(من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ )

من المعلوم أن الخالق سبحانه وتعالى لا تنقطع  صلته بخلقه ، وإنما هو معهم في كل وقت وحين ، يسمع ويرى ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، وهو يعلم كل شيء عنهم ، ويعلم ما يبدون وما يخفون ، ويعلم خائنة أعينهم  وما تخفي صدورهم ، وهو ثاني الواحد منهم إذا انفرد ، وثالث الإثنين إذا اجتمعا ،ورابع الثلاثة ....وهو معهم أينما كانوا .

ولقد وردت في الرسالة الخاتمة التي خص بها الله تعالى العالمين إلى يوم الدين أخبار عما كان يُسره  بعض الخلق فرادى أو جماعات من  حديث  في نفوسهم ، أو يتناجون به ، أو يبيّتونه  ، فيظهره عز وجل كما  كان على سبيل المثال لا الحصر حال المرأة التي سمع قولها وهي تشتكي إليه في حديث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن زوجها ، فهذا مثال له ما يشببه في الذكر الحكيم .

 ولقد فضح الله تعالى ما كان  يُسره الكفار، والمنافقون، وأهل الكتاب ، وهم يكيدون لرسوله عليه الصلاة والسلام ، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى :

(( من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم لقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ )) ، ولقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية، فقال بعضهم إن الضمير في قوله " لن ينصره " يعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بينما الضمير في قوله " من كان يظن " يعود على بعض من كانوا يكيدون له ، في حين قال البعض الآخر إن هذه الآية لها صلة بما سبقها  ويتعلق بالمنافقين في قوله تعالى :

 (( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلاّم للعبيد ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين )) ،وبعد ذكر ما أعد الله تعالى للمؤمنين من نعيم في الآخرة ،جاء قوله تعالى : (( من كان يظن  أن لن ينصره الله ... الآية ))  ، فقيل إن هؤلاء كان يشكون ، ويشككون في نصر الله تعالى رسوله ، وفي إظهار دينه على الدين كله ، أوكانوا مترددين بين الكفر والإيمان غير الثابت في قلوبهم، لأنهم كانوا يستعجلون النصر غير واثقين بحصوله .

ومهما يكن من اختلاف بين المفسرين ،  فأن الله عز وجل قد بكّت الشاكين المشككين سواء منهم من قصدوا نصره لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام  في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة من الذين كان يغيظهم هذا النصر ولا يريدونه أو الذين كانوا يعبدون الله على حرف وقد يئسوا من النصر واستبطأوه ، وحدثتهم أنفسهم بالرجوع إلى ما كانوا عليه من كفر وشرك ، إن أولئك وهؤلاء تحداهم الله تعالى بإن  يمدوا حبالا  إلى السماء  بأقصى ما يستطيعون مدها، وهم معلقون بأعلاها ، ثم يقطعونها لتنقطع  بذلك أنفاسهم ، فيهلكون ، ولكنهم لا يذهب أو يزول عنهم غيظهم . ولقد جاء في التفسير أن المقصود بالسماء هي إما  أسقف بيوتهم لعلوها  ، أو السماء على وجه الحقيقة، وفي هذا  تعجيز لهم ، وتهكم بهم .

ولمّا كانت العبرة بعموم لفظ القرآن الكريم لا بخصوص سببه، ليكون صالحا لكل زمان ولكل مكان إلى قيام الساعة ، فإن مثل الظن الذي ظنه الكافرون أوالمنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص نصر الله تعالى له ولدينه ، سيتكرر دائما ممن يعادون دين الله عز وجل  كفارا أو منافقين ، ويغيظهم نصره وإظهاره لدينه على الدين كله ، وبذلك ينطبق عليهم ما انطبق على من نزلت فيهم هذه الآية الكريمة ،ويشملهم التعجيز ، ويكونون بدورهم موضع سخرية واستهزاء.

مناسبة حديث هذه الجمعة ، هو تنبيه المؤمنين إلى الاحتراز من الوقوع في سوء الظن بالله تعالى من خلال الشك أو التشكيك في حلول نصرة دينه الحق عندما يخوض المؤمنون  في كل زمان ، وفي كل مكان صراعا مع أعدائه ، ويكون ذلك إما يأسا منهم أواستبطأ للنصر الموعود منه عز وجل ، وهو الذي لا يتخلف أبدا وعده عن الإنجاز ، خصوصا وقد انبرى بعض المحسوبين على الإسلام ، ـ ونكل سرائرهم إلى الله تعالى ـ  لبث الفتنة في الأمة المؤمنة  بسبب هذه الحرب الدائرة اليوم في أرض الإسراء والمعراج ، وذلك بإصرارهم على استبعاد  حصول نصر الله تعالى للفئة المرابطة المجاهدة التي تتصدى بكل شجاعة وبسالة للعدو الصهيوني المحتل ولمن يساندونه ، وفي ذلك ما قد يبعث اليأس في قلوب ضعاف الإيمان ، فيقتنعون بما يروج له هؤلاء ، ومن ثم ينخرطون معهم في لوم المجاهدين في سبيل الله لمواجهتهم أعداءهم بصبر، وثبات، ويقين بنصر من الله تعالى حاصل لا محالة ، ويكون قريبا بمشيئته، ورغم أنوف أعدائهم ، ورغم أنوف من يوالونهم ، ورغم أنوف من يهونون من قيمة  جهادهم ، وينحشرون بذلك  في صفوف أعدائهم .

ومعلوم أن نصر الله تعالى للمؤمنين يكون مشروطا بتقواه ، وبالاستقامة على صراطه المستقيم  وبالصبر، والثبات ، والاحتساب، والتضحية بالأموال والأنفس ، وبنصرة دينه . وبسبب غياب هذه الشروط ،تشيع الظنون السيئة بحصول نصره عز وجل في الدنيا ، وبالجزاء الأخروي الذي أعده للمجاهدين في سبيله الذين  يجمعون بين نعمة النصر في الدنيا ، وبين نعمة الجنة في الآخرة ، والذين استشهدوا في سبيل الله لا يُحزن ، و لا يُناح عليهم ،لأنهم  ليسوا أمواتا  بل أحياء مصداقا لقوله تعالى :

((  ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرعظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) . صدق الله العظيم .

اللهم يا منزّل الكتاب ، و سريع الحساب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب اهزم أعداءك الصهاينة المجرمين ، ومن والهم من الصليبيين  الظالمين الحاقدين على دينك ، وانصر عبادك المؤمنين المرابطين المجاهدين  في أرض الإسراء والمعراج ، ولا تجعل لأعدائهم عليهم سبيلا . اللهم أفرغ عليهم صبرا ، وثبت أقدامهم ، وسدد رميهم ، وامددهم بمددك وجندك ، واحفظهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، ومن فوقهم ، ومن تحت أرجلهم .اللهم عجل لهم بنصرك الموعود نصرا يغيظ الصهاينة والصليبيين والمنافقين آمين ، آمين .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

وسوم: العدد 1060