آية نسيها المسلمون

آية نسيها المسلمون

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}النور

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

من الفتن التي عمت بها البلوى إطلاق البصر فيما حرَّم الله تعالى بلا حسيب ولا رقيب. وقد لاحظت أن كثيراً من المتدينين والعلماء للأسف يقعون في هذه المخالفة عن سبق إصرار في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم ولقاءاتهم، وكأن هذه الآية غير موجودة في كتاب الله جل وعلا .. استهانوا بالأمر الإلهي الحاسم وتوجيهات الرسول المعلم المبيِّن عن ربه فأحببت التذكير والتنبيه ورفع الصوت {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}الذاريات

ونحن أحوج ما نكون لغض البصر في هذا العصر؛ إذ شاعت المشاهد المخجلة التي تذهب بالحياء، وانتشرت الممارسات الجنسية المحرمة بين الشباب على الشات، وتخصصت بعض الفضائيات في الأفلام والأغاني المصورة (الفيديو كليب) المملوءة عريا وفحشا، حتى صار الشباب فريسة للمعاصي، وصيدا ثمينا للشيطان.

لا تقل قلبي طاهر ونيتي حسنة فإن قلبك ليس أطهر من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلبكِ أيتها المرأة ليس أطهر من قلب عائشة وزوجاته الحَصان الرَّزان..

يُذكر أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قد أمر نساءه بغض البصر، فقد روي عن مولى أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة عندما دخل عليهما ابن أم مكتوم: "احتجبا"، فقالتا: "أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا"، فقال: "أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟"...

ولن تكون أتقى من رسول الله والله تعالى يقول له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)}الأحزاب

اعلم أخي أن تقواك وورعك يقودانك إلى الطاعة والالتزام لا إلى التهاون في أوامر الله العلي المتعال الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)}الأحزاب

 

كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر

والعبد ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على خطر

يسر ناظره ما ضر خاطره *** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

في صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال  عَنْ نَظْرَة الْفَجْأَة، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِف بَصَرِي.

قال النووي في شرح مسلم وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد فَلا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ ، وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال ، فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلا إِثْم عَلَيْهِ ، وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث ، فَإِنَّهُ  أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ.

وغض عن المحارم منك طرفا *** طموحا يفتن الرجل اللبيبا ‏

فخائنة العيون كأسد غاب *** إذا ما أهملت وثبت وثوبا ‏

ومن يغضض فضول الطرف عنها *** يجد في قلبه روحا وطيبا

في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ:

((إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ)).

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً *** لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر علي *** ه ولا عن بعضه أنت صابر

في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ)).

إذا أنت لم ترع البروق اللوامحا *** ونمت جرى من تحتك السيل سائحا

غرست الهوى باللحظ ثم احتقرته *** وأهملته مستأنسا متسامحا

ولم تدر حتى أينعت شجراته وهبت *** رياح الوجد فيه لواقحا

فأمسيت تستدعي من الصبر عازبا *** عليك وتستدني من النوم نازحا

وكان السلفف االصالح يبالغون في غض البصر؟ حذر أمن فتنته، وخوفا من الوقوع في عقوبته.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان من نظرة فان للشيطان فيها مطمعا.

وكان الربيع بن خيثم رحمه الله يغض بصره، فمر به نسوة، فأطرق - أي أمال رأسه إلى صدره - حتى ظن النسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى!!

وقال عيسى ابن مريم: النظر يزرع في القلب الشهوة، وكفى بها خطيئة.

وقال ذو النون: اللحظات تورث الحسرات؟ أولها أسف، واخرها تلف، فمن طاوع طرفه تابع حتفه.

وخرج حسانن بن أبي سنان يوم عيد، فلما عاد قالت له امرأته: كم من امرأة حسناء قد رأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك!

قال أحمد بن حنبل: كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل!!

يا من رأى سقمي يزيد *** وعلتي تعي طبيبي

لا تعجبن فهكذا *** تجني العيون على القلوب

{ولما نظر الفضل بن عباس إلى امرأة حوَّل النبي وجهه إلى الشق الآخر} [رواه أبو داود].

قال ابن القيم: وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.

قال ابن الجوزي: فتفهم يا أخي ما أوصيك به، إنما بصرك نعمة من الله عليك، فلا تعصه بنعمه، وعامله بغضه عن الحرام تربح، واحذر أن تكون العقوبة سلب تلك النعمة، وكل زمن الجهاد في الغض لحظة، فإن فعلت نلت الخير الجزيل، وسلمت من الشر الطويل.

قال أبو بكر المروزي : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: رجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله، إلا أنه لا يدع النظر؟! فقال: أي توبة هذه! قال جرير: { سألت رسول الله عن نظرة الفجاءة، فقال: "اصرف بصرك " } [رواه مسلم وأبو داود].

استعن بالله

{ اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي }

اللهم آمين