في حب الله (14)

الحب في الله والبغض في الله

عبد المعز الحصري

[email protected]

الحمد لله وحده و صلاةً وسلاماً على سيد المحبين في الله سيدنا محمد وآله وصحبه وبارك

 الحمد لله الذي جعل منزلة المحب كمنزلة المحبوب – صلى الله عليه وسلم- وإن لم يكونا في العمل سواء،

 قالوا الحب في الله والبغض في الله هو مقياس الإيمان.

 سُئِل مرة الشيخ أبو محمد المرتعش: بماذا ينال العبد المحبة،  فقال:  بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه.

عن ابن مسعود – رضي الله عنه -   قال: " لو أن رجلاً عَبَدَ الله بين الرُكن والمقام سبعين سنة لبعثه الله مع من يحب، فإن أحبَّ شريرا بُعث معه وإن أحب الصالحين حُشر معهم" من كتاب أخلاق المسلم،للاستاذ: محمد سعيد مبيض.

و عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله، قال: وما أعددت لها، قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة لكني أحب الله و رسوله، قال: أنت مع من أحببت. قال أنس فقلنا ونحن كذلك قال نعم، ففرحنا بها فرحاً شديداً.

 قال أنس فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من

أحببت. وقال أنس أيضاً فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إيّاهم وإن لم أعمل أعمالهم. (رواه البخاري في فضائل الأصحاب باب 6 ).   

ورد أنه جاء رجل الى النبي  صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرجل يحب القوم ولايلحق بهم، قال: "المرء مع من أحب" أخرجه البخاري ومسلم عن أنس وابن مسعود وأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي عن أنس، وعده السيوطي في الأحاديث المتواترة.  هذا الحديث الشريف ملزم بمحبة العارفين مبشر بالإلحاق بهم إذا صحت المحبة، وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله.

 وإن من سر الخالص أن يرفع العارف إلى مقام السر والنجوى في المحاضرة عند سواه. المرجع حال أهل الحقيقة مع الله  لسيدي أحمد الرفاعي ص86

أفضل الأعمال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له'' رواه مالك في الموطأ.

وفي رواية أخرى: ''أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير'' رواه الترمذي وقال حديث حسن.

 قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله   يقتضي أن لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ولا يوالى إلا لله ولا يعادي إلا لله وأن يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه الله)  مجموع الفتاوى ج8 ص337 

 عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الحب في الله و البغض في الله" رواه أحمد في مسنده (5/ 146)

 أوحى الله إلى موسى  .. هل عملت لي عملاً، قال:  صليت و صمت و تصدقت و سبحت و قرأت، قال: الصلاة لك نور و الصوم لك جُنَّة -  بضم الجيم  - و الصدقة لك ظل و التسبيح لك أشجار و القراءة لك جواز.

 فأين الذي عملته لأجلي، قال:  دلني عليه .

قال: هل واليت لي ولياً، أو عاديت لي عدوا، فعلم موسى أن أفضل الأعمال الحب في الله و البغض في الله.

 ( نزهة المجالس ج 1 -  58 – 59  العلامة الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي).

البغض في الله

من مظاهره أن تبغض الإنسان الذي يجهر بالمعصية، أو المُصِر عليها، أو الذي يستحل حراماً ويحرم حلالاً، أو تبغض إنسانا يقترف المعاصي، وهنا لابد من التنبيه على النصح للأهل والأولاد والدعوة المستمرة بالحكمة والموعظة الحسنة واللين فإن الشدة معهم قد تؤدي إلى عواقب وخيمة ولاشك أن الدعوة مع الحكمة  كانت بين سيدنا نوح -عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات والتسليمات–  وابنه حتى بدأ الطوفان وكان نصيب عناده وكفره الغرق  فكان من المهلكين.

إذا كنا نكره الثوب الوسخ الذي يلبسه ولدنا المدلل، فنحن نحرص كل الحرص تماما أن نزيل المعصية عن أخينا بالأخذ على يده والنصح والدعاء له فنشد بعضده، لا أن نكون عونا للشيطان عليه فان أصر واستكبر وجاهر بالمعصية يكون عندها البراء منه وهذا ما حصل بين إبراهيم – عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام – مع أبيه آزر. 

لا يقتضي البغض في الله،  الجور والظلم بل البر والإحسان والإقساط  بين المؤمنين وحتى مع الكفار وذلك لمن لم يحارب الإسلام وأهله،

ورد في الحديث القدسي ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا)، وهنا لابد من التنبيه إلى حكم  تهنئة الكفار بأعيادهم،1.مذهب السادة الحنفية :

(قال أبو حفص الكبير رحمه الله : لو أن رجلا عبد الله تعالى خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله وقال صاحب الجامع الأصغر إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ولم يرد به تعظيم اليوم ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ويفعله قبله أو بعده لكي لا يكون تشبيها بأولئك القوم , وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظمه المشركون كفر , وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر)ا.هـ

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة ابن نجيم (8/555) ورد في كتاب أحكام أهل الذمة (1/205)،  قوله: ( فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه)، انتهى قوله

 يقول الشاعر الفيلسوف محمد إقبال في الجيل القوي المأمول تحت عنوان الشباب العظيم: شبابه طاهر نقي، وضربه موجع قوي إذا كانت الحرب فهو في صولته كآساد الشرى، وإن كان الصلح فهو في وداعته كغزال الحمى، يجمع بين حلاوة العسل ومرارة الحنظل هذا مع الأعداء، وذاك مع الأولياء

آثار وثمار الحب في الله والبغض في الله

1- الولاية

  قال ابن عباس – رحمه الله – (من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك).  

2- استكمال الإيمان   قال صلى الله عليه وسلم: "من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" أخرجه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة.

3- نيل درجة المقربين في الآخرة: للحديث "أنت مع من أحببت".

4 - نيل محبة الله للعبد. ورد في كتا ب رياض الصالحين "  ..... سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ". حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح.

5- مجاورة الجبار ومشاهدة المختار صلى الله عليه وسلم: كان مالك بن دينار كثيرا ما يبكي ويقول: يا نفس تريدين أن تجاوري الجبار وتشاهدي المختار، بأي شهوة تركتيها، بأي بعيد قربتيه الى الله، بأي ولي أحببتيه لله، بأي عدو أبغضيته لله، بأي غيظٍ  كظمتيه لله، لا والله لولا عفو الله ورحمته، ثم يغشى عليه.  المرجع :  حال أهل الحقيقة مع الله  لسيدي أحمد الرفاعي

5- وحدة ومؤازرة  صف المؤمنين .

 6- حصول إجابة  الدعاء بظهر الغيب  من قبل الإخوان وبه يلحق النائم بالقائم .

 7- النصرة  من الله عز وجل  "إن تنصروا الله ينصركم ....".

للحب والبغض آداب أهمها (1):

1- الاعتدال في الحب والبغض   قال صلى الله عليه وسلم " أحبب حبيبك هونا ما،  عسى أن يكون بغيضك يوما ما،  وأبغض بغيضك هونا ما،  عسى أن يكون حبيبك يوما ما " . ( رواه الترمذي  والطبراني والبيهقي )

2- شرف الخصومة في الحب    قال الله تعالى " ولايجرمنكم شنآن قوم على أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" المائدة 5/8 

3 - الصدق في المحبة

                

)  1)  المرجع : أخلاق المسلم: الاستاذ  محمد سعيد مبيض