اعدلوا هو أقرب للتقوى

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

[ يا أيها الذين ءامنوا ، كونوا قوامين لله ، شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم ، على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون ] المائدة / 8 .

1-    كونوا قوامين :

* قوامين : على وزن فعّالين صيغة مبالغة من فاعل ( قام قائم ) ، والقوام : أشد اتصافا من القائم بصفة القيام

* والقائم قد يكون متراخياً والقائم قد يكون متهاوناً والقائم قد يكون متململاُ

ولكن ( القوام ) معناه هو من يكون : في أعلى درجات النشاط ، وأعلى درجات اليقظة ، وأعلى درجات الجاهزية : [ يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله ] المائدة / 8 .

يعنى : ابذلوا كل طاقاتكم ، كل نشاطكم ، كل عضلاتكم ، كل علمكم ، كل جاهكم ، كل مالكم ، كل طلاقة لسانكم ، كل قدراتكم ، كل ذكائكم ، كل مكانتكم ، كل أحوالكم ، كل مواهبكم ، هذا كله يوظف لله تعالى بالفرار إلى الله

* فأعلى درجات الاهتمام أن تقف ، وأن تكون مستعداً لبذل الغالي والرخيص

 وأن تقدم النفس والنفيس ، وأن تكون جاهزاً في أعلى درجات النشاط ، وهذا معنى قوله تعالى : [ ولكن كونوا ربانين ] آل عمران / 79 .

ولكن متى نفعل كل ذلك ؟

2-    شهداء بالقسط :

* نعم نفعل كل ذلك شهداء بالقسط ، وتأمل معي هذا المشهد النبوي ، فقد أراد أحب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع عند النبي في امرأة سرقت فغضب النبى صلى الله عليه وسلم أشد الغضب وقال : " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "

هذا هو الاسلام :

* حين جاء ملك الغساسنة فرحب به عمر ، وهو يطوف بالبيت داس أحد الأعراب على طرف ردائه ، فقامت الدنيا ، ولم يحتمل الملك فالتفت نحو الأعرابي ، وضربه ضربة هشمت أنفه .

فاشتكي الأعرابي إلى عمر ، فاستدعى عمر ملك الغساسنة باسمه ( جبلة بن الأيهم ) وكانت وقائع التحقيق كالتالي :

عمر : أصحيح ما ادعى هذا الرجل الجريح

جبلة : لست ممن ينكر شيئاً

        أنا أدبت الفتى

        أدركت حقى بيدي

عمر : أرضي الفتى

         لابد من إرضائه

        فما زال ظفرك عالقاً بدمائه

جبلة : وان لم أفعل ؟

عمر : يهشمن الآن أنفك

        وتنال ما فعلت كفك

جبلة : كيف يا أمير المؤمنين ( ما هذا الكلام )

        هو سوقة

        وأنا عرش وتاج

        كيف ترضي أن يخر النجم أرضًا ؟!

عمر : نزوات الجاهلية

          ورياح العنجهية

          قد دفناها

          وأقمنا فوقها صرحاً جديداً

          وتساوي الناس أحراراً لدينا وعبيدًا

جبلة : كان وهمًا ما جرى في خلدى

          أنني عندك أقوى وأعز

          أنا مرتد إذا أكرهتنى

عمر : عنق المرتد بالسيف تحز

[ يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ] المائدة / 8 .

ولذلك قيل :{ عدل ساعة أفضل عند الله من أن تعبد الله ثمانين عاماً }

3-    ولا يجرمنكم :

معناها لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا والمخاطب هو الله ، والمخاطب المؤمنون ، أما المبغضون هم الكفار والمنافقون والملاحدة والخصوم والمهاجرون 

ـــــــــــــ  سبحان الله  ـــــــــــــ

ماذا يقول الله للمؤمنين في هذه الآية ؟

ـ إذا لم تعدلوا مع خصومكم وأعدائكم فأنتم واهمون !!

ـ لا يرضيني إلا أن تعدلوا معهم ولا يقربكم إلىّ إلا أن تنصروهم .

ـ إذا أكلتم أموالهم واعتديتم على أعراضهم بدعوى أنهم أعداء لكم فهذا عين الخطأ .

[ ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعادلوا هو أقرب للتقوى ] المائدة / 8 . 

4-    اعدلوا هو أقرب للتقوى :

· إذا عدلتم مع هؤلاء الأعداء أنتم أقرب إلىّ .

· وإن عدلتم مع هؤلاء الأعداء أنتم قربتموهم إلىّ فقد عرفوا عظمة الإسلام .

· فعين الخطأ أن أقول : ( اسرقه ـ كُله ـ ارفع عليه السعر ـ خد ماله ) لأنه غير مسلم .

· من فقه عمر : جاءه رجل قفال له : يأمير المؤمنين أتحبتي ( وكان الرجل فاجرًا )

فقال عمر : والله لا أحبك ، فقال الرجل : وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي ، قال : لا والله ، حقك واصل إليك ، أحببتك أم كرهتك .

· هذا هو الإسلام ( اعدلوا هو أقرب للتقوى )

· لعلنا تقول أن الخطأ في حق المسلم يكون صغيرًا ويكبر عندما يكون مع غير المسلم ... لماذا ؟

في الحالة الأولى : يقال فلان آذاني ، وفي الحالة الثانية : يقال الإسلام مؤذي ، وبالتالى يذم الدين ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : ( أنت على ثغرة من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك ) .

ويقول تعالى في آية أخرى : [ يا أيـها الـذين آمنـوا كـونوا قـوامين بالـقسـط شهـداء لله ولـو عـلى أنـفسكـم أو الوالدين والأقربين ] النساء / 135 .

5-    واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون :

أنتم أقرب إلىّ بالعدل مع الآخرين وهم أقرب إلىّ بالتوبة حين تعدلون معهم ، والله مطلع خبير .

· يعرف حجم عملك .

· يعرف أهدافك من عملك .

· يعرف البواعث الحقيقية من عملك .

· يعرف الصعاب التي تعرضت لها .

· يعرف كم بذلت من جهود وما تملك .

· يعرف كم قدمت من نفس ونفيس وغالٍ ورخيص .

· يقول تعالى : [ والله يقدر الليل والنهار ، والله خبير بما تعملون ]

ولذلك فمهمتنا أن نمارس هذه الواجبات :

· واجبنا أمام هذه الآية ألا ننسيْ أكثر من مليار مسلم على الأرض ، حين يلصق الأمر السيء بالإسلام لأن فلان فعله .

· واجبنا أن نراعي ذلك فلا نقدم إلا الجميل ولا نفعل إلا الحسن الذي يرفع من قيمة الإسلام .

· وتأمل معى ما حدث لأكبر رجل يمثل الحزب اليساري الفرنسي ، فكم حارب الإسلام في فرنسا طيلة أعوامه كلها ، وفجأة يعلن إسلامه ، ونتركه يروي سبب إسلامه يقول :

( من ثلاثين سنة كنت جندياً في الجزائر ، ورفض مسلم أن يقتلنى في الحرب لأسباب دينية ، حين قال أنت أعزل والإسلام أمرنا ألا نقتل الأعزل ،  فالإسلام يمنعه من القتل ، فبقيت هذه الفكرة في ذهنى ثلاثين سنة ، فدرست الإسلام من أجل ذلك وأسلمت .

وهكذا : عمل طيب ربما أنجا أمة ، وعمل سييء ربما أخّر أمة .