(فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ)

الفرج رسالة ربانية تُنبئ أن الله سبحانه وتعالى هو أرحم بعباده من أنفسهم ، ورفع أنواع البلاء بإذنه سبحانه لحكمة يعلمها جلَّ وعلا ، وكذلك نزول البلاء لحكمة أيضا ، وقد تطول المدة التي يقضيها الإنسان في دوَّامة الرزية أو المصيبة أو أي أمر ينزل به ، أو تقصر فذلك بإرادته وهو العليم الحكيم . ويقابل هذا الابتلاء أو الاختبار الإلهي عمل جليل وصفة سامية من قِبلِ المُبتلى ألا وهـو الصبر . ولدينا في قرآننا الكريم وفي سُنة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم من التوجيهات ومن المحفزات على الأخذ بالصبر ما لا يُعدُّ ولا يُحصى . والصبر الجميل وبث مايعانيه الإنسان من أسى ومن قلق وربما من حزن ... إلى الله سبحانه إنما هو تعبير عن ثبات الإيمان في القلب مع الثقة التامة بقرب الله من عبده المستجير به ممَّــا أصابه من البلاء . وهذه الحالة عليها للعبد المؤمن من الثواب والمكانة مالا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ . ولدينا أيضا من سير الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين في مقام الصبر ما يعزِّي المسلمُ المصاب ، ويقرِّب إليه نفحات الرحمة التي لايغادر فوَّاحُها نفس الصَّابر المحتسب . وما يصيب الفرد المسلم أو الأسرة المسلمة من بلاء ، فإنه يصيب الأمة بأكملها بأنواع الرزايا والمحن كما هـو حال أمتنا في هذا العصر ، ولسنا هنا بصدد أسباب نزول البلاء ، وإنما هي وقفة عابرة عن مكانة الفرد أو الأسرة أو الأمــة عند الله إذا أخذت هذه الأطراف بأسباب نزول الفرج من الله رب العالمين .

فالأنبياء ابتلوا بأشد أنواع البلاء ، وقصص الأنبياء في كتاب ربِّنا سبحانه وتعالى كثيرة ومتنوعة ، وكلنا ولله الحمد قرأنا عن قصة أيوب ويعقوب وزكريا ويحيى وصاحب الرس ( البئر )... وغيرهم عليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم السلام . وأما ماجرى لنبينا صلى الله عليه وسلم ، وما جرى للأصحاب وللصحابيات رضي الله عنهم أجمعين ، ما لا يخفى على أي مسلم أو مسلمة على وجه الأرض . لقد كانت الابتلاءات تتولى على نبينا وعلى أصحابه ، بل إنَّ أول شهيدة في الإسلام هي سمية أم عمار وزوجها ياسر رضي الله عنهم ، وقد بشَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة : ( صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) . فقد الابتلاء شديدا مزلزلا لو رحمة الله ولطفه ، ثم لولا صبر الرعيل الأول من هذه الأمة لما وصل إلينا هذا الدين القويم بهد هذه القرون الطويلة ، والتي ابتليت هذه الأمة خلالها بغزو الأعداء لها ، وبالكثير من المؤامرات والاغتيالات ، والتاريخ شاهد أمين إذا صحَّ النقل ، ووُضِّح اللفظ ، وبعد عن الدس والتلفيق ... ابتغاء الفتنة والنيل من كرام أبناء الأمة على مــرِّ الأيام . وإن الله سبحانه لن يذر الأمة على ماهي عليه ، ولكنه الاختبار الذي ستفوز به الأمة ــ بمشيئة الله تبارك وتعالى ــ وهذه سُنَّةُ الله الجارية كما يريد ، يقول سبحانه : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) . وحين يشتد البلاء ويتفاقم الحصار على الأمة وأبنائها ، وتضطرب القلوب لتبلغ الحناجر يأتي الفرج ، ويتراءى الفتحُ مبينا ، وتخفق رايات النصر محمولة على أيدي المكبرين الصَّابرين : ( وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) . فمهما اشتدت الكروب ، وضاقت الدنيا على أهلها رغم سعتها ، ولــوَّح إبليس للناس باليأس ، وبالخروج من دائرة الصبر المبهرة في نهاية المطاف ، حيثُ يأتي الفرج ويهلُّ اليسر بعد العسر الثقيل ، وتتلاشى وساوس الشيطان الرجيم . يقول صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا) . إذن فلا بدَّ من الصبر ولا بدَّ من اللجوء الحق إلى الله تعالى ، ولا بد من توبة صادقة ، وإقبال على الله ، وعمل بما أمر ، ومن توكل مكين عليه جلَّ وعلا : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) . فالمسلم الصابر في خير والأمة الصابرة الصَّامدة في خير ، مادامت هذه الأمة تتطلع إلى السماء وترجو الله فتحه ونصره وفرجه ، وهي واثقة بأنه لاملجأ ولا معين إلا الله ، فهو القريب المجيب : ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) .

إضاءة :

(فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ)

وسوم: العدد 1049