اللهم اجعلنا من المتحابين فيك

اللهم اجعلنا من المتحابين فيك

أبو الخير الناصري

[email protected]

المحبةُ وَحْدَها قادتني إلى القصر الكبير صباح اليوم. ومع أني لم أَنَمْ سوى سُوَيْعات قليلة في الليل فقد أحسستُ بخفة في الخطو وأنا أغادر المنزل لأسْتَقلَّ سيارةَ أجرةٍ توصلني إلى محطة القطار بأصيلا، ثم وأنا أغادر محطة القصر متجها للقاء أخي الحبيب سيدي عبد الحي الروسي حفظه الله تعالى.

كان اللقاء بيننا قد ظل يُقَدِّمُ رِجْلا ويَُؤخِّر أخرى إلى أن أَذِنَ الله – عز وجل – بتحقُّقه هذه الصباح، فقدمت للقاء هذا الرجل الذي أحببته قبل أن أراه، "والقَلْبُ يُحبّ قبل العين أحيانا"!

في حضرة العزيز عبد الحي أحسست بأن حَبْلَ المودة بيننا مُتَّصلٌ منذ سنواتٍ خَلَتْ، وأن هذا اللقاء ليس سوى تَجَلٍّ للقاءات رُوحَيْنَا بعيدا عن صخب الحياة وضوضائها.

وفي مكتبته الجميلة والمفيدة وقفتُ على بعض ما أَلَّفَ بين القَلْبَيْن، ولم تكنِ العنايةُ بِتُراثِ الأسرة الصِّدّيقيَّة بطنجة المؤلِّفَ الوحيد، فقد شعرتُ بألفة غريبة وأنا أتصفح دفترا في مكتبة الرجل يتضمن قصائد من الشعر الفصيح والعامي بخط يد والده سيدي أحمد بن العلمي الروسي يرحمه الله تعالى: قصائد جَمَعَها وخَطَّها وعُمْرُه ثلاثة عشر عاما !!

 راقني أن يهتم ابن هذه السن بتدوينِ قصائدَ في المديح النبوي بالفصحى والعامية، مع عنايةٍ بها واضحةٍ يُجَلِّيها ذاك الخطُّ الجميل الذي كُتبت به، واستحسنتُ كثيرا تَذْييلَ بعض صفحات الدفتر بالتعقيبة، وهي – لِمَنْ لا يَعْرفُها – كلمةٌ تُكتَبُ في الجهة اليسرى أَسْفَلَ كلِّ صفحةٍ وتكونُ أولَ ما تقع عليه عين القارئ عند انتقاله لقراءة الصفحة الموالية، وتساءلتُ في أعماقي آسفا: أين أبناءُ اليوم جُلُّهُم من هذه الهِمَّة العالية!؟

كما راقني أن يحتفظ ابن بارٌّ بوالده بذاك الدفتر وبِوَرَقاتٍ وجدها داخل صفحاتِ عددٍ من مؤلفات أبيه، واشتَهَتْ نفسي أن أجد بعضاً من ذلك في الكتاب الذي يشتغل أستاذنا الدكتور محمد الحافظ الروسي – أكرمه الله – بتأليفه عن والده الشيخ أحمد بن العلمي الروسي يرحمه الله تعالى!

ولأن العنايةَ بتراث الصِّدِّيقِيِّينَ مما يؤلف بين قَلْبَيْنا: قلبي وقلب سيدي عبد الحي حفظه الله، فقد أَلَحَّ وأحبَّتْ نفسي أن أعودَ من لقائه مصحوبا بكتابَيْن لسيدي عبد الله بن الصديق الغماري هما "بدع التفاسير" و"كتاب الرؤيا في القرآن والسنة".

وبينما أنا أُوَدّع أخي الحبيب سيدي عبد الحي أحسستُ على مَرْمَى وردة من مقر الجمعية الإسلامية كأن مؤسسها ورئيسَها الأول العلامة أحمد الريسوني يُطِلُّ علينا بروحه من المقر مُبارِكاً لنا هذا اللقاء الجميل، وداعيا الله لنا أن يحشرنا – بهذه المحبة – في المؤمنين المتحابين في الله سبحانه.

ألم يَسْلُكْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرجلين المتحابَّيْن في الله في سلسلة السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظلّه يومَ لا ظلَّ إلا ظِلُّه؟

 فاللهم اجعلنا من المتحابين فيك !