رمضانيّون أم ربّانيّون؟!

م. محمد عادل فارس

[email protected]

من الطبيعيّ أن يكون المؤمن في شهر رمضان أقرب إلى الله، أبعد عن المعاصي، أكثر إقبالاً على الطاعات، فكما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: "إذا جاء رمضان فتّحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب النار، وصفّدت الشياطين". وإذاً فإن أحد أسباب الغواية قد انقطع بتصفيد الشياطين. ثم إن أجواء هذا الشهر الروحانية، واندماج أفراد المجتمع المسلم في الطاعة، وتعدد أنواع الطاعات المفروضة والمندوبة في هذا الشهر، من صيام وقيام وتلاوة قرآن وصدقات... كل ذلك يزيد من توجه القلوب إلى الله... وهذه الأمور لا تجتمع في شهر كما تجتمع في رمضان.

هذا كله صحيح، ونسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يلهمنا الإكثار من تلاوة القرآن وتدبّره، ومن الإكثار من الصدقات، وأن يتقبّل منا صالح أعمالنا. لكنّ ما نراه من كثير من المسلمين أنهم يعودون بعد رمضان، كما كانوا قبله، يتقاعسون عن الطاعات، ويتهاونون في ارتكاب المعاصي، وكأن رضا الله لا يُطلب في غير رمضان، وأن سخطه لا يُتّقى إلا في هذا الشهر..

رمضان أيها الإخوة الأحباب، دورة تربوية إيمانية، يتعود فيها المؤمن على الارتقاء في درجات العبودية لمولاه، فإذا انقضت هذه الدورة فلا بد أن يظهر أثرها في تحسّن سلوكه، ولا ينبغي أن يعود في شهر شوال وما بعده، كما كان في شهر شعبان وما قبله، وإذا مثّلنا ذلك بشكل رقمي فقلنا: كانت درجة إيمانك قبل رمضان 65 ثم ارتقت في رمضان إلى 85، فلتكن هذه الدرجة بعد رمضان 70 فما فوق.. فهكذا يكون سلوك الذين يتبعون دورة تربوية، إذ ليس المقصود أن يتحسن الأداء في أثناء الدورة، ثم يعود بعدها كما كان قبلها!.

وناحية أخرى نذكرها، وينبغي للمسلم أن يفيدها في هذا الموسم العظيم، إنها فرصة لمراجعة السلوك قبل القدوم على الله. فالمؤمن لا يعلم متى ينتهي أجله، ويَقدُم على ربه فيسأله عن عمره فيما أفناه.

فلتعلم – أخي المسلم – أنك منذ رمضان الماضي إلى رمضان الحالي قد انقضى من عمرك سنة كاملة، فلتراجع نفسك، ولتحاسبها حساباً دقيقاً، فإن الناقد بصير: هل أنت في بداية رمضان هذا خير مما كنت عليه في بداية رمضان الفائت؟ إذاً فاحمد الله، وازدد من الخير، أم أنك مثلُ ما كنت قبل سنة، أو لعلك تراجعت؟ وإذاً فتُب إلى ربّك، واعزم على تلافي التقصير، ومحو السيئات، والتزود بالقربات.

ولقد كان سلفنا يعدّون لحظات العمر خطوات إلى الأجل، فيقول قائلهم: "أنفاس العبد خطواته إلى أجله". ورحم الله أمير الشعراء حين قال:

دقّات قلب المرء قائلة له:        إنّ الحياة دقائق وثوانِ