رجل في لحظة تفكير

د. أيمن أسعد عبده

هي نصف ساعة في الأسبوع، يخلو فيها بنفسه، في زاويته المفضلة في المنزل وحيدا، أو في مكان جميل إن كان في الخارج، يخرج فيها دفاتر حسابات حياته، ويسمح لعقله وروحه أن يسبحا في تأمل عميق.

يتفقد قلبه أولا، يتذكر نعم الله التي تغمر حياته، كل الهموم والمشكلات التي واجهها في الأسبوع الماضي، تتصاغر أمام فيض النعم والمنح الربانية التي تحيط به. يمتلئ قلبه رضا عن الله. ويصعد بقلبه إلى منزلة ''قلب شكور''.

يفتش عن أي أحقاد أو ضغائن في قلبه فيغسلها بالصفح، يتذكر أعداءه وخصومه فيهديهم دعوة صادقة، يرسل لهم نبضات حب. يستمتع بقلبه وقد استحق منزلة ''قلب سليم''.

ثم يستحضر عيوبه، ويسترجع أخطاءه وذنوبه في الأسبوع الذي للتو مر، تلك الكلمة، ذاك الموقف، هذا التقصير، يتوجه إلى الله بتوبة نصوح واستغفار صادق، يعاهد نفسه أن يحاول ويجاهد أن يكون دائما أفضل، ويصعد بثقة إلى منزلة: ''قلب منيب''.

يسمح للرضا والسعادة والراحة أن تسري في جسده بعد أن انتهى من عملية الصيانة الدورية لقلبه.

يلتفت بعد ذلك لعقله، ينظفه من كل رواسب السلبية والإحباط، يشحنه كما يشحن جواله بجرعات عالية من الإيجابية، يذكر نفسه أن طريقة تفكيره وتفاعله مع ما يحدث حوله هو أهم بكثير مما يحدث فعلا. يستعد لأسبوعه القادم بنظرة أكثر أملا وتفاؤلا. يعاهد نفسه أن يركز على الفرص بدلا من المشكلات، ويعد نفسه أن يشعل دوما شمعة، فقد لعن الظلام كثيرا ولم يجد ذلك شيئا.

ثم ينظر إلى جسده، يشكر الله على هذه النعمة المعجزة، ويشكر جسمه على أن تحمله طوال هذا الأسبوع. يعتذر إليه أنه سممه برعونة فما أدخل في فمه، يطلب منه العفو أنه لم يعطه حقه من الحركة والرياضة، يعاهده أن الأسبوع القادم سيكون مختلفا.

انتهى الآن من صيانة قلبه وعقله وجسده، يلتفت إلى الغالين ممن حوله، يتذكر والديه، يعقد العزم على أن يبرهم كل أسبوع بطريقة، يتفنن في برهم بمعنى آخر، فضلهم عليه يحيط بعنقه، يدعو لهما ويراجع تقصيره في حقهما. يتفكر طويلا في زوجته، صنو روحه، رفيقته في الحياة، هل غمر حياتها بالسعادة؟ هل ساعدها على أن تحقق ما تريد في حياتها؟ يفكر في صغاره: هل رباهم بالحب الذي هم أحوج ما يكونون إليه؟ هل غرس فيهم القيم والمبادئ التي يؤمن بها، هل سلحهم بأجنحة يطيرون بها إلى مستقبل أفضل من حاضره، هل كان قدوة حقيقية لهم؟ هل صنع معهم ذكريات جميلة يتذكرونها بعد زمن؟ ثم تأمل في قرابته ورحمه، ثم في أصدقائه وزملائه. يروي كل تلك العلاقات حبا وصلة ويضع برنامجا لتوطيدها.

بعد ذلك كله يتفقد خطته المالية، يتذكر كل ريال دخل عليه هل كان من حلال طيب، ويتذكر كل ريال أنفقه هل كان في حقه، هل التزم بخطته في الإنفاق والتوفير والاستثمار. يدعو الله تعالى أن يقبل منه تلك الصدقة.

يختم جلسة الصيانة الأسبوعية بقراءة عميقة لرسالته في الحياة وأهدافه الكبيرة، هل عاش حياته الأسبوع الماضي وفق هذه الرسالة؟ هل قربه الأسبوع الفائت من تلك الأهداف؟ صحح وراجع، ندم وعاهد، وضع وراجع أهدافه في كل مجال، راقب تقدمه أو تراجعه في كل ميدان، أهداف حققت بسهولة فرفع مستوى التحدي فيها، وأخرى كانت غير واقعية فقلَّمها شيئا ما.

يحس الآن بإحساس رائع، يحس أن حياته تحت السيطرة وأنه يسير فيها على هدى، وأن القيادة بيديه.

يختم جلسته كما هو دوما بتذكر أنه مهما فكر وخطط وحاول فهو في حاجة ماسة إلى عون وتوفيق، فيدعو بصدق: ''يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث: أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين''.

قام وكأنما استحم فكريا ونفسيا وجسديا، وقال للأسبوع الذي أمامه: هل أنت مستعد؟