رحلة ممتعة في أعماق سورة الأعراف 2

( مسؤوليّة الدعاة )

د. فوّاز القاسم / سوريا

(( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3)))

لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين للبشرية ; وانتكست البشرية بجملتها إلى الجاهلية . . وعاد هذا القرآن يواجه البشرية كما واجهها أول مرة , يستهدف منها نفس ما استهدفه في المرة الأولى من إدخالها في الإسلام ابتداء من ناحية العقيدة والتصور . ثم إدخالها في دين الله بعد ذلك من ناحية النظام والواقع . .

وعاد حامل هذا الكتاب يواجه الحرج الذي كان يواجهه رسول الله [ ص ] وهو يواجه البشرية الغارقة في مستنقع الجاهلية , المستنيمة للمستنقع الآسن , الضالة في تيه الجاهلية , المستسلمة لاستهواء الشيطان في التيه ! . .

وهو يستهدف ابتداء إنشاء عقيدة وتصور في قلوب الناس وعقولهم تقوم على قاعدة:أشهد أن لا إله إلا الله . وإنشاء واقع في الأرض آخر يعبد فيه الله وحده , ولا يعبد معه أحدٌ سواه . وتحقيق ميلاد للإنسان جديد , يتحرر فيه الإنسان من عبادة العبيد , ومن عبادة هواه !

إن الإسلام ليس حادثاً تاريخياً , وقع مرة , ثم مضى التاريخ وخلفه وراءه ! . .

إن الإسلام مواجهة دائمة لهذه البشرية إلى يوم القيامة . . وهو يواجهها كما واجهها أول مرة , كلما انحرفت وارتدت إلى مثل ما كانت فيه أول مرة ! . .

إن البشرية تنتكس بين فترة وأخرى وترجع إلى جاهليتها - وهذه هي "الرجعية  الحقيقيّة " البائسة المرذولة - وعندئذ يتقدم الإسلام مرة أخرى ليؤدي دوره في انتشالها من هذه "الرجعية " مرة أخرى كذلك ; والأخذ بيدها في طريق التقدم والحضارة ، وهذه هي (  التقدميّة الحقيقيّة );

ويتعرض حامل دعوته والمنذر بكتابه للحرج الذي تعرض له الداعية الأول [ ص ] وهو يواجه البشرية بغير ما استكانت إليه من الارتكاس في وحل الجاهلية ; والغيبوبة في ظلامها الطاغي ! ظلام التصورات . وظلام الشهوات . وظلام الطغيان والذل . وظلام العبودية للهوى الذاتي ولأهواء العبيد أيضاً .

إن المجتمعات البشرية اليوم - بجملتها - مجتمعات جاهلية . وهي من ثم مجتمعات "متخلفة " أو "رجعية " ! بمعنى أنها "رجعت" إلى الجاهلية , بعد أن أخذ الإسلام بيدها فاستنقذها منها . والإسلام اليوم مدعو لاستنقاذها من التخلف والرجعية الجاهلية , وقيادتها في طريق التقدم و "الحضارة " بقيمه وموازينه الربانية .

لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين , وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر , والسطوح والأعماق !

انتكست البشرية في تصوراتها الاعتقادية ابتداء - حتى الذين كان آباؤهم وأجدادهم من المؤمنين بهذا الدين - فإن صورة العقيدة قد مسخت في تصورهم ومفهومهم لها في الأعماق . .

ولقد جاء الإسلام ليغير وجه العالم , وليقيم عالماً آخر , يقر فيه سلطان الله وحده , ويبطل سلطان الطواغيت . عالماً يعبد فيه الله وحده - بمعني "العبادة " الشامل - ولا يعبد معه أحد من العبيد . عالماً يخرج الله فيه - من شاء - من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . عالماً يولد فيه "الإنسان" الحر الكريم النظيف . . المتحرر من شهواته وهواه , تحرره من العبودية لغير الله ...

ألا ، فما أصعب مهمّة الدعاة اليوم لتحقيق هذه النقلة الجبارة في حياة البشرية .!؟

وأين هم أصحاب العقيدة الراسخة ، والهمم العالية ، والعزائم الجبارة ...!؟