في الغيبة والعيوب
(2)
   
د.عثمان قدري مكانسي
   
   
   othman47@hotmail.com 
قال ابن
قتيبة في " عيون الأخبار " بتصرّف : 
- إن أسماء
بنت يزيد أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " 
ألا أخبرُكم بشراركم؟ " قالوا : بلى . قال : " 
مِن شراركم المشّاءون ، بالنميمة المفسدون بين الأحبة ، الباغونَ البُرآءَ العنَتَ
" فمن نمّ وأفسدَ وأرجف بين الناس من أشر ما
خلق اللهُ تعالى . 
- وقال
النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر : يا أيها الناس خذوا على أيدي
سفهائكم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
إن قوماً ركبوا البحر في سفينة ، واقتسموها ، فأصاب كلَّ
واحد منهم مكانٌ (1) ، فأخذ رجل منهم الفأس فنقر مكانه ، فقالوا : ما تصنع؟! فقال :
مكاني أصنع به ما شئت ، فإن أخذوا على يديه نجا ونجَوا ، وإن تركوه غرقوا وغرق.
 
(1) هكذا ضُبِطَتْ والأولى :  ( فأصاب كلُّ واحد منهم مكاناً ). 
- وقال أبو
الدرداء رضي الله عنه (يستبعد أن ينجو يوماً من ألسنة الناس ) : ليس من يوم أصبح
فيه لا يرميني الناس بداهية إلا كان نعمةً من الله عليّ .  وقال حسان رضي الله عنه
بهذا المعنى :  
وإنّ امرأً
أمسى وأصبح سالماً     من الناس إلا ما جنى لسعيدٌ  
- قال
مسعِرٌ : ما نصحتُ أحداً قطّ إلا وجدْتُه يفتش عن عيوبي ( وكأن الناس لا يحبون
الناصحين ) . 
- قال
بعضُهم : من عاب سَفِلةً فقد رفعه ، ومن عاب شريفاً فقد وضع نفسَه . 
- وقال
الفاروق عمر رضي الله عنه : ( أحبُّ الناس إليّ من أهدى إليّ عيوبي )
أقول : ومن يرقى مرقاك يا أمير المؤمنين ؟! . 
- وقال
الفضيل بن عياض : حسناتُك من عدوّك أكثر منها من صديقك ، لأن عدوّك إذا ذُكرْتَ
عنده يغتابك ، وإنما يدفع المسكينُ إليك حسناتِه . 
أقول : ومن ينجو من ذلك إلا من رحم ربك؟!  
- ومرّ ابن
سيرين بقوم ، فقام إليه رجل فقال : يا أبا بكر إنا قد نِلنا منك فحَللنا . فقال :
إني لا أُحِل لك ما حرّم الله عليك ، فأمّا ما كان لي فهو لك .
أقول : جواب لطيف وفهم للحلال والحرام دقيق . 
- وجاء رجل
إلى ابن سيرين ، فقال : بلغَني أنك نلتَ منّي .فقال ابن سيرين : نفسي أعزّ عليّ من
ذلك . رحم الله ابن سيرين ما أكرمه! 
- وقال بلال
بن سعد : أخٌ لك كلما لقِيَك أخبرك بعيب فيك خيرٌ لك من أخ لك كلما لقيك وضع في كفك
ديناراً . أقول : هذه هي الأخوّة الحقة . 
- قال سيد
التابعين الحسن البصري رحمه الله تعالى " لا غِيبة إلا لثلاثة ؛ فاسقٍ مجاهر
بالفِسق ، وذي بدعة ، وإمام جائر ..... وكان يُقال : من اغتاب خَرَقَ ، ومن استغفر
رتَقَ .  
- وفي بعض
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا عاب أحدُكم
أخاه فلْيستغفرالله " نقول : نستغفر الله
دائماً وأبداً . 
- قال محمد
بن كعب : إذا أراد الله خيراً بعبد زهّدَه في الدنيا ، وفقّهه في الدين ، وبصّرَه
بعيوبه . فقال الفضيل بع عياض حين وصلته هذه الحكمة : وربما قال الرجل : لا إله إلا
الله أو سبحان الله ، فأخشى عليه النارَ ، قيل : وكيف ذاك ؟! قال : يُغتابُ بين
يديه ، ويُعجبه ذلك ، فيقول : لا إله إلا الله . وليس هذا موضعَه ، إنما موضع هذا
أن ينصح له في نفسه ويقول له : اتّقِ الله . أقول :
هذا هو الفقه في الدين . 
- وفي
الحديث المرفوع أن امرأتين صامتا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعلتا
تغتابان الناس ، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : "
صامتا عمّا أُحل لهما ، وأفطَرَتا على ما حُرِّم عليهما
" وقال حمّادُ بن سلمة : ما كنتَ تقوله للرجل وهو حاضر فقلته من خلفه فليس
بغِيبة  
- عاب رجل
رجُلاً عند بعض الأشراف ، فقال له : قد استَدْللْتُ على كثرة عيوبك بما تُكثر من
عيب الناس لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدْ ر ما فيه منها . وقال بعض الشعراء في
هذا المعنى :  
وأجْرَأ مَن
رأيتُ بظهر غَيبٍ           على عيب الرجال ذوو العيوب  
 وأنشد ابن
الأعرابي يؤكد هذا المعنى : 
اسكتْ ، ولا
تنطقْ فأنتَ خيّاب         كلُّك ذو عيب وأنت عيّابْ 
- وكان
أحدهم يغتاب الناس ولا يصبر ، ثم ترك الغيبة ، فقيل له : أتركتَها ؟ قال : نعم ،
على أني أحب أن أسمعها . فهو حقيقة لم يترك الغيبة
لأنه يود أن يسمعها ، وإنما الأعمال بالنيات . 
- وذكر
الغزّالي في إحيائه حديثاً  " إن الغِيبة أشدّ من الزنا
" قيل : كيف ذلك ؟! قال : " لأن الرجل يزني فيتوب
، فيتوب الله عليه ، وصاحب الغيبة لا يُغفَر له حتى يَغفِر له صاحبها " . 
- مرّ رجل
بجارين له ومعه رِيبة ، فقال أحدُهما : أفَهمْتَ ما معه من الريبة ؟ فقال الآخَر :
غلامي حرّ لوجه الله شكراً له إذ لم يُعَرّفني من الشرّ ما عَرّفَكَ .
وهذا من روائع التقوى . 
- دار بين
سعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما كلام ، فذهب رجل ليقع في خالد عند
سعد ، فقال له سعد : مَهْ ؛ إنّ ما بيننا لم يبلُغْ دينَنا ،
ولهذه التقوى استحق أن يكون من العشرة المبشرين
بالجنّة . 
قيل
لِبُزُرجَمِهْرَه : هل مِن أحد ليس فيه عيبٌ؟ قال : لا ؛ إن الذي لا عيب فيه ينبغي
أن لا يموت . أقول صدق الحكيم والله فالله سبحانه
الكامل وحده كمالاً مطلقاً . وفي هذا قال الشاعر : 
ليس فيما
بدا لنا منك عيبٌ      عابه الناس غيرَ أنّك فانٍ 
أنت خير
المتاع لو كنت تبقى      غيرَ أنْ لا بقاء للإنسانِ   
-                   
وأوصى رجل على فراش الموت زوجته أن تنكح بعده رجلاً شريفاً لا صاحب غيبة وفساد ،
فقال :            
وإما هلكتُ
فلا تنكحي           ظَلومَ العشيرة حَسّادَها   
يرى مجدَه
ثلبَ أعراضها        لديه ويُبغض مَن سادَها 
     
 
       
![]()