الصيام والصبر والعفو

مصطفى عبده طه السعدني

مصطفى عبده طه السعدني

[email protected]

جاء الاسلام ليرسخ مبدا قوام النفس واعتدالها في كل شئ فلا إفراط ولا تفريط وجاء كذلك ليرسخ مبدأ الاخلاق الحميدة بشكل عام وترسيخ كل القيم التربوية التي تسموا بحياة الانسان وكما قيل في الاثر الدين المعاملة، إن كل عبادة لا بد لها من أثر يبدوا واضحا في سلوك الانسان المسلم. وقال صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق"

و قيل لا تحدثني عن الدين ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعلاملاتك، وهذا ما كان عليه النبي ص فقد كان قرأنا يمشي بين الناس.

وقضية الاخلاق ترتبط بشكل كبير بسلوك الانسان كفرد، فمن الخطأ أن نربط ما يبدر منه من سلوك سئ بالدين الذي يعتقده ويؤمن به، فلا توجد ديانه سماوية ما وافقت على خلق دون خلق، فكل مايسمو ويزكي ويعلو بروح الانسان من اخلاق وتعاملات طيبة بين الناس زكتة وكل ما دون ذلك نبذته وتركته جانبا بالتحريم أو بالتأثيم.

ونعلم أن الله قد فضل بعض الايام على بعض وفضل بعض الشهور على بعض وبعض الليالي على بعض ...الخ وهكذا جرى هذا الناموس على الصيام والصبر والعفو فقد اختص الله نفسه بتحديد الاجر لمن يؤدي عبادة الصوم ومن تخلق بخلق الصبر والعفو

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم.

وقال تعالى "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" _ الزمر 10

 وقال تعالى "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" _الشورى 40

إذا الصوم  والصبر والعفو ثلاثة اختصهم الله بأجره وفضله،وإبهام الأجر فيهم تعظيما لأجرهم ولحث الناس على إحتساب أجرهم عند الله دون غيرهم، مما يدفعهم للتمسك بهم وتطبيقهم في حياتهم اليومية من خلال معاملاتهم ولو نظرنا في الثلاثة بشئ من التفصيل لوجدنا أن الاولى (وهي عبادة وركن من أركان الاسلام الخمسه) مستقل بذاته وهو عباده فيها تزكية للنفس البشرية وتهذيب لها وتربية على المحافظة على ديمومة الذكر والطاعة وبهذا تستقيم له نفسه فكما استطاع ان يمتعها عن الحلال طوال فترة الصوم إمتثالا لأمر الله، فإنه قادركذلك على منعها وتقويمها إذا أخطات عند الوقوع في المعاصي وما شابه، أما بالنسبة إلى الصبر والعفو فهما خلقين عظيمين، ففيهما نستطيع أن نرى قوة تماسك المجتمع وتماسك لبناته فالصبر والعفو لا يقعان إلا بما يرتبط بهما فالصبر مرتبط ارتباط وثيق بعلاقاتنا اليومية من خلال مخالطة الناس، قال صلى الله عليه وسلم "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" ونحن نمارسة في حياتنا كالصبر على سعي الرزق وتربية الاولاد وحين الشدة والمرض  ومن خلال عباداتنا في اليوم والليلة،والعفو كذلك له فضل عظيم وأجر وفيرحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما زاد الله عبدا بعفوا إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه اللهرواه مسلم .

ومما هو واضح للعيان ولا يحتاج لكثير من البيان أننا لسنا بمفردنا نحيا في هذا المجتمع فنحن نعيش وبجوارنا أبنائنا وزوجاتنا وامهاتنا وجيراننا وأصدقائنا في العمل ومن نحتاج إليهم من ليسوا لنا ذوي قربى كأصحاب المهن الاخرى الذين شملهم المولى تحت قوله (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَت رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) _سورة الزخرف32

ولا شك ان الاحتكاك بالناس سواء من ذوي القربى أو غيرهم سيتولد عنه بعض التصادمات، في الآراء أو الأخلاق  أو الطباع والعادات .... الخ ،أو نتيجة سوء فهم منك أو من غيرك ... أو ربما تجد نفسك رغما عنك في موقف تكره، وهذه كلها أمورعادية لو تحلينا بهذين الخلقين (الصبر والعفو).

فإذا وجد مثل هذه المواقف فتذكر قوله تعالى "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22)"سورة النور.

وقوله "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"  (43)سورة الشورى.

وقوله تعالى "وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" سورة الرعد

فاللهم اجعلنا من عبادك المحسنين، والله المستعان.