويكون غرس هذه العقيدة وتحبيب القيام بمقتضياتها بأسلوب حسن ، وبطريقة لاتنفِّر الأبناء ولا تثقل عليهم . مع بيان أن مايراه الأبناء منذ نعومة أظفارهم إنما هو من خَلْق الله سبحانه وتعالى ، وهو تكريم للإنسان ، وبيان لِمـا أنعم الله عليه في حياته الدنيوية . ولفت انتباه الأبناء إلى أن الله يراهم ويسمع كلامهم ، وأنه سبحانه هو الذي يرزق وييسر الأمور ، وأن الله عزَّ وجلَّ يحب مَن يذكره دائما . وعبارات ذكر الله عديدة ، وسهلة الحفظ ، وميسرة لكل إنسان كبيرا كان أم صغيرا . كما يحاول الوالدان ، ومَن هو مسؤول عن تربيتهم أن يعلم الأبناء الصلاة : في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سَبعِ سنينَ، واضْرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشْرٍ، وفَرِّقوا بينَهم في المضاجِع)،كما يحبب إليهم الصيام ، ويقرب إلى أفهامهم غاية السفر إلى الحج ... وغير ذلك من أركان الإسلام والإيمان ، والتذكير بهذه الأمور بين فترة وأخرى ليكون غرس هذه العقيدة صحيحا ومكينا في قلوبهم . ويستحسن تعليم الأبناء عمليا كأن يتوضأ الأب أو الأم أمام الأولاد حتى يتعلموا الوضوء بشكل عملي . وكذلك بقية العبادات في أوقاتها . كما يستحب اصطحاب الأبناء في المناسبات الإسلامية كصلاة الجمعة والجماعة والعيدين ، والمناسبات التي تؤكد على العقيدة الصحيحة ، حيث يتمثل بها الأبناء منذ صغرهم . والأبناء يعتبرون الآباء والأمهات والإخوة الكبار قدوة لهم من حيث لايشعرون . فالطفل الذي يرى أباه يصلي ، ويذهب إلى المساجد ، ويصدق في كلامه ، وينفذ مواعيده ... وغير ذلك من السلوك الحسن ، فلا بد أن تنطبع هذه المزايا في نفسه ، فيقلد أباه وأمه ومَن هـو أكبر منه سِنًّا في الأخذ بهذه السجايا الحِسان ، بل ويشعر بالفخر والاعتزاز ــ رغم بساطته ــ وهو يقلد والديه وغيرهما ممَّن يراهم يقومون بمثل هذه الأعمال . وتلك هي مسؤولية الأهل بشكا خاص ، ثم مَن يعول هؤلاء الأبناء . وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سَيِّدِهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ قالَ: - وحَسِبْتُ أنْ قدْ قالَ - والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، وكُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ) . وتشمل هذه المسؤولية جوانب الحياة الأسرية والمجتمعية ، وكل فرد مسؤولٌ عمَّــا استرعاه عليه ، وهذه المسؤوليات لاتخفى على أحد ، ومن استهان بأمرها فهو مؤاخذ عند الله على التقصير بها أو عدم العمل بها ومخالفتها في أمور تستوجب أداء حقوق الآخرين ، ومؤاخذ أيضا عند الناس فيما يتعلق بالأمور التي بين الناس في حياتهم اليومية . وفي الآية الكريمة : ( قُوا أنْفَسَكُمْ وَأَهْليْكُمْ ... ) أمر جليٌّ من الله سبحانه وتعالى لجميع الذين لديهم أسر وأبناء وإخوة وأخوات وأرحام ... أن يحسنوا معاملتهم ونصحهم وإشعارهم بضرورة هذا الاهتمام الذي ينجي من عذاب الله يوم القيامة . والأسرة التي هي بين يَدَي الوالد أو الوالدة أحرى وأحق بالوقاية .

كما لايخفى على الناس المراحل التي يمر بها الأبناء منذ ولادتهم إلى فترة البلوغ ، ثم فترة اليفاعة وبدء مرحلة الشباب ... ولكل مرحلة خصائص وعلامات تظهر على الأبناء . ونؤكد هنا أن معظم الناس يعرفون هذه المراحل العمرية ، وخصائص كل مرحلة ، والواجب الذي يُناط بهم إعطاء كل مرحلة حقها من الإرشاد والتعليم ، بالحكمة والموعظة الحسنة . وعدم تخويف الأطفال في المرحلة الأولى بعذاب النار ، أو بما اعتاد عليه البعض في تخويف أبنائهم أن هناك مايخيفهم في ليل أو نهار ، بل يعلمهم على الشجاعة ويربطهم بذكر الله سبحانه . كما يجب الابتعاد عن تفضيل الذكور على الإناث ، وأن يرشدوا البنت منذ صغرها على الحشمة والحياء وعدم الاختلاط ، ومراحل حياة الطفل يجدر بالوالدين الاهتمام بها ، وبما يجب أن نتعامل مع الأبناء بمقتضاها ، ونؤكد هنا أيضا أن نراعي قدرات أطفالنا ، فلا نخوِّفهم من جهنم ومن نارها ، ومن أهوال يوم القيامة وما فيها . كما يجب ألا نأخذهم بالشِّدة والعنف والعقوبة القاسية ، بل من الواجب أن نشعهرهم بالأمن والطمأنينة في المراحل الأولى من حياتهم . وأن نكون القدوة الحسنة لهم في أقوالنا وأعمالنا وجميع تصرفاتنا . ونحاول أن نزرع في نفوسهم حب الأرحام والجيران والأصدقاء ،ونعلمهم آداب الدخول على الوالدين ، واحترام الذين هم أكبر منهم سنا . ونحبذ لديهم قيم التعاون والمودة لأصدقائهم ، وأن يحبوا مَن حولهم ،وإبعادهم عن التصرفات غير اللائقة مع كلِّمَن يعيشون معهم في مجتمعهم .

إضاءات :

*قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان:74

*قال صلى الله عليه وسلم: ( مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرّقوا بينهم في المضاجع ) .

*عَنْ  أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها: أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ )

*وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الله و اعدلوا بين أولادكم).

*كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوما على دابة وهو غلام, فخصه بدرس يعده أهل العلم من أمهات العقيدة الإسلامية : ( يا غلام,إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك.وإذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رُفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي.

وسوم: العدد 1033