إنه ينادينا 31-38

إنه ينادينا

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

إنه ينادينا-31

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، ولْتنظر نفسٌ ما قدمَتْ لغد ، واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون،ولا تكونوا كالذين نسُوا اللهَ فأنساهم أنفسهم ، أولئك هم الفاسقون،لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنّة ، أصحاب الجنة هم الفائزون.) سورة الحشر18-20

جاءت هذه الآيات تتويجاً للآيات التي سبقتها ، فقد عاقب الله تعالى يهود بني النضير حين أرادوا قتل نبيه الكريم غيلة بالخوف يغزو قلوبهم ، فأجلاهم عن المدينة وجعل ديارهم للمسلمين ، ثم مدح المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعاً ،فالمهاجرون تركوا ديارهم للحفاظ على دينهم ، والأنصار احتضنوهم وقدموهم على أنفسهم. ثم فضح المنافقين وجبنهم ، واليهود وخوفهم ، ووصف المنافقين -الذين وعدوا اليهود بمنعهم والدفاع عنهم ثم نكولهم السريع عن ذلك خوف المسلمين -بالشيطان الذي زيّن للمرء الكفر ودعاه إليه ، فلما وقع فريسة لوسوسته تبرّاَ منه، فهما معاً في جهنّم. 

هكذا كان عقاب من نسي الله تعالى وجاهره بالعداوة ،فكان النداء للذين آمنوا أنْ :

1- يتقوا الله في أنفسهم قولاً وعملاً.

2- أن يعملوا للآخرة حين لا ينفع مالٌ ولا بنون،  والنجاح فقط لأهل الإيمان الذين كان خوف الله تعالى وإرضاؤه زادهم إليه.

3- التنبيه إلى علم الله بما بعمل المرء وما يقول ، فلا يخفى على الله شيء،والإنسان محاسب على كل صغيرة وكبيرة .

4- من نسي الله وأوامره ونواهيه ضل وسقط في سعيه، وفُضح أمرُه كما فُضح المنافقون في وعدهم لليهود بمساعدتهم ضد المسلمين ،فباءوا جميعاً بالخزي والهوان. فمن نسيَ أو تناسى ما كُلّف به عامله الله بالمثل فتناساه،

5-  ومن تعامى عن دين الله وهجَرَه كان فاسقاً ، والفاسقون من أهل النار، والعياذ بالله .

6- المؤمنون يفوزون برضاء الله وجنته ، والفاسقون يبوءون بغضب المولى وناره ، وشتان ما بين النهايتين فأصحاب الجنة أهل النعيم المقيم والحياة الرغيدة الخالدة.

إن القرآن هو الهادي إلى الخير المحض وما عداه سراب لا حقيقة له:( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً) سورة الإسراء 9 . وفي سورة الحشرهذه نجد المعنى نفسه يُضاف إليه المثال الذي يُثبت في النفس الفكرة ويؤيدها ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلّهم يتفكرون) . فإذا كانت الجبال تعي حقيقة كتاب الله وتتمثله فهماً وتطبيقأ ، ومعنىً ولفظاً فتخشع له، وتكاد صخوره الصمّاء تتشقق وتتهاوى من خشية الله ووعِظَمِ جلاله سبحانه، أفلا تتطامن نفوس البشر فتعلمَ المهمة الملقاة على عاتقها وتعمل ليوم تتقلب فيه القلوب والأبصار؟!

لقد ذكر التفكر في القرآن في صيغ متعددة يأمر بها الناسَ أن يتفكروا في أنفسهم وفيما حولهم زهاء أربع عشرة مرة ، إن الفرق بين الإنسان والحيوان الأعجم ( التفكر والتدبّر ) ثم العمل السليم الذي يحقق الهدف ويصل بالمرء إلى شاطئ السلامة

فإذا فكر المرءُ وتدبّر وصل إلى اليقين بأنّ الله تعالى :

( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، هو الرحمن الرحيم،

هو الله الذي لا إله إلا هو الملكُ القُدّوس السلامُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ المتكبِّرُ ،

سبحان الله عما يُشركون،

هو الله الخالق البارئ المصوِّرُ ، له الأسماءُ الحُسنى ،

 يُسبّح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)سورة الحشر الآيات 22-24

إنه سبحانه يدعونا إلى النأي عن وسوسة الإنس والجنّ وإلى التفكر في الحياة وسببها ومآل الإنسان بعد الموت .. وإلى العمل الصالح .فهل نعي ونتدبر؟ ..

من فعل ذلك كان من الناجين وفي عِداد الفائزين.

إنه ينادينا-32

قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدُوّي وعدوَّكم أولياءتُلقون إليهم بالمودّة ، وقد كفروا بما جاءكم من الحقِّ، يُخرجون الرسول وإياكم أنْ تُؤمنوا بالله ربكم ،إن كنتم خرجتُم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي ، تُسٍرّون إليهم بالمودّة ، وأنا أعلم بما أخفيتَم وما أعلنْتُم،ومن يفعلْهُ منكم فقد ضَلَّ سواءَ السبيل " الآية الأولى سورة الممتحنة

نداء للمؤمنين أن يكونوا حذرين في التعامل مع الأعداء الذين إن رأوا من المسلمين قوة أظهروا لهم من طرف اللسان حلاوة وهم يمكرون بهم ويعملون جهدهم للإيقاع بهم ،

كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة فقد كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم ،بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال " اللهم عمِّ عليهم خبرنا " فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا ،فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث في أثر المرأة، فأخذ الكتاب منها قال عليٌّ رضي الله عنه : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب .قلنا لتخرجِّن الكتاب أو لنلقين الثياب. قال فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا حاطب ما هذا ؟ " قال لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه صدقكم " فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدرا ما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فأنزل الله سورة الممتحنة " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء "

1- فالولاية للذين آمنوا، وأما العدو فلا ولاية له على المسلمين، بل الحذر والتاهب لما قد يبدر منه.

2- ومن كان عدوّاً لله فهو عدوٌّ لأولياء الله المسلمين ، قولاً واحداً، فلا ينبغي أن نأمن جانبهم.

3- يمكن أن يعاملوا بحذر أما المودّة والحب والتآخي فللمؤمنين ليس غير .

4- سبب العداوة الكفرُ بالله ومحادّتُه ومحادّة أوليائه والغدرُ والإيقاع بهم .

5- ومن الدلائل على كرههم للمسلمين أنهم عذّبوهم في مكة وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فاضطر المسلمون إلى الهجرة جنوباً ( الحبشة) ثم شمالاً ( المدينة المنوّرة) والحروب التي شنوها على المسلمين في بدر وأحد والخندق وغيرها رغبة في استئصال الإسلام وأهله. وما يفعلونه بالمسلمين من حقد وإيذاء على مدى التاريخ وإلى أن تقوم الساعة أكبر دليل على مكرهم بالمسلمين وغدرهم بهم.

6- والمجاهد في سبيل الله لا يتخذ من الكفار أصدقاء يُسِر لهم بالمودّة بل يتقرب إلى الله بمحبته وطاعته ومجاهدة الكفار والمنافقين .

7- والله تعالى بعلمه لما نخفي وما نعلن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فينبهنا إلى العمل الصالح الذي يرضيه ، ومن نأى عن ذلك فقد ضل الطريق الصحيح إلى مرضاته سبحانه.

فبِم يتصف هؤلاء الأعداء الذين حذَّرَنا الله منهم؟ يقول تعالى :

" إن يَثقَفوكم يكونوا لكم أعداءً ، ويَبسُطوا إليكم أيدِيَهم وألسنَتَهم بالسوء ، وودّوا لو تكفرون" الاية 2 الممتحنة

1- إن تمكنوا من المسلمين ففاقوهم قوة وعدداً أظهروا العداوة التي أضمروها في ضعفهم .

2- وبطشوا بالمسلمين قتلاً وذبحاً وتنكيلاً فساموهم الذل والإهانة وسبوهم وشتموهم وعابوا دينهم وأظهروا خبيئة أنفسهم ( لا يرقُبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمنة وأولئك هم المعتدون) الأنفال 10.

3- ويودون أن يرتدّ المسلمون عن دينهم ، ويعملون لذلك ليكونوا في الكفر مثلهم.

" لن تنفعَكُم أرحامُكم ولا أولادُكم، يوم القيامة يَفصِل بينكم ، والله بما تعملون بصير"الآية 3 سورة الممتحنة

ليس للقرابة والنسب عند الله تعالى قيمة ما لم يشفعها إيمان وعمل صالح،ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ،ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء .  فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ؟ قال " في النار" فلما قفّى دعاه فقال " إن أبي وأباك في النار" ورواه مسلم وأبو داود.

" يا أيها الذين آمنوا ؛ لا تتولَّوا قوماً غضب الله عليهم ، قد يئِسوا من الآخرة كما يئس الكفارُ من أصحاب القُبور" الاية 13 سورة الممتحنة

البَون بين المؤمنين والكفار واسع ، لا لقاء في الهدف الأصيل ، إنما نلتقي في بعض المصالح الدنيوية المؤقتة ، ثم يستمر الصراع بين الطرفين ، أحدهما الحقُّ والثاني الباطل ،وكل يسعى إلى الانتصار على الآخر ويحشد له كل القوى.

وفي هذه الآية الأخيرة من السورة يأتي النهي واضحاً عن موالاة الكافرين كما نهى عنها في أولها وليسوا سوى اليهود والنصارى والملاحدة ممن غضب الله عليه ولعنه واستحق الطرد والإبعاد فكيف يواليهم المسلمون ويتخذونهم أصدقاء وخُلاّناً وقد جحدوا الآخرة حين أنكروا الحساب والعقاب والثواب !

إن الكفار بإنكارهم يوم الدين اقتنعوا أنهم لن يروا آباءهم ومن سبقهم إلى الموت ،وأنه لا بعثَ ولا نشور،كما أن الكفار من أصحاب القبور حين عاينوا الحقيقة ورأوا أنهم من أصحاب النار يئسوا من النجاة منها وايقنوا أنهم من أهلها .

فما ينبغي للمسلم – إذاً – أن يتولى الكافر فيقدم مصلحته على المسلمين وإلا كان منهم .

إننا نرى كثيراً ممن يُحسبون على المسلمين والَوا الكفار وعملوا في خدمتهم واندمجوا فيهم واتخذوهم قدوة وكانوا جنوداً يخدمون مصالحهم ، هؤلاء على خطر كبير ينزع الإيمان من نفوسهم ويودي بهم في ما لا يُحمد عقباه من غضب الله ومقته، والعياذ بالله.

إنه سبحانه ينادينا منبهاً ومحذّراً ،

فهل وعينا الأمر واصلحنا أمرَنا وسرنا على هدى الحكيم الخبير؟

إنه ينادينا-33

يقول الله تعالى في سورة الممتحنة :

" يا أيها الذين آمنوا ؛ إذا جاءكم المؤمناتُ مهاجراتٍ فامتحنوهُنَّ، اللهُ أعلمُ بإيمانِهِنَّ، فإن عَلِمتموهنَّ مؤمناتٍ فلا تَرجِعوهُنَّ إلى الكفار، لا هنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يَحِلّون لهنَّ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جُناحَ عليكم أنْ تَنكِحوهُنَّ إذا آتيتُموهُنَّ أجورَهُنَّ، ولا تُمسكوا بِعِصَم الكوافر، واسألوا ما أنفقتُم، ولْيَسألوا ما أنفقوا ، ذلكم حُكمُ الله بينكم ، والله عليمٌ حكيمٌ.وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتُم فآتوا الذين ذهَبَتْ أزواجُهم مثل ما أنفقوا ، واتَّقوا الله الذي أنتُم به مؤمنون، يا ايها النبيُّ إذا جاءك المؤمناتُ يبايِعْنَكَ على أن لا يُشْرِكْنَ بالله شيئاً ولا يسرقنَ ولا يَزنينَ ولا يَقتُلنَ أولادَهُنَّ ولا يأتين ببهتان يفتَرينَه بين أيديهِنَّ وأرجُلِهِنَّ ولا يَعصينَكَ في معروف فبايِعهُنَّ واستغفِر لهنَّ اللهَ ، إن الله غفورٌ رحيمٌ"الآيات 10-12

من بين ما اتفق عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع سهيل بن عمر في صلح الحديبية أنّ من جاء المسلمين وقد آمن ردّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش ، ومن جاء قريشاً قد ارتد عن الإسلام فلا يُردُّ إلى المسلمين .

فلمّاهاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط إلى المدينة قَدِم أخواها عمارة والوليد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه في ردّها ، فمنع القرآن المسلمين أن يرُدّوا النساء إلى المشركين وأنزل آية الامتحان، فكان صلى الله عليه وسلم يسألُهنَّ بالله : ما خرجَتْ بُغضاً لزوج ، ولا رغبة عن أرضٍ لأرض، ولا التماساً لدنيا ،ولا رغبة في زوج آخر، إنما خرجت حبّاُ لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام. وكنَّ يشهدنَ أنه لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسولُ الله.

هذه الآية حرَّمت المسلمات على المشركين ، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ، فكان أبو العاص ابن الربيع زوج زينب رضي الله عنها ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه ، فلما وقع في الأسرى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا " ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه، فبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فأقامت بالمدينة في السنة الثانية للهجرة إلى أن أسلم زوجها سنة أربع فردها عليه بالنكاح الأول ولم يُحدِثْ لها صَداقا ، فقد كان إسلامه كان قبل تحريم المسلمات على المشركين بسنتين .

فإذا انقضت عدّةُ المهاجرة ولم يُسلم زوجها انفسخ نكاحهما – إن أرادت- وتزوجت مسلماً. ويعاد للمشرك ما دفعه من مهر. ومن تزوج المهاجرة مَهَرَها صَداقَها، 

كما أنه لا يجوز للمسلم أن يحتفظ بزوجته المشركة ، وله أن يُطالب بمهرها الذي دفعه ، فإن أبى وليُّها المشركُ أخذه من بيت مال المسلمين ،أوْ من غنيمة يغنمها المسلمون

وكانت بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة :

1- أن يوحدنَ الله فلا يُشركن به شيئاً

2- ان يكُنّ عفيفات فلا يسرقنَ ولو مِن أزواجهنّ ولا يأخذْنَ من أموال أزواجهن إلا بالمعروف .

3- وأن يحفظن فروجهنّ فلا يزنين ، إن المرأة الحرة لا تزني والمؤمنة تحفظ شرفها وشرف أهلها وشرف زوجها .

4- أن يعتنين بأولادهنّ وينشِئنَهم نشأة إسلامية طيبة ، فهم أمانة في أعناقهنّ.

5- لا كذب ولا نميمة ولا غيبة ويُعفِفن السنتهنّ عن قالة السوء،

6- أن يُطِعْنَ النبي صلى الله عليه وسلم في أوامره ، وينتهين عن نواهيه ويعملن الخير الذي يأمرهنّ به.

فلما بايعنه على ذلك قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعَتَهُنَّ واستغفر لهنّ الله تعالى ، وما أسرع قبولَ رب!ِ العزة استغفارَ نبيه للمؤمنين والمؤمنات، إن الله تعالى غفور رحيم يحب عباده التائبين، ويقبل توبتهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، ويقلب سيئاتهم حسنات ...سبحانه من ربٍّ كريم.

إن الله تعالى ينادينا – معشر المؤمنين- ليدخلنا رحمته ويجازينا رضوانَه

فهل ترانا نسرع إلى ذلك ؟ اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك.

إنه ينادينا-34

يقول تعالى في سورة الجمعة

" يا أيها الذين آمنوا ، إذا نوديَ للصلاة من يوم الجمعة ، فاسعَوا إلى ذكر الله ، وذروا البيع ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ، واذكروا الله كثيراً لعلكم تُفلحون ، وإذا رأوا تجارة أو لهْواً انفضّوا إليها وتركوكَ قائماً ، قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ، والله خير الرازقين" سورة الجمعة الآيات 9-11

في يوم الجمعة ، وكان يُسمّى يومَ العروبة:

1- كمُلَت جميع الخلائق.

2- خُلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرِج منها

3- وفيه تقوم الساعة

4- وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل فيها الله خيرا إلا أعطاه إياه كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح .

5- وثبت أن الأمم قبلنا أمِروا به فضَلّوا عنه ،واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم، واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدئ فيه الخلق ،واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة ،روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ،ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ،فهدانا الله له ،فالناس لنا فيه تبعٌ.اليهود غداً والنصارى بعدَ غد " لفظ البخاري، وفي لفظ لمسلم" أضلَّ الله عن الجمعة من كان قبلنا ،فكان لليهود يومُ السبت وكان للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا ،فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة ،نحن الآخِرون من أهل الدنيا والأوَّلون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق "

6- وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " والسعيُ القصدُ والعَمدُ والاهتمام ، وهذا ما نفهمُه من قوله  تعالى " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن " وكان عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما يقرآنها " فامضوا إلى ذكر الله "

فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نُهي عنه لِما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة ،وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا ،فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " رواه البخاري ، وقال الحسن البصريُّ :أمَا والله ما هو بالسعي على الأقدام ،ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع. وقال قتادة في قوله " فاسعوا إلى ذكر الله " أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشْيُ إليها ،وكان يتأول قوله تعالى " فلما بلغ معه السعي " أي المشْيَ معه .وروي عن محمد بن كعب وزيد بن أسلم وغيرهما نحو ذلك .( عن تفسير ابن كثير بتصرُّف)

 ويستحب لمن جاء إلى الجمعة :

1- أن يغتسل قبل مجيئه إليها لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا جاء أحدُكم الجمعة َ فليغتسل " ولهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " غُسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم " وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حقٌ لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ،يغسل رأسه وجسده" رواه مسلم وعن جابر رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسلُ يومٍ، وهو يوم الجمعة " رواه أحمد والنسائي وابن حِبّان .

2- أن يكون ليوم الجمعة أثرٌ إيجابي على الأهل ، فعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من غسَّل واغتسل يوم الجمعة ،وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب ،ودنا من الإمام واستمع ،ولم يَلْغُ كان له بكل خطوة أجرُ سنةِ صيامِها وقيامِها " وهذا الحديث له طرق وألفاظ ،وقد أخرجه أهل السنن الأربعة ،وحسنه الترمذي .

3- ان يأتي للجامع مبكِّراً زيادة في الثواب والأجر:فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة ،ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ،ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشا أقرن ،ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ،ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " . والمقصود بالساعة هنا التبكير وقصْدُ الثواب  ورضا الله تعالى .

4- أن يلبس أحسن ثيابه – إن أمكنَ- ويتطيبَ ويتسوَّك ويتنظف ويتطهر. فعن ابي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواكُ وأن يمس من طِيب أهله " . وروى ابو أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من اغتسل يوم الجمعة ومسَّ من طيب أهله إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد ،فيركعَ إن بدا له ،ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج إمامُه حتى يصلي كانت كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى " . وروى ابو داود وابن ماجة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبَي مهنته " .

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثيابَ النمار فقال " ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته " رواه ابن ماجه . وكثيراً ما نرى بعض المصلين يدخلون المسجد بثياب العمل فيوسخون المسجد ويؤذون المصلين .

5- الانصراف إلى متابعة الخطيب والانشغالُ بما يقول عن الدنيا ، فقد كان لأحدهم تجارة قدمت والمسلمون يسمعون خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر الجمعة فانصرف اكثرهم إليها وبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم القليل من المصلين، فنزل العتاب على ذلك في قوله تعالى " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها  وتركوك قائماً " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا " .

لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى نداءٍ واحد ( أذان)يُؤَدّى بين يديه وهو على المنبر ، واستمرّ هذا على عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما، فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس زاد النداءَ الثاني على أرفع بناء قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ( الزوراء) ،إذ أمر عثمانُ رضي الله عنه أن ينادى قبل خروج الإمام ،حتى يتذكر الناسُ صلاة الجمعة مبكرين فيجتمعون . واتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني ، واختلفوا هل يصح إذا تعاطاه متعاطٍ أم لا ؟ على قولين وظاهر الآية عدم الصحة كما هو مقرر في موضعه ،والله أعلم . إن الاهتمام بصلاة الجمعة خير كثيرٌ لا تدانيه الدنيا ولو اجتمعتْ .

آداب ما بعد صلاة الجمعة:

1- ينتشر الناس في الأرض ويعودون إلى ممارسة أعمالهم بعد أن أطاعوا الله تعالى في السعي إلى الجمعة. كان أحد الصالحين إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.

2- ذكرُ الله تعالى وشكره على تمام نعمة العبادة " واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " فما عند الله من الثواب في الدار الآخرة " خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين" لمن توكل عليه وطلب الرزق في وقته ..

كانت العرب تسمّيه العروبة وقيل سمّاه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه وإليه، وقال الزمخشري في كشّافه : «  قيل إن الأنصار قالوا : لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلمّوا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر اللّه فيه ونصلي فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكَّرهم فسمّوه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه ، فأنزل اللّه آية الجمعة فهي أول جمعة كانت في الإسلام .

وأما أول جمعة جمعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فهي أنه لما قدم المدينة مهاجرا نزل قباءَ على بني عمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسّس مسجدهم ،ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ،فخطب وصلّى الجمعة ،

وعن بعضهم : أبطل اللّه قول اليهود في ثلاث :

1- افتخروا بأنهم أولياء اللّه وأحباؤه فكذبهم في قوله : « فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين »

2-  وبأنهم أهل الكتاب ،والعربُ لا كتاب لهم فشبّههم بالحمار يحمل أسفارا

3- وبالسبت وأنه ليس للمسلمين مثله فشرع اللّه لهم الجمعة.

إنه سبحانه ينادي عباده ليقيموا شعيرة الجمعة ويجعلوا من صلاة الجمعة منبراً فكريا سياسياً اجتماعياً ، ويجتمعوا على العبادة والحب في الله ،والإخلاص لله سبحانه

فلعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

إنه ينادينا -35

سورة ( المنافقون) فضيحة كبرى لهم فقد شهد المولى سبحانه أنهم كاذبون في دعواهم ( الإيمان)، فهم يعترفون للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوّة لساناً ، وقلوبهم منكرة لذلك ،فوصفهم الله تعالى بالكذب

" إذا جاءك المنافقون قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" سورة المنافقون الآية -1.

وما أكثر الذين يكذبون فيحلفون الأَيمان الغليظة إنهم لعلى حق ، يُظهرون الموافقة بلسان عسليٍّ ينقط منه سمُّ الأفاعي القاتل.

ولكِن نتساءل : هل دخل الإيمان إلى قلوبهم ثم ارتدّوا أو ظلوا – ابتداءً من الكافرين؟ والجواب صريح في هذه السورة ( ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا ، فطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) ،فقد دخل الإيمان قلوبهم فترة ،ثم انقلبوا على أعقابهم كافرين ، فكانت قلوبهم أظلم من قلوب الكفار الذين لم يؤمنوا أبداً . هؤلاء عرفوا الحقيقة وأنار الإسلامُ قلوبهم ،ثم انقطع النور فجأة فعاشوا في ظلام أشد مما كانوا عليه قبل إسلامهم.

من صفات هؤلاء المنافقين في هذه السورة الفاضحة:

1- أنهم كاذبون ، يستمرئون الكذب ليُضلوا الناس عن الحق.

2- قلوبهم – بسبب ارتدادهم مُربَدَّة سوداءُ، موسومة بوسم الجهل وسوء التصرّف.

3- حبهم للحياة – أيّةِ حياة –  يخافون الموت ويفرون من المعركة

4- منظرهم غير مخبرهم ، يعجبك منظرهم وحديثهم ،ويفضحهم جبنهم وخوفهم.

5- يستكبرون على الإيمان ويكرهون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .

6- يدْعون عملياً إلى مقاطعة المسلمين والتضييق عليهم مادياً ومعنوياً لصرفهم عن الدين.

7- يصرحون في فلتات ألسنتهم بالكره العميق للإسلام واهله ، ويودون للمسلمين الذلة والانكسار.

يأتي النداء الإلهي - بعد فضح المنافين :

"يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكُم أموالكُم ولا أولادُكم عن ذكر الله ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتيَ أحدَكُم الموتُ فيقولَ : ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدّق وأكنْ من الصالحين ، ولن يؤَخِّرَ الله نفساً إذا جاء أجلُها ، والله خبير بما تعملون"

يحض المؤمنين على :

1- ذكر الله تعالى الدائم ، بل ينبغي أن يكون من أولويات الحياة الدنيا . ولن ينفع المرءَ ولدُه ولا ماله إن قصر في عبادته لله تعالى

2- الإنفاق في سبيل الله علامة الإيمان به سبحانه فالله تعالى هو الرزاق ، والمال فضلٌ منه وخير ، وما يكون شكر الله إلا بالإنفاق في سبيل الله "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيعٌ فيه ولا خُلّةٌ ولا شفاعةٌ ، والكافرون هم الظالمون " البقرة 254 ، وعند الموت ولقاء الله يُحس المسلم أنه كان بخيلاً شحيحاً ويتمنّى لو كان كريماً ، ويسأل الله أن يُعيده للحياة ليكون من أهل البرّ والجود ، وهيهات هيهات .كان ما كان وأتى ما هو آتٍ

وتابعْ معي هذه الصورة متدبراً حال الكفار يستجْدون العودة إلى الدنيا ليؤمنوا ويُصلحوا ما كان ،  " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " وتأمل الصورة الأخرى المشابهة في قوله تعالى : " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعملُ صالحا فيما تركت. كلا إنها كلمة هو قائلها ،ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " .

فهل يستجيب الله لهم ، حاشا وكلاّ، لقد سبق السيفُ العذلَ،

فهل وعينا نهايتنا فعملنا لما يُنجينا .. اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك.

ملاحظة نحويّة توضح المعنى:

 قوله تعالى: " ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدّق وأكنْ من الصالحين"

المقصود : ربِّ: لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ، فإنْ أصَّدَّقْ أفُزْ وأكن من الصالحين.

أكُن معطوفة على جواب شرط محذوف ( أفُز) أمّا (المصدر المؤول من أنْ و أصَّدَّق الأولى فمعطوفة على مصدر متصيد من أخّرتني) وكأنك تقول: ( هلاّ تأخيرٌ فتَصَدُّق ) ... والله أعلم.

إنه ينادينا-36

يقول تعالى:

يوم التغابن : يوم القيامة، فيغبن أهل الجنّة أهلَ النارِ حين يدخلون الجنّة ،ويرثون خيرات من كانت النار نصيبه ، ويرث الكفارُ في جهنم نصيبَ أهل الجنة  في النار ، في هذا اليوم يجمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، قال تعالى " قلْ إن الأوَّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلوم " وقوله تعالى ذلك يوم " التغابن " وقال مقاتل بن حيان لا غُبْنَ أعظمُ من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ويذهب بأولئك إلى النار . وفي الحديث : ( ما من عبد يدخل الجنة إلا أُرِيَ مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخلُ النار إلا أرِيَ مقعدَه من الجنة لو أحسَنَ ليزداد حسرة )

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة بين يديه فيقول الله تعالى لهما قولا فما أنتما بقائلين ، فيقول الرجل : يا رب أوجبت نفقتها علي فتعسفتها من حلال وحرام ، وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ، ولم يبقَ لي ما أوفي به . فتقول المرأة : يا رب وما عسى أن أقول : اكتسبَه حراما وأكلتُه حلالاً ، وعصاك في مرضاتي ولم أرضَ له بذلك ، فبُعدا له وسُحقا ، فيقول الله تعالى : قد صدقت . فيؤمر به إلى النار ويُؤمر بها إلى الجنة ، فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول له : غبنَّاك غبنَّاك ، سعِدنا بما شقيتَ أنت به " فذلك يومُ التغابن .

تبدأ السورة الكريمة بتسبيح الله وحمده فهو الإله العظيم الذي يستحق التسبيح والحمدَ ، خلقنا وهدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، فآمن السعداء وكفر الأشقياء.

ومن قدرته أنْ خلق السموات والأرض وصوَّر البشر في في أجمل هيئة ، وعظّمَ الله ذاته العلية حين ذكر في هذه السورة بعض صفاته ، فهو الله الحميد القديرُ الخالقُ المُصوِّرُ العليمُ، عالم الشهادة ، العزيزُ الحكيم...

وردّ على منكري البعث والنشور قصور نظرهم وضعفَ تفكيرهم.ونبّهنا إلى مصارع الأمم الكافرة ،وأمرنا بالإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ليغفر لنا ويرزقنا رضاه والجنّة في نعيم أبديٍّ خالد، وهدد الكافرين بالنار وبئس المصير،

 ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبَه وعوَّضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقينا صادقا وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه .

ثم نادانا سبحانه منبهاً إلى :

1- أن بعض الزوجات والأولاد يُبعدون المرء عن القيام بواجباته في صلة الرحم وطاعة الله ، إذ يستاثرون به عن وأمه وأبيه وأهله وأقاربه . رُوِيَ أنَّ رجالاً أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدَعوهم ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعدَ لأيٍ - رأوا الناس قد فقهوا في الدين فَهَمُّوا أن يعاقبوهم لأنهم كانوا السبب في ابتعادهم وتأخرهم ،فأنزل الله تعالى هذه الآية " وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم"

2- والحذرُ بمعنى تقديم طاعة الله ورسوله على حب النساء والذرية - وإن كان عليه أن يسعى في خدمتهم-إلا أنَّ مطالب الاسرة تكثر وتتتابع فيقصر المرء في واجبه نحو دينه وقد ينسى او يتناسى كثيراً من الواجبات فيخسر الثواب ويستحق العقاب.

3- قد يؤدي التشاغل في خدمة الأسرة إلى الشحِّ والبخل فتقلُّ الصدقات أو تنعدم ، ويستغرق الرجل في تأمين مستلزمات الحياة الرغيدة لأسرته وينشغل بها عن كثير من واجباته الدينية ، فيُستهلك في تنفيذها .

4- لئن انتبه الرجل إلى خطئه فليتحمّلْ مسؤوليته وحده ، فلا يعاقب غيره لأنه كان صاحب القرار فتخلّى عنه ، فإن رأى أنهم ضغطوا عليه –وقد يكون- فليَعفُ وليغفر وليتصف بما أراد الله تعالى له من حِلم وصفح وعفو.

5- فتنة النساء والأولاد والمال كبيرة لا يتعدّاها إلا أولو العزم الذين ينالون الثواب الكبير والأجر العظيم.

6- لا يكلف الله نفساً إلا وسعَها فلنتَّق الله ما استطعنا ، ولنبذُل جهدنا في تقواه ورضاه سامعين مطيعين متصدّقين ، فإن فعلنا ذلك فزنا بالفضل والقرب  ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه).

7- إن الصدقة تطفئ غضب الربِّ ، وهو سبحانه ينمّيها كما ينمّي الرجل فُلُوّه ، فيصير مثل الجبل،  وما يُنفق المرء من شيء فهو – سبحانه- يخلفه ومهما تصدقنا من شيء فعليه جزاؤه ونزل ذلك منزلة القرض " فيضاعفه له أضعافا كثيرة " ثم يحوطنا فضله بمغفرته ويكفر عنا السيئات ، فهو الحليم الشكور.

"يا أيها الذين آمنوا ؛ إنَّ من أزواجِكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم، وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفورٌ رحيم ،إنما أموالُكم وأولادُكم فتنة ، والله عنده أجرٌ عظيمٌ ، فاتقوا اللهَ ما استطعتم ، واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفُسِكم ، ومَنْ يوقَ شُحَّ نفسِه فأولئك هم المفلِحون، إن تُقرِضوا اللهَ قَرضاً حسَناً يُضاعِفْه لكم ، ويغفِرْ لكم ، والله شكورٌ حليمٌ ، عالمُ الغيبِ والشهادةِ العزيزُ الحكيمُ"سورة التغابن الآيات 14-18

فهل سمعنا نداء الملك العليم العلاّم الذي يصفح ويغفر ويستر ويتجاوز عن الذنوب والزلات والخطايا والسيئات الذي يعلم كل شيء ويرى كل شيء ولا يغيب عنه شيء، إنه عزيز حكيم.

إنه ينادينا -37

في هذه السورة نجد قواعد الطلاق التي تحكم مسار المسلمين في حياتهم الزوجية وتنير لهم درب الأسرة المسلمة .

1- خوطب النبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها النبيُّ إذا طلقتم النساء فطلقوهُنَّ لعدتهنَّ وأحصوا العِدّةَ) ربما لأن المناسبة نزلت في تطليقه – صلى الله عليه وسلم - حفصة بنتَ عمر رضي الله عنهما وهي حائض ، ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرة قبل أن يمسها ،فتلك العِدة التي أمر بها الله عز وجل، كما خوطب النبي صلى الله عليه وسلم أولا تشريفا وتكريما ثم خوطبت الأمة تبعاً ،

2- وتبقى المطلقة في بيت مطلقها ما لم تجترحْ فاحشة واضحة، ومن طرَدَ امرأته وهي في عدتها فقد أساء إلى نفسه بعصيان أمر الله وتعدّي حدوده. ولعل بقاءها في البيت يحنِّنُ قلبه فيراجعها،  فتبقى الأم ويبقى الأب على رأس أولادهما يربيانهم بحب وحنان، وتعود الأمور إلى مجاريها .

3- كان الناس في الجاهلية يطلقون نساءهم مرات عديدة ويراجعونهنَّ فجعلها القرآن ثلاث طلقات ،

4- لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً ،إن كره منها خُلُقاً رضي منها خُلُقاً آخر ، فإن طلقها فليسرِّحها بالمعروف ، وهذا من التقوى التي أُمِرَ بها المسلم.ومن اتقى الله أعانه الله في حياته ورزقه الخير العميم لا يدري كيف يأتيه.

5- التوكل على الله باب الوصول إلى المراد فيما يرضي الله ، ومن توكل على الله فهو حسبُه وكافيه، ، ومن توكل على الله أكرمه الله تعالى القادر على كل شيء الفاعل لما يريد ( عبدي أنت تريد ، وأنا أريد ، وأنا أفعل ما أريد ، فإن سلّمْتَ لي فيما أريد كفيتُك ما تريدُ ، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتُك فيما تريد ،ولا يكون إلا ما أريد.)

6- عدّة الحامل تنتهي حين تضع حملها ، وعِدّةُ غير الحامل ثلاثة قروء ، وكذلك عدّة المرأة التي يئست من الحيض وعدة الفتاة الصغيرة التي لم تبلغ الحيض.

7- اهتمامٌ رائعٌ بالتقوى في كل آية فيها قاعدة بيّنة " ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسراً " وقوله تعالى " ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويُعظمْ له أجراً " الآيتان 4-5

8- تسكن المطلقة في بيتها الذي طُلِّقتْ فيه، ولا ينبغي التضييق عليها ، ويُنفقُ على الحامل حتى تضع حملها، ويُحدد لها أجر إرضاع ولدها، فإن أبت إرضاعه لم تُكرَه على ذلك ، وترضعه غيرها.

9- لا يكلف الله الرجل أن يصرف على مطلقته وهي في بيته أو ترضع ولدها إلا بما يستطيع.ولعل الله تعالى يرزقه بطاعته أمر الله رزقاً وفيراً .

10- تحذير من عصيان أمر الله، وإلا نال المجتَمعَ عذابٌ شديد يضاهي عقابَ الأمم السابقة كعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب ..

ثمَّ ينادي  الله تعالى المؤمنين في سورة الطلاق :

" ..فاتقوا الله يا أولي الألبابِ الذين آمنوا ، قد أنزلَ اللهُ إليكم ذِكراً ، رسولاً يتلو عليكم آياتِ الله مُبَيِّناتٍ ليُخرجَ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ من الظلماتِ إلى النورِ، ومن يُؤمنْ بالله ويعملْ صالحاً يُدخِله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها أبداً قد أحسَنَ اللهُ لهُ رزقاً " الآيتان 10-11

1- من صفات المؤمنين أنهم من أولي الألباب ، وأصحاب الفهم والدراية  والقلوب الذكية الزكية ، وقليل ما هم.

2- فضل الله على الناس أنه لم يخلقهم ويتركهم، إنما أرسل لهم الرسل الكرام وأنزل عليهم الكتب الهادية إلى الصراط المستقيم .ألم يقل الله تعالى " إنا نحن نزّلنا الذكر ، وإنا له لحافظون"؟

3-  الانبياءُ رسلُ الله إلى عباده وشهداؤهم عليهم.يهدي بهم الله تعالى عباده إلى العمل الصالح ويخرجهم بهم من الظلمات إلى النور . فجزاهم الله عنا الخير كله وجازى سيدنا محمداً خير ما جازى نبياً عن أمته.

4- إنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره..وان جزاء الله للمتقين الطائعين جزيلٌ  يدل على واسع عفوه وكرمه.

... إنه سبحانه كريم وعفوّغفور، يدعونا إلى سُبُلِ الخير وجنة المأوى ، وإلى رضاه أولاً وآخراً ..فهل نرى أولي الألباب من المؤمنين يسارعون إلى مرضاته سبحانه؟.

إنه ينادينا -38

قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا ؛ قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودُها الناسُ والحجارَةُ عليها ملائكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ ،لا يعصون اللهَ ما أمرهُمْ ، ويفعلون ما يُؤمَرون" سورة التحريم الآية 6

يقول المثل العربي : درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج. والوقاية من النار بالتأديب والتعليم والعمل بطاعة الله واتقاء المعاصي وبذكر الله المتواصل لساناً وقلباً  ، ومساعدتهم على ذلك ، ويعلم أهله وقرابته وما له عليه دالَّةٌ  ما فرض المولى سبحانه وما نهى.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " رواه ابو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن يؤمر بهذا تدريباً و تمرينا له على العبادة لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعاصي وترك المنكر.

إنها النار التي تصهر كلَّ ما يلقى فيها ووقودها الكفار من البشر وأصنامُهم وما كانوا يعبدون من دون الله  : " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاية وفي اصحابه شيخ يسأله: يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لصخرةٌ من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلها " قال فوقع الشيخ مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حي فناداه قال " يا شيخ قل لا إله إلا الله " فقالها ، فبشره بالجنة قال : فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا ؟ قال " نعم يقول الله تعالى " ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد " هذا حديث مرسل غريب .

أما الملائكة الغلاظ الشدادُ فطباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله وتركيبهم في غاية الشدة والمنظر المخيف. قال عكرمة : إذا وصل أول أهل النار إلى النار وجدوا على الباب أربعَ مئة ألف من خزنة جهنم سودٌ وجوهُهم كالحة أنيابُهم ،قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة ،لو طار الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر، ثم يجدون على الباب التسعةَ عشرَ، عرضُ صدر أحدهم سبعون خريفا ثم يهوون من باب إلى بابٍ خمسَ مئة سنة ،ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها هؤلاء" لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " يبادرون إليه لا يتأخرون عنه طرفة عين وهم قادرون على فعله ،ليس بهم عجز عنه . وهؤلاء هم الزبانية – لا مفرّ للكافر منهم، نعوذ بالله أن نكون من أهل النار . ولن يُقبل من الكافر اعتذارُه ولن يُرحم بكاؤُه، نسأل الله العافية وحُسْنَ الختام.

وقد مدح الله تعالى سيدنا إسماعيل إذ ربَّى أهله على الأخلاق الحميدة ،وتابعهم في توجههم إلى الله فوصفه بصدق الوعد ومتابعة صلاة أهله ،وتأديبِهم على مكارم الأخلاق ودفع الزكاة ، ومساعدة المحتاجين ، فكان عند ربه في مكانة رضيّة " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيّاً ، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ، وكان عند ربِّه مَرضيّاً " سورة مريم 54-55.

 

ثم قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا "والتوبةُ النصوح هي الصادقة التي تمحو ما قبلها من السيئات ومن شروطها

1-  (أن يتوب من الذنب، ثمّ لا يعود فيه)

2- ويندم على ما سلف منه في الماضي .ويبغض الذنبَ كما أحبَّه من قبل.

3- ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل ما كان يفعله قبل أن يتوب.ويستغفر منه كلما ذكره.

4- وفي حق الآدمي لا بد من إعادة الحق إليه وكشف الظلامة عنه. ،

عبد الله بن مسعود أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الندم توبة  "

عن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة .

1- منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها وذلك مما حرم الله ورسولُه ويمقت اللهُ عليه ورسوله 2- ومنها نكاح الرجل الرجلَ وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله .

3- ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله .

وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا قال زر : فقلت لأبيِّ بنِ كعب فما التوبة النصوح ؟ فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " هو الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبدا " .

والإسلام يجُبُّ ما قبله ، فيعود التائب كأنه لم يكن فعل شيئاً ، وبما أن الإنسان خطّاء وخير الخطّائين التوابون ، فقد يعود المرء إلى الوقوع في الذنب فعليه أن يستغفر الله ويسأل اللهَ سبحانه العفو والمغفرة ، روى ابو هريرة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فيما يحكي عن ربِّه عزَّ وجلَّ قال " أذنَب عبدٌ ذنبًا . فقال : اللهمَّ ! اغفِرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنَب عبدي ذنبًا ، فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ، ويأخذ بالذَّنبِ . ثم عاد فأذنب . فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذُ بالذنبِ . ثم عاد فأذنب فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنبَ عبدي ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذ بالذنبِ . اعملْ ما شئت فقد غفرتُ لك " . قال عبدُالأعلى : لا أدري أقال في الثالثةِ أو الرابعةِ " اعملْ ما شئت "رواه مسلم  .

من فوائد التوبة:

1- تكفير السيئات ، ومن كُفّرت سيئاته وبقيت حسناته ناد منادٍ أن سعد فلان بن فلان سعادة لا شقاء بعدها.ولعلنا بفضل الله نكون من هؤلاء.

2- ومن ذابت سيئاته وانقلبت حسنات بفضل المليك وعفوه استحق الجنة ، وصار من أهلها إنها جنات عدن أو جنة المأوى أو الفردوس الأعلى أو غيرها، والله كريم يهب عباده الصالحين ما لا يخطر على البال.

3- ويحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان صاحب الحبيب في المحشر لا يُخزيه الله أبداً .

4- نور المؤمنين يملأ الوديان والبطاح ويسير أمامهم يضيء لهم ماهم فيه يومَ لا شمس ولا قمر. يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نورَ المنافقين قد طفئ،

فعن أبي ذر وأبي الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " فقال رجل يا رسول الله وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ قال" غُرٌّ محجَّلون من آثار الطهور ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم "

هذه أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يكرمها الله تعالى بالنور الكامل يوم القيامة ..

إن الله تعالى ينادينا ليجعلنا من المقرّبين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .