إضاءات في شهر الهدى والنَّدى

إضاءات في شهر الهدى والنَّدى ...

شريف قاسم

[email protected]

من قيم رسالتنـــا :

* المودة والتعاون لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع

·        بالبر والإيثار والجود ...

·        بالمشاريع الخيرية لإفطار الصائمين  ...

·        بالحق المعلوم للسائل والمحروم ...

* فأفضل الأعمال بعد الإيمان بالله :

( أفضلُ الأعمالِ إدخالُ السُّرورِ على المؤمن ...

        كسوتَ عورتَه ...

        أو أشبعتَ جوعتَه ...

        أو قضيتَ له حاجتَه ) حديث شريف

أخي المسلم الكريم ...

·        زكاتك ...

·        صدقتك ...

·        تبرُّعُك ...

هي رصيدك ... رصيدُك الباقي عند الله ، يوم لاينفع مال ولا بنون ...

ويُضاعف لك الثوابُ في شهر رمضان المبارك ...

( الصَّومُ جُنَّةٌ ، والصَّدقةُ تطفئُ غضبَ الخطيئةِ ، كما يذهبُ الجليدُ على الصَّفا )

حديث شريف

·        كان السُّؤالُ : ( أيُّ الصَّدقةِ أفضلُ ؟ )

وكان الجوابُ : ( صدقةٌ في رمضان )

حديث شريف

حقًّا إنه شهر الرحمة والمغفرة والكرامة ...

شهر الهدى والنَّدى والفرقان ...

أخي الكريم ، تعالَ مع أهل الفضل والإحسان :

( مَنْ فطَّرَ صائمًا على طعام وشراب من حلالٍ صلَّتْ عليه الملائكةُ في ساعات شهر رمضان ، وصلَّى عليه جبريلُ ليلةَ القدرِ  ) حديث شريف

* إلى اللَّــهِ ...

( قُلْ إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للهِ ربِّ العالمين ، لاشريك له ... )

161/ الأنعام

·        إلى الله ...

·        إلى الله نتوجه ...  في صلاتنا .

·        إلى الله نتوجه نطلب الرحمة والمغفرة والبركة ... في زكاتنا .

·        إلى الله نتوجه ... نسأله التوفيق والسداد ... في سعيناوأعمالِنا .

وبذلك نكون ــ إن شاء اللهُ ــ من الفائزين ...

وفي حصنِه الحصين ...

( إنَّ صدقةَ المسلم :

·        تزيدُ في العمر ...

·        وتمنعُ ميتةَ السُّوء ...

·        ويُذهبُ اللهُ بها الكِبرَ والفخرَ )

حديث شريف

·        تهنئة بشهرِ رمضان المبارك ...

·        بشرى من الله لأهلِ الجودِ في شهر الجود ...

* فوائد البذل في سبيلِ اللهِ

* لاتُحصَى ...

*ومحاسنه بين الناسِ لاتبلى ...

فهنيئا لمَن وهبه اللهُ حبَّ الأيتامِ والفقراء والمساكين ...

وبشرى له من الله في جنَّةِ الخلد يوم القيامة ...

·        ظلالُها وارفــــةٌ ...

·        وثمارُها يانعةٌ ...

·        ونعيمُها لايزول ...

أخي المسلم الكريم ...

·        أَعْطِ ... تُعْطَ ...

·        إنها التجارة الرابحةُ مع اللهِ الكريمِ الرحيم ...

·        فسارعْ ... سارعْ تَكُنْ من الفائزين بإذنِ الله ...

·        وممَّن تُضاعف لهم الحسنات ...

( إنَّ اللهَ يقبلُ الصَّدقةَ ، ويأخذها بيمينه ، فيُربِّيها لأحدِكم كما يربِّي أحدُكم مُهرَه أو فصيلَه ، وإنَّ الرجلَ ليتصدق باللقمة فتربو في يدِ الله حتى تكونَ مثل الجبل ، فتصدَّقوا )

        حديث شريف

* نـــــداء ...

في رحاب هذا الشهرالكريم ...

·   لكي تصفو فطرتُك ، وتتمتع بحياة طيبةٍ مباركة ، تملؤها المآثر ، وتحدوها الفضائل ، ولا يتوارى في نفسِك ما أراد الله لها من تزكيةٍ وسُمُو ...

·        فاجعلْ لك واعظا من قلبِك يأمرُك بالخيرِ ، وينهاك عن الشَّرِّ ...

·        هذا نداؤُنا إليك في هذا الشهر المبارك ...

·        للعودة إلى فطرتك الصافية ...

·        وإلى حياتك الآمنة ... المشرقة بالتقوى والإخاء والإيثار ...

* هذه من أهداف رسالة الإسلام الخالدة ... أينما وُجد الإسلام ، وأخذ به المسلمون 

نضعها بين يديك ...

فلا تنسَ أبناءَ مجتمعك المحتاجين :* إلى قلبِك الحاني ...

* وإلى يدك المباركة المؤثِرة ...

 *وهذا هو  القول الفصل :

يقول الله عزَّ وجلَّ : ( وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخلفه ... ) 39/ سبأ

ويقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( باكروا بالصدقة ، فإنَّ البلاءَ لايتخطَّى الصدقة )  حديث شريف

·        مع الإسلام الحنيف ... لنجعل لحياتنا قيمة ، ولقلوبنا حيويَّة ...

·        نستشرف السُّمُوَّ بانتصار إرادتنا ... إرادة الخير ...

·        لنرتقي بإخائنا وعطائنا وصفاء أنفسِنا ...

·        لنتخطَّى زور الحضارة المادية القذرة ، حضارة اليباب والخراب والضياع

·        فكن ــ أيُّها المسلم الكريم ــ  ممَن جعلهم اللهُ مفاتيح الخيرِ بين الناس ...

يقول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مانقصَ مالُ عبدٍ من صدقة ) .

·        أخي يا أيُّها الصائم ... ما أجمل الفرحة في دار الخلود

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا وأنا أجزي به ، والصيام جُنَّة ، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله ، فليقُلْ : إني صائم .والذي نفس مُحَمَّدٍ بيده لَخلوف فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك . للصائم فرحتان يفرحهما :

# إذا أفطر فرح ...

# وإذا لقي ربَّه فرحَ بصومه ) رواه البخاري ومسلم

    الفرحة حُلوة ، تعبر عن الأمن والطمأنينة والوصول إلى الغاية .

·        يفرح الصائم إذا غابت شمس النهار بفِطره .

·    وبطاعة ربه واتِّباعِ سُنَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، غير ملتفت إلى أهل الأفراح الدنيوية بزيف أفراحهم بين اللهم والمحرمات والفحش والكلام الرديء والقول الرخيص ، وبين ارتكاب المعاصي والولوغ في المحرمات الموجبة للحرمان من الجنة ... جنَّة الخلد التي فيها ما عين رأت ,لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

* والفرحة الأحلى والأغلى فرحة الصائم يوم لقاء الله بصوم مقبول ، وكلُّ حسنة بعشر أمثالها إلى  سبع مئة ضعف ، والصوم لله وثوابه عند الله الكريم ( الصوم لي وأنا أجزي به ) ... هذا باب الريَّان مفتوح على مصراعيه ، وهذه جنَّة الخلد تزينت ، والحور العين فيها ينتظرن أزواجهن من أهل الصيام والقيام .

    طوبى لك ــ أخي الصائم ــ وحسن مآب ... طوبى لك فرحتك في نهار الشهر المبارك صائما ، وفي ليله قائما ، طوبى لك شفاعة صومكلك ، و شفاعة قرآنك لك ...

·   أخي الصائم : ما أعظم هذه القصة التي صاغتْها يدُ النبوة ، اقرأْهـا ... وانتظرْ ماذا يحدثك قلبُك . عن أبن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَ أبا موسى على سرية ( قطعة من الجيش )  في البحر فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذا هاتف فوقهم يهتف : يا أهل السفينة قفوا أُخبرْكم بقضاءٍ قضاه الله على نفسِه ، فقال أبو موسى : أخبرْنا إن كنتَ مخبرا . قال : إنَّ الله تعالى قضى على نفسه أنه مَن {أعطشَ نفسَه له في يوم صائف ( شديد الحر ) سقاه الله يوم العطش } رواه البزار

·   أخي الصائم ... إنها فرحة لاتُقدَّر  ... ربُّ العزة والجلال يسقيك شربة لاتظمأ بعدها أبدا ، أوتعرف ــ أخي الصائم ــ ماموقف أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما سمعوا هذه القصة ؟!

·   إليك الخبر ... قال راوي الحديث : كان أبو موسى يتوخَّى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حَرًّا فيصومه ...

·   ذهبوا ... و لم تذهب سجاياهم ولا سِيرهم العطرة ، إنهم أصحاب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، الذين فازوا بصحبته وبوعده ... ولكن الأمة رغم مافي مدنها وقُراها من فساد وأهواء ، ومن بعد عن روح الإسلام العظيم ، ومن هيمنة للباطل واستعلاء للشَّر والأذى ...

·   رغم كل ذلك مازال في الأمة من الرجال الأبرار والنساء الطاهرات الذين سيزاحمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبواب الرضوان ليفوزوا بالدخول معه إلى جنة الخلد ، ولقد بشَّر بهم صلى الله عليه وسلم . واستمع إلى الخبر الوثيق :

·   عن أبي أمية الشعباني قال : سألتُ أبا ثعلبة الخُشني قال : قلتُ : يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية ( عليكم أنفسكم ) ؟ قال : أما إني ــ واللهِ ــ  سألتُ عنها خبيرا ، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

( ائتمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيتَ شُحًّا مُطاعا ، وهوىً متَّبعًا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كلِّ ذي رأي برأيه فعليك بنفسِك . ودعْ عنك العوام فإن من ورائكم أياما الصَّبرُ ( أو الصابر ) فيهن مثلُ القابض على الجمر ، للعامل فيهن مثلُ أجر خمسين رجلا يعملون مثلَ عمله ) رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن وأبو داود . وزاد : قيل يارسول الله أجرُخمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال : ( بل أجرُ خمسين منكم ) .

    أخا الإسلام ... في زمن الفتن والضياع ... أقدم على الله ، تخفَّف من الدنيا فإنها زائلة ، أجل إنها زائلة . أين فرعون سيد الطواغيت ؟ وأين هامان قائد الكتائب التي ترهب مَن يراها ؟ وأين قارون صاحب الكنوز والأموال التي لاتُعدُّ ولا تحصى ؟ وأين ... وأين  ... كلهم في قبضة الدَّيان ، فلا تغررْكَ الدنيا بعد أن سمعت هاتف أصحاب السفينة ، وبعد أن بشَّرك الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم بأجر خمسين رجلا من أصحابه البررة الكرام ...

    أجل تخفَّف من الدنيا ... واستمع مرةً أخرى إلى مَن عرفوا فلزموا ، هذه أمُّ الدرداء رضي الله عنها تقول لأبي الدرداء رضي الله عنه : مالكَ لاتطلب كما يطلب فلان وفلان ؟ قال : إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنَّ وراءَ كم عقبةًَ كؤودا لايجوزُها( لايعبرها ) المثقلون ) فأنا أحبُّ أن أتخفف لتلك العقبة . رواه الطبراني والبزار .

    * واسمع أيضا إلى قصة أخرى من قصص أجدادك الأفذاذ الأبرار . عن أبي أسماء أنه دخل على أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وهو بالربذة ، وعنده امرأة سوداء ليس عليها أثر المحاسن ولا الخلوق ( الطيب ) فقال : ألا تنظرون إلى ما تأمرني هذه السويداء ؟ تأمرني أن آتي العراق ، فإذا أتيتُ العراق مالوا عليَّ بدنياهم ، وإنَّ خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ : ( إنَّ دون جسر جهنم طريقا  ذا دحض ومزلَّة ، وإنا أن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار واضطمار ( الهزال ) أحرى أن تنجو من أن تأتي عليه ونحن مواقير ( الذي يحمل فوق طاقته ) رواه أحمد .

    فما تقول بارك الله فيك ــ أخي القارئ الحبيب ــ ؟

* ياليتنا نعيش مساكين ، ونحشر مع زمر المساكين ... ولعلك تعلم أو لاتعلم مآل  المساكين ولذلك استمع ماذا يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم . عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة ) .

فقالت عائشة رضي الله عنها : لِمَ يارسول الله ؟ قال : ( إنهم يدخلون الجنَّةَ قبل أغنيائهم بأربعين خريفا . ياعائشة لاتردِّي مسكينا ولو بشق تمرة ، ياعائشة حِبِّي  المساكين وقرِّبيهم فإنَّ الله يقربك يوم القيامة ) رواه الترمذي .

·   أخي الصائم ... هيَّا إلى الجنَّة ...  ولا يؤخـــــرك عنها (مطبٌّ دنيوي ) ،  ولا يثنيك عنهـــــــــا ( تحويلة شاذة ) ، ولا يرهبك (حاجز غير مأمون ) ... فإن فقراء المسلمين يُزفُّون كما تَزفُّ الحمامُ ، فيُقال لهم : قِفوا للحساب . فيقولون : والله ماعركنا شيئا نحاسب به ، فيقول اللهُ عزَّ وجلَّ : صدقَ عبادي . فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاما ) رواه الطبراني .

* ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان ، فمَن شهد منكم الشهر فَلْيَصمه ... ) 185 / البقرة والصيام هو حرمان النفس من الطعام اللذيذ ، والماء الفرات طيلة ساعات النهار ، أجل إنه حرمانها من اللذائذ ، ليميز الله أهل الإيمان من أهل الضلال ،ومن أجل أن تستقبل الملائكة الصائمين والصائمات وهم يرحبون بهم في رياض الجنَّات : ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) 34/الحاقة . تلك من صور الآخرة تملأ عين مجتليها من البشارة الأثيرة ، وتستحوذ على بصيرة الناظر إليها ، وقد درج على فضائل الإسلام ، وعاش على هُداه .

        * ( عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصيامُ جُنَّةٌ يَستجنُّ بها العبد من النار ) رواه أحمد . النار مأوى أهل الكفر والزندقة والفجور ، وموئل الطغاة والظالمين ، وحصير المعاندين الذين يتسقطون أخبار أهل الإيمان ، ويفرحون بما يصيبهم من الأذى ، والصوم وهو من علامات المؤمنين يسترهم ويقيهم من النار ،و الإسلام شريعة ربانية عالمية ، تصلح الفرد وتسعده ، وتجعل انتماءَه لِما أنزل الله من هُدى ونور ، فيتميز بالولاء لله الخالق ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم الهادي إلى الفلاح ، وهذه الشريعة تسمو بالأمة وتقوِّيها ، فتعيش لله وحده ، وتنبذ الطواغيت والمتجبرين والمرتدين من الفُسَّاق والفجَّار وأولي الأهواء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ،والذين آثروا دنياهم على الآخرة ، فالأمة بشريعتها الإسلامية تأبى المظاهر البرَّاقة  ، وترفض السعادة الجوفاء الكاذبة التي يلوِّنها شياطين الإنس  ، وتنأى عن الاعتزاز بالباطل وإن بدا قويا ومهيمنا ، وترد بقوة عروض المنكرات والموبقات . إنَّ الأمة المسلمة لاتقبل أن تستأنف حياة جاهلية أخرى ، ازدهى جذلها بحلاوة الآثام ، واغتبط بنوها بتدفُّق أنواع المنكرات ، وتشوَّقت حشودها إلى مرأى مشاهد أهل الإغواء والأهواء بين غناء ورقص وفجور وسفور وعُري ، وركنت أفواجها لظلم الظالمين ، ولانت مواقفها أمام جِماح الضالين والمفسدين ، وهل الجاهلية إلا هذا البعد عن دين الله القويم ، وهل هي إلا مَن ابتلعت بمساوئها وخسَّتِها ماكان للأمة المسلمة من مجد وقوة ومنعة وسؤدد ...وطوت ببهرجها البغيض حللَها السابغة ، ومزاياها العظيمة وخصائصها الأثيرة ، يوم مكَّنت لأهل الفسق واللهو والغفلة في الأرض ، الذين صدُّوا عن شريعة الإسلام ولم يستجيبوا لدعوة الله ظنا منهم بأن مايملكون من متاع وقوة واستكبار تمنع عنهم ماوعدهم اللهُ به من خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة ، ورغم تهاوي الملل والنحل الشرقية والغربية وسقوط شعارات جميع الأحزاب اليسارية واليمينية والقومية فما زال في الأمة أناس يعيشون الغفلة بكل معانيها، مستهزئين بالصَّوَّامين القوَّامين من جنود الله في أرضه ، غير مستجيبين لنداء التغيير الرباني، يقول الله تعالى : ( والذين لم يستجيبوا له لو أنَّ لهم مافي الأرض جميعا ، ومثله معه لافتدوا به . أولئك لهم سوء الحساب ، ومأواهم جهنَّم ، وبئس المهاد ) 18/ الرعد .

        * وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ماتقدَّم من ذنبِه )  رواه البخاري ومسلم  . وهكذا يربي الإسلام الفرد المسلم ذكرا كان أم أنثى على القيم النبيلة الإنسانية ، فيعيش هذا الفرد بعقيدة صافية تمنحه السيرة الحميدة ، والأخلاق الحسنة ، وتملأ عليه حياته بالمآثر ، يغض بصره عن المحرمات ، ويصون لسانه عن اللغو والكذب ، ولا يجعله بلا ضابط شرعي ...  فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن صام رمضان ، وعرف حدوده وتحفَّظَ ماينبغي له أن يتحفظ له كفَّر ماقبله  ) رواه ابنُ حِبَّان ، فلا يخوض الصائم في غيبة ولا يمشي بنميمة ، ولايطلق لسانه يردد مايردده الفُسَّاق والفجَّار ، وينأى هذا الفرد المسلم عن مواطن تكبه في النار ، إذا عاش رديفها في حياته الدنيا ، وإنما الفرد المسلم رجلا كان أم امرأة هو مَن والى ربَّه ، وآثر هَديَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، ولم يرضَ بهذه الجاهلية ، وازورَّ عنها معرضا عن جلبتها ، يستشيط غضبا مما جلبته من الشر والأذى على الفرد والمجتمع .، ولم تطرفْه بأسباب السعادة والنجاة في الدنيا ولا في الآخرة .

* فالإسلام يربي الفرد المسلم على التجاوب مع ماجاء من وحي السماء ، ويحيي فيه نجابته الفطرية لتجيزه الدخولَ إلى عالم الملأ الأعلى ... عالم الإيمان بالله واليقين بفضله وقدرته ، فيزدري إذ يعيش في ظلاله سفاهات المبطلين ، واجتراء المرتدين ، حيثُ أغنى نفسَه بجليل الأواصر والعهود مع ربه ودينه ، والتربية الإسلامية تتحقق بالأخذ بما جاء في سُنَّة سيِّد الخلق صلى الله عليه وسلم ، حيث السمو والقوة ... القوة بالإيمان القلبي ، والقوة بالجسد المؤمن ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار ، وبقيلولة النهار على قيام الليل ) رواه ابن ماجه وابنُ خُزيمة ، ليكون الصوم موطنا من مواطن القوة ، حيثُ يربي جنوده على منهج السمو وعلى الصلات الوثيقة مع قيم هذا الإسلام ، فيخرج بهم إلى ميادين الخير الذي لايبلى ،وإلى ساحات الإيثار والقوة التي صنعت ( مَجزأة بن ثور السَّدوسي ) رضي الله عنه القائد الفذَّ يوم القادسية ، قاهر الفرس وفاتح مدينة( تُستر ) الحصينة والتي حاصرها المسلمون سنة ونصف السنة ولم يقدروا عليها ، وبفضل الله ثم بفضل ( مجزأة ) تمَّ فتح المدينة ، وسيق ( الهُرمزان ) قائد جيش الفرس أسيرا ذليلا إلى المدينة المنورة ليراه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وهو الإسلام الذي صنع قائد بيت الإيمان يوم سار مع إخوانه العشرة لأبيه وأربع مئة فارس من قبيلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلن كفرَهم بالجاهلية الأولى وليشهدوا شهادة الحق والتوحيد ذلكم هو ( النعمان بن مقرن المزني ) بطل الفتح في نهاوند وصاحب التكبيرات التي هزَّت قلوب الأعداء ، وأشعلت وطيس معركة حامية ، انتصر فيها الإسلام ، وفرح بالفتح المسلمون ، وبعد نهاية المعركة سأل جنودُ الإسلام عن قائدهم ( النعمان  ) فقادهم أخوه إليه حيث كان مسجى ببردة ، وقد فاز بالشهادة وبالنصر . وما نال هذان رضي الله عنهما مانالا إلا بولائهما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ودينه الإسلامي الحنيف ، ونجد كذلك في سير الصالحات قديما وحديثا مايثلج الصدر من ولاء المؤمنات لله سبحانه وتعالى ، وهنا أذكر قصة سمعتها من أخ عاش في مدينة اللاذقية من بلاد الشام ، وهو سمعها من فقيدنا الغالي الشيخ محمد المجذوب يرحمه الله ،قال كنا ندقق مادة الأدب العربي في إحدى القاعات ومعنا في القاعة أيضا عدد من المدرسات ، إذ دخل وزير التربية والتعليم زائرا ومتابعا لسير الامتحانات ، وصافح جميع مَن في القاعة حتى وصل إلى إحدى المدرسات ،ومدَّ يده ليصافحها ، فرفعت يدها إلى الأعلى رافضة أن تصافح رجلا ليس من محارمهما ... فوجم الوزير ، وساد صمت في القاعة التي خرج منها الوزير بدرس ربما يذكِّرُه بقيم التربية والتعليم في شريعتنا الإسلامية . أجل رفضت أن تصافح أجنبيا عنها ، معتدة بأمر الله وهَدْي رسوله صلى الله عليه وسلم الذي يغيِّر مابالنفس إلى الأسمى والأعلى والأعز  . فهل كان يخطر على بال الفرد الجاهلي أن الإسلام يجعل الفرد يفتدي بروحه وماله دين ربه ؟! وهل كان يخطر ببال امرأة الجاهلية أن تفتدي المرأة بروحها ومالها شريعة ربها ، ولكنه الإسلام دين التغيير والسمو ، والقوة والعزة والرقي .

* عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتزال أُمتي على سنَّتي ما لم تنتظر النُّجوم ) رواه ابنُ حِبَّان . إيجابيات الصوم لاتُحصَى فهو يبعث في النفس نفحات الكرامة الإنسانية ،ويربي ضمير المسلم الذي ينهل من موارد النور ، ويجدد في النفس إشراقات الغيب التي تبعث في أحنائه الفرح الروحي ، فتفشو في صدره مزايا الشجعان ، وتتألق بين عينيه المُُُثُل التي درج على مراقيها أسلافه الأبرار ،  وما كان للفرد المسلم من هذا النصيب الوافي من الخيرية ، كان للأمة المسلمة ، فعندما لم تكن الأمة بمعزل عن دينها وحبِّ ربِّها ونبيِّها صلى الله عليه وسلم كانت خير أمة على وجه الأرض ، فتحت الدنيا على التوحيد وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فكانت الأمة الغالبة الرحيمة ، وكانت القوية العادلة التي يخشاها الطغاة والظالمون ، بقيمها الربانية ، وخصوبة شريعتها الإسلامية ، وقد بدأت صغائر الذنوب تدب في جنبات الأمة ، وبدأ الشباب ينهلون من مجاريها النتنة لايحسون بطعمها ، بل زاحمتهم عليها الشابات اللواتي أغراهن بالرخيص من القول دعاة السفور والتفلت والفجور  ، فها نحن نرى الحانات والملاهي والسينمات وشواطئ البحار تمتلئ بالنتن الحيواني ، والسَّفه اللاإنساني من إباحية مطلقة ... فاستبيحت الأجساد والأفكار والاتجاهات ،وأمسك زمام الأمر أبناء الليالي الحمر والموائد التي استباحتها أيضا المحرمات من أنواع الخمور والمخدرات ، ومجالسة العاهرات ، بل أصبحت ترى الفاسق الإباحي يتصدر مواطن الرأي في الفضائيات والإذاعات .، بدأ الأمر بذنب صغير ربما لاقيمة له في حياة أمة عظيمة ، وتتابع الذنب الصغير ، فكبر واشتد في سواعد أهله ، وأدمنوا عليه ، والإدمان مصيبة ونكبة إذا حلَّت بالفرد أو المجتمع ... فتشكل من هؤلاء الغافلين الفاسقين سيلٌ عرم من الضياع والاستهتار طغى فغمر عظمة الأمة ، وهدم أركان مجدها وفخرها ، والعجيب أنهم يدَّعون الإصلاح والتقدمية ، والأعجب أن الناس يسكتون ويسمعون لأكاذيبهم وكأنها من وحي السماء !!! ولكن يُعذر الناس إذا سكتوا ، لأنهم هم الذين أوصلوهم إلى مراكز التحكُّم والتَّصرف في شؤون الأمة ، ويدَّعي هؤلاء الأثمون أنهم هم أهل الإصلاح ، وهم منقذو الأمة ، ولكنَّ الأيام وثَّقت أعمالهم الشنيعة ، وتصرفاتهم الهوجاء ، وعرَّتهم فليس لهم من خزيهم من محيص ، يقول الله تبارك وتعالى فيهم وفي أمثالهم : ( أولئك الذين طبع اللهُ على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) 108 / النحل . فهذه الشرائح من مجتمعاتنا الإسلامية رضيت بالحياة الدنيا ، وأدبرت عن مناهل السعادة الأخروية ، بدافع الشهوات والأهواء ، وربما بدافع الكفر بالله عزَّ وجلَّ، فصدق فيهم قولُه سبحانه وتعالى : ( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ، وأنَّ الله لايهذي القومَ الكافرين ) 107/النحل . فبهم قامت دعائم الفساد والإفساد في الأمة ، وبهم كانت النكبات والهزائم ، وهم الذين أغروا بالأمة أعداءَها الأشرار ، فلاقى أبناء المسلمين من الويلات بسببهم مايشيب لهوله الولدان ، وما زال بعض فراعنتهم  يدَّعون أنهم هم أبطال الأمة ، وأنهم هم المصلحون لشأنها ، ولكنهم خابوا وخاب غرورهم : ( ألا إنهم هم المفسدون ، ولكن لايشعرون ) 12/ البقرة .

* لقد بلَّغ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرسالة ، وأدَّى الأمانة ، وترك الأمة على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لايزيغ عنها إلا هلك ، فماذا بعد الحق إلا الضلال المبين !!! ولسنا نخشى على الإسلام ، فهو دين الله الخالد الباقي رغم أنوف كلِّ أعدائه ،إسلامنا باق بقاء هذا الكون الذي يسبح لله ، راسخ رسوخ الجبال التي أوَّبتْ مع المرسلين ، ثابت ثبوت جذور الأشجار الفارعة يؤتي ظلاله للناس ويمنحهم الأمن والسعادة ، وهو منتصر على كلِّ أعدائه من المرتدين  وأصحاب الملل الشيطانية ، من الصليبيين والصهيونيين وأتباعهم وأذنابهم ومروجي بضائعهم الفاسدة .

* والمجتمعات الإسلامية تعيش الإسلام الذي يجمعها على المودة والتكافل رغم محاولات ــ تلك الشرائح الخبيثة ــ اجتثاثه ، ولسوف يفوز المسلمون بالنصر والتمكين في هذه الحياة الدنيا ، وبإحدى لحسنيين ، و بالمثوبة عند الله يوم القيامة ، يوم يبلس المجرمون والفاسقون والطغاة العابثون بقيم الأمة ، وتساق تلك الشرائح إل يسار عرش الرحمن حيث الطريق إلى  جهنم ، فيراهم الحبيبُ صلى الله عليه وسلم ، فينادي ربَّه : هؤلاء من أمتي ، يارب هؤلاء من أمتي ... فيقول له ربُّ العزة والجلال : يامُحَمَّدُ إنهم ليسوا من أمتك ، إنك لاتدري ماذا أحدثوا بعدك !

        ياحسرة على تلك الشرائح التي والت أعداء الله ، وسخرت من عباد الله المؤمنين : ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) 29/المطففين .وفي يوم الفصل ، يوم تبلى السرائر ،يوم القيامة ، يتحقق وعدُ الله : ( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ) 34/المطففين .