عبوديتنا حرية وحريتهم عبودية

عبوديتنا حرية وحريتهم عبودية

عمر حيمري

ليس من همي تعريف مفهوم الحرية ودلالاتها على مستوى اللغة والفلسفية والاجتماع أو الاقتصاد و السياسية والقوانين التشريعية ... لأن هذا من جهة أمر أعطاه  الباحثون أكثر مما يستحق من البحث والدراسة ، ومن جهة أخرى ، فلأن قناعتي ، هي أن أي تعريف للحرية ، انطلاقا من هذه الدلالات ، هو نفي لها . وأي محاولة لإثباتها أو نفيها خارج علاقة الله بالإنسان ، أقصد علاقة الفعل الإلهي بالفعل الإنساني ، هو نوع من العبث وجهد يؤدي حتما إلى الضلال والتيه ، ثم إلى الاختلاف والخروج عن مقصود الشرع الحقيقي والسنن والقوانين الكونية ، التي خلقها الله ، وكذا الشروط والأسباب والإمكانات التي منحها الله سبحانه وتعالى لعباده وسخرها لهم أو أتاحها لهم كالقدرات العقلية والفكرية والجسمية والنفسية والمادية ... ومن عدل الله سبحانه وتعالى ، أن جعل  الحرية غير ثابتة على حال ولا مطلقة ، فهي تتحقق بوجود الشروط والأسباب التي سنها الله والتشريعات التي وضعها لعباده ، وتنتفي بانتفائها ، فمثلا الحرية تغيب وتنتفي في الوسط الاجتماعي الموبوء بالاستبداد السياسي والقهر الديني والظلم الاجتماعي  والإكراه البدني [ ... من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان  ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ] ( سورة  النحل   آية  106 ) وتظل الحرية منتفية إلى أن يتمكن الإنسان من تغيير الظروف والشروط المانعة لحريته ويخضع مختارا غير مجبر لعبودية الله وحده باعتباره مصدر التشريع والحاكمية تصديقا وتطبيقا . وقد تنتفي أيضا الحرية بصفة مؤقتة ، أو دائمة من الواقع ، كليا أو جزئيا ، لأسباب مختلفة ومتعددة ، كغياب العقل لسبب شرعي كالجنون ، والصرع ، وفقدان الذاكرة ، زهايمر أو الخرف ،  ( وليس بسبب الخمر والمخدرات وما يتلف العقل من المحرمات ...)  ، أو لعجز بدني ، كالعمى ، والشلل وفقدان بعض أطراف الجسد ... مع هذه الأعذار الشرعية  تتعطل الحرية ، ويتعطل معها حتى الواجب الشرعي أو بعضه ، لقوله سبحانه وتعالى : [ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما .] ( سورة  الفتح آية 17 )  ولقوله تعالى :  [ ... وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ]  ( الأحزاب آية 5 )  ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (  إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ( حديث حسن رواه عبد الله بن عباس ) . ولكن الحرية لا تنتفي من الوجود مطلقا ، لأنها مخلوق خلقها الله مع الإنسان ، وربطها بعبوديته ورتب عليها التكليف والمسؤولية والمساءلة حسب القدرة على الفعل وحرية الاختيار والالتزام  بطريق الرشد المستقيم ، الذي ارتضاه ورسمه لرسله وكلفهم بتبليغه لعباده ليعيشوا أحرارا ولا يتعرضوا للموت الداخلي ، موت القلب ، لأن الحرية تموت معه وبموتها ، يفقد الإنسان الإحساس بقيمة الحياة . أما حياة القلوب ، والتي لا تتم ولا تتحقق إلا بالتعلق والارتباط بالله والخضوع له والإخلاص في عبادته ، فهي حياة  للحرية وآلية دفاعية لمواجهة الأعداء وخططهم التدميرية  لمبدأ التوحيد وما ينبثق عنه من إيمان واعتقاد وتشريعات وتوجيهات إلهية . إن حياة القلب تستشعرنا بالحرية وتقوي الإرادة والعزيمة فينا على تجاوز الخوف من الموت والحرص على الحياة وتمنحنا الشجاعة على قول كلمة الحق ورفض الذل والهوان  ومواجهة قوى الظلم والطغيان والجبروت  في الأرض ، التي تستعبد الناس وتسترقهم ، وإن استعانت بالقيود والسجون والمعتقلات وتفننت في التعذيب والقتل ... والعبرة لنا من أصحاب الأخدود، و سلطان العسكر الجائر في عصرنا وما فعلوه بالمؤمنين لمجرد إيمانهم بالعزيز الحكيم . [ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ] ( سورة  البروج آية 8) . ولقد صدق السيد قطب رحمه الله إذ قال:                                                                      

     أنت حر وراء السدود  .......   أخي أنت حر بتلك القيود                

     إذا كنت بالله مستعصما .......   فماذا يضيرك كيد العبيد                 

انطلاقا من هذا الفهم ، أو التصور أرى أن الحرية نسبية ، فلكل فرد أو مجتمع حريته الخاصة ، تقدر حسب الأعذار الخاصة التي يواجه بها الله ، والمتمثلة  في الإكراه والجبر، بشرط الإخلاص في النية والقصد ، والنصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وعدم الركون إلى الشرك والظلم ، والتعاون مع أهله ،لأن المسؤولية على إتيان الفعل وخلقه ، هي التي سيحاسب عليها الإنسان في الدنيا والآخرة ، طبقا وانطلاقا من الأوامر والنواهي الإلهية وقيود الشرع الإسلامي ، وبناء على تقدير درجة نسبة  المشيئة  الحرة والاختيار. وعدل الله يقتضي هذا بدون شك  ، ولذلك خلقنا الله سبحانه وتعالى أحرارا من عبودية غيره ، فلم يجعل رزقنا وصحتنا وعقلنا بيد غيره من شياطين الإنس أو الجن ، أو أي مخلوق من خلقه ،  ولم يعلق نفعنا أو ضررنا بأحد من المخلوقات ، ولم يجعل لهم قوة علينا كيف ما كانت طبيعة هذه القوة ، مادية أو نفسية . بدليل قوله سبحانه وتعالى [ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ] ( سورة الحجر  آية 42 ). وقوله سبحانه وتعالى : [ إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ] ( سورة العنكبوت  آية  17 .... ) وقوله :[ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ] ( سورة النحل آية 73 ) . لأن الله سبحانه وتعالى  يعلم أن  الذي يتحكم في  الرزق والصحة والمعرفة  يتحكم في رقبة وحرية من لا يملك هذا الثالوث ، وأن حياة الإنسان لا تستقيم إلا إذا تحرر من أسر عما سواى الله من المخلوقات وكان عبدا خالصا له وحده بدون شريك ،  سواء كان هذا الشريك إيديولوجية ، أو حزب سياسي ، أو حركة صوفية ، أو فلسفة ، أو علبة فكر باطل ، أو شهوة مادية ، أو جنسية ... وهذا ما يدل عليه قوله سبحانه وتعالى .[ قل يا أهل الكتاب  تعالوا إلى  كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ] ( آل عمران آية 64 )                               

إن العبودية لله وحده تشريف وتكريم وسمو وكمال إنساني يوازي كمال النبوة أو يفوقها ، والعبودية لغيره مهانة وإذلال وهبوط إلى ما هو دون الحيوانية والبهيمية . ولقد نال الأنبياء والرسل والصالحون أشرف وأحسن مدح من الله سبحانه وتعالى وأعلى مرتبة دينية  يطمح إليها الإنسان ، إذ سماهم بعباده وأضافتهم إلى اسمه بفضل إخلاصهم في العبودية لله ، فقال في أكثر من آية [ واذكر عبدنا داوود ... ] ( سورة ص 17 ) [ وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ] ( سورة الفرقان 41 ) [ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ] ( سورة الكهف آية 1 )  ويؤكد هذا التوجه في الفهم قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ترفعوني فوق حقي فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ) " حديث مرفوع " . الحقيقة أن النبوة هي ثمرة الإخلاص في العبودية لله وحده ، والحرية الحقيقية هي الدخول في عبودية الله ونيل شرف الانتماء إلى عباد الله يقول القاضي عياض :

              ومما زادني شرفا وتيها ....     وكدت بأخمصي أطأ الثريا  

             دخولي تحت قولك يا عبادي .... وإن صيرت أحمد لي نبيا

إن الحرية في الإسلام ضرورة إنسانية، وفريضة إلهية، وواجب شرعي لا يجوز التنازل عنها ، أو التفريط فيها ، والموت دونها شهادة ، فهو دفاع عن الكرامة والعرض والمال والاعتقاد . لقوله صلى الله عليه وسلم :  ( من قتل دون ماله  فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو  شهيد .) " حديث مرفوع أخرجه أوبو داود ، والنسائي والترمذي عن سعيد بن زيد وسنده صحيح . وهي فطرية ،غريزية ، تولد مع الإنسان [ إنا هديناه السبيل  إما شاكرا وإما كفورا ] ( سورة الإنسان  آية 3) . وقوله [ ألم نجعل عينين ولسانا وشفتين وهديناه  النجدين ] ( سورة  البلد آية 8 – 9- 10 )  .  لم يخلقها الله  هملا ، بل قيدها بتوجيهات وتكاليف شرعية ، حتى لا يسوء استعمالها ، كما أساءت الوجودية والماركسية  فهمها ، إذ ترى الأولى أنها لعنة ترقد على الإنسان شاء أم أبى ، لا تتقيد بأي قيد أو شرط فهي مطلقة ، تشجع على الجشع والطمع في كل شيء ، وعلى الاستبداد والطغيان وتدمير الغير والذات ... والثانية  تنفيها وترفضها وتنادي بالجبرية . وهذا النوع من الحرية الأكذوبة لها نتائج مأساوية ، إذ تفتح الباب في وجه أنواع شتى من الموبقات والأخلاقيات ، وتحول الإنسان إلى عبد لأتفه ما في الحياة  إذ تبيح له اللواط  والسحاق والزواج المثلي وممارسة الفاحشة في الأماكن العامة دون مراعاة لشعور الآخر ولقيمه الدينية والعرفية والأخلاقية ، وتزين له  ممارسة الدعارة  باعتبارها  عاملا  مساهما في التنمية والاقتصاد ، -  كما عبرت عن  ذلك المستشارة البرلمانية  خديجة زومي عن حزب الاستقلال في مداخلة لها أمام المستشارين جاء فيها " إن الدعارة تساهم في اقتصاد البلاد ويجب أن تكون لدينا الجرأة للإقرار بذلك " ( نقلا عن مقال نشر بتاريخ 17\6\2014 لطارق بنهدا    بهسبريس  ) -  وتحثه على التطبيع مع الأسرة الأموسية واحتضانها  للأبناء غير الشرعيين و تنصحه  بقتل أبناء الشوارع ، كما تقتل الكلاب الضالة للتخلص من مشاكلهم كما اقترح  ذلك  نصار عبد الله ( نشرت صحيفة " المصري اليوم " مقالا بتاريخ 22\6\2014  للكاتب نصار عبد الله أستاذ الفلسفة بجامعة سوهاج  بمصر تحت عنوان " أطفال الشوارع  " اقترح فيه على المصريين تبني الحل البرازيلي الذي سمح للشرطة  قتل الأطفال المشردين للتخلص من مشاكلهم )  . وأخضعت عنقه  لإيديولوجيات حزبية وأفكار فلسفية مادية غايتها إتيان المحرمات وإشباع الشهوات من  : ( جسد المرأة ، المخدرات ، المسكرات ، المادة ، الغناء ، الرقص ، الهوى ، وما يفتي ويملي الشيطان من مخالفة الله والعقل ... وهذا أمر يثير الاشمئزاز ويحط من الكرامة  ويغرق في الظلمة والتيه والفساد ... ) . ولقد صدق ابن خضرويه أبو حامد أحمد البلخي إذ قال : " في الحرية تمام العبودية ، وفي العبودية تمام الحرية " ( نقلا  عن مقال للدكتور نضير الخزرجي نشره تحت عنوان " الحرية والعبودية من منظور الشرع والعقل موقع أخبار الدانمارك  .                                                       

إن الهدف الوجودي للإنسان هو تحقيق العبودية لله جل جلاله [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ] ( سورة الذاريات آية 56 ، 57 ، 58 )  وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن الإنسان ذو إرادة  ومشيئة حرة وقدة على الفعل الاختياري الحر غير خاضع لأي تأثير خارجي أو إرادة غريبة عنه . فمن اختار العبودية لله باعتبارها أصل لكل الأخلاق الفاضلة ، التي حث عليها ديننا الحنيف، كان مطمئنا في كل أمور حياته ، آمنا من طغيان الهوى والشيطان ، وكان  حراغير مقيد إلا  مما اختاره  لنفس من التزامات وعهود ومواثيق رتب على أساسها سلوكه تجاه الله [ ثم  قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون]( سورة الحديد آية 27 )  . ومن اختار الحرية  المطلقة لنفسه خارج طاعة الله وعبوديته وحده  لا شريك له ،  وتصرف في حياته دون الضوابط التي حددها له الله وخارج التكاليف الإلهية التي أوجبها ، سقط في  عبودية الثالوث الشرير ( النفس ، والهوى ،  والشيطان )  المخالف لله ، المتآمر على العقل ، المتلاعب بالفطرة ، ثم أضاع  الحرية ، أساس الكرامة الإنسانية والانعتاق من العبودية لغير الله ، مع ضياع الهدف من الوجود الإنساني . يقول أبو الأعلى المودودي رحمه الله ، فعبادة الله والخضوع التام  لسلطانه هو " صك للحرية البشرية الحقيقية " نقلا عن ( نظرية الحاكمية في الخطاب الإسلامي المعاصر :كتاب : الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية : دمشق ، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية ط3 ، سنة 2000 ) .                    

 علمتنا المدرسة ونحن أطفالا عبارة أن حريتك تنتهي عند بداية حرية غيرك ، أو حريتك تنتهي عند حرية الآخرين ، أي عليك أن لا تضر الآخر ولكن هل الذي يشرب الخمر في بيته  ويدخن في بيته ويزني في غفلة من الناس والمجتمع والذي يكتب وينشر الفاحشة ويدعو إلى الرذيلة والفساد  ويسب الله ويستهزئ بالأنبياء والرسل ويتطاول على ما أومن به من ثوابت دينية ووطنية  ونصوص قطعية وأحكام شرعية وردت في الإرث والطلاق  والنكاح والولاية والحجاب  والربا والحدود ، كحد السرقة والزنا وشارب الخمر جهارا نهارا باسم حرية التعبير والتفكير لا يتعدى على حريتي ولا يضرني  ؟ أليس الذي يقوم به  تسفيها لديني واعتداء على معتقدي ، وما أومن به من حلال وحرام  وما أتمده من قيم وأخلاق ؟ ألا يلحق هذا بي ضررا دينيا ونفسيا واجتماعيا بالغا  ؟ أليس هذا استفزازا لي و للكثيرين ممن لهم نفس قناعاتي العقدية والتشريعية والأخلاقية ؟... الحرية  يا عقلاء هي أن يرضى الله أولا ، ثم لا تعرض نفسك ، أو غيرك لضرر مهما كان دينه أو توجهه وهذا ما أمرنا  به ربنا جل جلاله  في قوله سبحانه وتعالى  [  ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم  مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ] ( سورة الأنعام آية 108) وما فهمناه من قوله صلى الله عليه وسلم ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ). قيل : يا رسول الله  وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : (يسب  الرجل أب الرجل ، فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه  ) رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما صحيح البخاري  ) .                                          

إن الحرية المطلقة التي ليس لها حدود ، ولا عليها قيود ، ولا مجال لخوف الله فيها ، تبيح لصاحبها فعل ما يريد ، ومتى يريد ، وأين ما يرد ، وهي التي يتبجح  بها دعاة الفكر العلماني الإلحادي ، وهي التي فعلت بالمجتمعات الإنسانية والبيئة ما لا يمكن تصوره من الفساد والدمار في البر والبحر ، وأهلكت الحرث والنسل وتسببت في أمراض اجتماعية أهمها التسلط والقهر للضعفاء المنبوذين ، وتقديم المصلحة والمنفعة الشخصية على مصلحة المجتمع والوطن ونشر الفواحش والموبقات باسم حرية الجسد والحرية الشخصية ، وهي التي ارتكب باسمها أبشع الجرائم  الاجتماعية والاقتصادية إذ شنت باسمها الحروب  المهلكة من أجل الاستيلاء على خيرات الضعفاء  وسرقتها ، كالحرب على العراق التي دمرته لأجل سرقة بتروله ، وكخلق حركة البوليزاريو ودعمها من أجل تقسيم المغرب ليسهل بعد ذلك سرقة خيرات صحراء المغرب وإضعاف قدراته الاقتصادية الموعودة المتمثلة في الفوسفاط  والبيترول  وكتقسيم السودان وجعل أهله شيعا وقبائل ينحر ويقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا حتى أفقرته وجوعت أهله وهو الذي كان العرب والمسلمون يعقدون عليه الأمل في أن يحقق لهم الأمن الغذائي بل يصبح سلة غذاء العالم . مآسي كثيرة غير التي ذكرت  تسببت فيها الحرية المطلقة  كاحتكار الغذاء والدواء وإلقاء الفائض من  الإنتاج الفلاحي  في البحار أو حرقه بقصد المحافظة على ارتفاع الأسعار دون الاهتمام أو الالتفات لفقراء العالم ، الذين يموتون يوميا جوعا ، ومن سوء التغذية . إن من فرط أنانية ، ونرجسية ، وجشع أنصار الحرية المطلقة ، أن سمحوا لأنفسهم بالاتجار حتى في أعضاء البشر كقطع غيار لترميم أجسام المترفين في الأرض ، وقتلوا أطفال الشوارع باعتبارهم مصدر إزعاج ورعب  ومشاكل ، تقلق  وتؤثر على راحتهم ، بدلا من إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع ، بل قتلوا أبناءهم إجهاضا ، حتى لا يشاركونهم طعامهم  وسكناهم بذريعة تنظيم النسل ، وقتلوا مرضاهم من ذويهم وأقاربهم بحجة الرحمة والشفقة ، وليبرروا جريمة القتل هذه ويخفونها  سموه القتل الرحيم  ، ورموا من طال عمره من آبائهم وأمهاتهم ، كسقط المتاع في دور العجزة ليتخلصوا من واجباتهم كأبناء تجاه الآباء .

أقل ما يقال عن دعاة  الحرية المطلقة أنهم عبيد لشهواتهم ولهواهم  يفعلون ما يأمرهم به الهوى والشيطان دون وازع ديني ولا رادع قانوني ، فما المخلص من هذه العبودية ؟

إن الإنسان عبد لله بالاختيار إن امتثل لما شرع الله له في دنياه ، ولم يتخذ إلها غيره  ، كما هو عبد له بالاضطرار بحكم الخلق والإيجاد ، وإن رفض وتمرد ، لأنه لا ملجأ له من الله إلا إليه . لقوله تعالى : [ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ] (سورة مريم آية 93- 94 – 95 ) . إن أهل الحرية المطلقة اتبعوا هواهم فأضاعوا حرية الاختيار ، التي تميزهم كعقلاء مكلفون ومسؤولون عن أفعالهم الإرادية  ، فسقطوا في الاسترقاق والعبودية لغير الله .

فأي العبوديتين تختار ؟.