منابر الجمعة عندنا لا تواكب ما تعرفه الساحة الوطنية من تجاسر التيار العلماني على ديننا وهويتنا الإسلامية

من المعلوم أن الله تعالى ما شرع لعباده المؤمنين صلاة الجمعة الأسبوعية، إلا لتكون خطبها المنبرية مواكبة ، ومسايرة لما تعرفه حياتهم الأسبوعية من أحداث مختلفة تعرض على شرعه، ليفصل فيها من أجل تحقيق استقامتهم ، وتوفير سعادتهم.

ولقد كانت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مواكبة ،ومسايرة لواقع حال المؤمنين حينئذ  ، وكانت عبارة عن تشريع أسبوعي، يراعي ذلك الواقع ، بل كان عليه الصلاة والسلام أحيانا يؤذن فيهم  في غير الجمع ليجمعهم ، ويخطبهم بسبب طارىء يستدعي ذلك . وعلى نهجه سار خلفاؤه الراشدون ، والتابعون ، ومن تبعهم بإحسان، واقتداء ،حتى وقع ما وقع في واقع المسلمين ، فيما تلا ذلك من عصور ، حيث تحولت خطب الجمع إلى خدمة أصحاب السلطان  بالدعاية ، والإشادة بهم،  على ما كان في بعضهم من طغيان واستبداد.  وبهذا انحرفت تلك الخطب عن الهدف الذي أراده لها الله تعالى ، وحققه  عمليا وإجرائيا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن اقتدى به  من صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم  ، والتابعين لهم بإحسان رحمة  تعالى عليهم .

ودون أن نخوض  الخوض الطويل في استعراض تاريخي لما مرت به خطابة الجمعة  في بلاد الإسلام ، نمر مباشرة  إلى واقع حالها اليوم  في مجتمعنا تحديدا  باعتباره جناح العالم الإسلامي في غربه ، ونشير مباشرة إلى ما تعرفه ساحتنا الوطنية من أحداث ،خصوصا ما يسوقه ،ويروجه إعلاميا بشكل غير مسبوق التيار العلماني المتنامي ، والذي يتقاسم أصحابه من مختلف المشارب الجبهات من أجل التجاسر لى ديننا الحنيف بشتى الطرق والوسائل، التي باتت مكشوفة ،وناطقة بما يراد به من كيد، ومكر خبيث ، تقف وراءه جهات خارجية تضغط بقوة من أجل توفير الدعم لهذا التيار، كي يحقق ما سطرته له  من أهداف تريد تحقيقها لخدمة مصالحها، والتي على رأسها ضرب هويتنا الإسلامية في الصميم.

وإن مجتمعنا اليوم يثير فيه التيار العلماني قضايا آنية، يمكن اختصارها في كونها تصب كلها في محاولة مكشوفة لهدم شريعتنا الإسلامية و القضاء على هويتنا، وإلا فما معنى أن تكون تلك القضايا التي تسوق إعلاميا على أوسع نطاق، تحت شعار الحريات الفردية ،عبارة عن طرح بدائل علمانية  يراد لها أن تحل محل ما شرعه الله تعالى ، وما سنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، قضية المطالبة بالردة  بعد الإسلام ، وقضية  إباحة فاحشة قوم لوط ، وإباحة  الزنا بعد تحريمهما  ، وقضية  المطالبة بالعري، والسفور، والتبرج عوض الستر والحجاب ، وقضية إباحة الإجهاض الناتج عن سفاح ،عوض صيانة أرواح الأجنة الأبرياء ، وقضية إباحة الإفطا العلني في رمضان ،عوض صيامه ، وقضية المطالبة بالسكر العلني  والعربدة ،عوض الانتهاء عن شربه ، وقضية المطالبة بتعطيل نصوص القرآن الكريم المتعلقة بأنصبة الميراث ... إلى غير ذلك مما يعد مشروعا علمانيا ، ومؤامرة متكاملة الأطراف، تستهدف ديننا الحنيف ، وهويتنا الإسلامية في الصميم.

ومقابل الضجة الإعلامية الكبرى  لهذا المشروع العلماني الخبيث، والماكر ، يسود الصمت  المطبق عنه عند الوزارة الوصية على  الشأن الديني عندنا ،والتي تعطل وظيفة منابر الجمعة بشكل مكشوف من خلال التلويح بعزل من يخوض بالحديث في هذا المشروع المشبوه من الخطباء ، وهو ما جعلهم ،خصوصا الذين لا مصدر عيش لهم ،سوى ما يتقاضونه من أجر زهيد مقارنة مع باقي الأجور في مختلف القطاعات  ببلادنا ،يحجمون عن الخوض فيما تثيره الضجة الإعلامية العلمانية التي اشتدت وتيرتها  في الآونة الأخيرة مخافة أن ينالهم العزل والطرد، خصوصا وأن الوزارة قد جعلت بعض الخطباء الذين عزلتهم تهديدا، وعبرة لهم.

ولهذا، تحولت  أغلب خطب الجمع إلى خطب فارغة المبنى ، مهلهلة المبنى ، لا تمت بصلة لما يعرفه المجتمع من أحداث في ظرف دقيق الحساسية . ولقد صار الناس يحضرون الجمع لأداة ركعتي صلاتها فقط لأنه لا يوجد في خطبها ما يفيدهم. وإن أغلبهم يغادر المساجد بعد أداء الصلاة بشعور خيبة  أمل في تلك الخطب ،بسبب ما فيها  من ضحالة  المبنى والمعنى ، وإغفالها لما يجب أن يثار من قضايا الواقع المعيش في ظرف غاية في الدقة والخطورة . وقد لا يخفي كثير منهم انتقادهم الشديد  لما آلت إليه الخطابة من عطل صارف عما شرعت له أصلا ، وفيهم الساخر، والمستهزىء منها، وممن يلقيها، ولا يقدر ظرفهم ووضعهم إلا من يعرفهم عن قرب أو يعرف تأثير ما تلوح به الوزارة الوصية من تهديد لصرفهم عن قضايا الواقع المعيش ، وقد أوكلت بهم من يتجسس عنهم ، وكأنها متآمرة مع التيار العلماني بالتضييق عليهم في مواجهته مقابل ما يجده  هو من فسحة التعبير عبر مختلف وسائل الإعلام بما فيها الرسمية ، وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها ، فضلا عن الدعم الخارجي الذي يجعل منه وسيلة تهديد  أو بعبع إذا ما ضيّق على نشاطه وتحركه ، خصوصا وقد قيد وطننا بما يسمى التزامات دولية أو كونية ، وكلها عند التأمل، والتدقيق ،تصب في  غزو المشروع العلماني  لمجتمعنا، مستهدفا هويتنا الإسلامية التي لم تعد عندنا نواجذ نعض بها عليها، كما أوصانا بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .

ولقد آن الأوان ليقول الناس عندنا لوزير الشأن الديني، ارحل، كما قيل ذلك لغيره من الوزراء الذين يفشلون في مهامهم ، لأنه هو الآخر فاشل ، ولا عطاءه  له يخدم ديننا ، أو يصون هويتنا الإسلامية ، وكل همه، بل همه الوحيد ،هو خدمة طريقته ، والشاهد على ذلك، ما تقدمه وسائل الإعلام التابعة لوزارته باستثناء ما يتلى من كتاب الله عز وجل ،الذي تتخلل تلاوته المدائح ، والسماع الكثير،  وأحاديث عن  أحوال الهالكين، مقابل إهمال أحوال الأحياء الذين يرزقون. ولا زال منطلق هذا الوزير في تدبير شأن الوزارة التي قلّدها هو مضمون روايته : التي اشتهر بها ،بما فيها من خيال وأوهام لا صلة لها بالواقع .

فإلى متى ستظل منابر الجمع معطلة بهذا الشكل المكشوف ، وأفواه الخطباء مكممة ، بينما أفواه أصحاب التيار العلماني ،تفوه بما تشاء وأنّى تشاء ، ولا رقيب ، ولا حسيب في بلد ينص دستوره على أن دينه الرسمي هو الإسلام ؟؟؟

وكلمة أخيرة إلى الخطباء، تختزلها الحكمة العربية القائلة : " تجوع الحرة ، ولا تأكل بثدييها " .  

وسوم: العدد 1037