الصيام بين أداء صورته وتحقيق أهدافه

حسن قاطرجي

في حديث لافتٍ عن كثير من الصائمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع))، وفي رواية: ((رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش)).

هذا الحديث حسن الإسناد، رواه الإمام ابن ماجه باللفظ الأول في سننه (1690)، في كتاب الصيام، باب ما جاء في الغِيبة والرَّفَث للصائم، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، وورد الحديث من نفس الطريق في مسند أحمد (9685) بلفظ: «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع». ورواه باللفظ الثاني: الطبراني في «المعجم الكبير» - ح 13413 - عن ابن عمر، والإمام أحمد في المسند (8856) وابن خُزَيْمة (1997) والحاكم في «المستدرك» 1: 431, عن أبي هريرة أيضاً.

والحديث حَسَّنَ إسناده الحافظ الكبير العراقي في تخريجه لأحاديث ((الإحياء)) 1: 159، ومن المعاصرين الشيخ شعيب الأرناؤوط ورفاقه في تخريج أحاديث المسند (9685) 15: 428.

والفائدة الأساسية من الحديث أنّ النبي يلفِتْ [ الأنظار إلى وجوب الالتفات إلى جوهر العبادة وروحها ومقاصدها وعدم الاقتصار على مجرد القيام بهيئتها وصورتها، وذلك بإخلاصها لله عز وجل وحضور القلب فيها والحرص على التحقُّق بمعانيها وتحقيق أهدافها ومقاصدها. كما ينبه ويحذّر من كون بعض الصائمين - و(كم) في الرواية الثالثة تفيد الكثرة - يحسبون أنفسهم أنهم يصومون وفي الحقيقة هم يُتعبون أنفسهم بالجوع والعطش ويفوتهم الثواب ولا يستفيدون من مقاصد الصيام: إما لأنهم يخلطون طاعتهم بالآثام التي تفوّت ثواب العبادة فلا يستفيدون منها، وإما لأنهم لا يؤدونها إيماناً واحتساباً بل يفعلونها متابعةً وتقليداً فتُؤدَّي منهم صورة ولا يعيشونها حقيقة.

وإلى هذا المعنى العميق وجّه العلاّمة المفكر الإسلامي الداعية الكبير أبو الحسن النَّدْوي رحمه الله في مقالته الرائعة (بين الصورة والحقيقة) في كتابه ((إلى الإسلام من جديد)) وعالج المشكلة التي زاد تفشِّيها في عصرنا الذي طغى فيه التقليد والتعلُّق بالصور والماديات على حساب المعاني والمقاصد والروحانيات.

نسأل الله أن يحقّق فينا مقاصد الصيام وأن يرزقنا الإخلاص، وأن يتقبل منا الصوم وسائر الطاعات في رمضان.