جاء رمضان الخير.. فماذا أنت فاعل؟

رمضان ليس شهراً كسائر الشهور.

إنه موسم للتجارة الرابحة مع الله تعالى.

1- إنه شهر القرآن. عندما شرع الله عز وجل علينا الصيام في رمضان قال: )شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان (. فكأن الحكمة التي اقتضت أن يكون الصيام في هذا الشهر هي أنه شهر القرآن.

وكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل رمضان.

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم من أيام رمضان!.

وكان بعض السلف يختم القرآن في قيام رمضان كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر.

وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان جعل عبادته لله قراءة القرآن!

وكانوا يتخذون القرآن الكريم، في أوقاتهم كلها، وفي رمضان خاصة، للهداية والتدبر والعمل به ورفع رايته. أليس القرآن )هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان(؟! أليس الله عز وجل يقول: )كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آيته وليتذكر أولو الألباب(؟ سورة ص: 29.

روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ عَلَيّ " فقلت: اقرأ عليك، وعليك أُنزل؟! فقال: "إني أحب أن أسمعه من غيري" قال: فقرأت سورة النساء، حتى إذا بلغتُ: )فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً( قال: "حسْبُك"، فالتفَتُّ فإذا عيناه تذرفان. صلى الله عليه وسلم.

وقد قرأ عبد الله بن عمر سورة المطففين، حتى بلغ: )يوم يقوم الناسُ لرب العالمين( فبكى حتى خرَّ على الأرض!.

وقرأ الفضيل بن عياض سورة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ قوله تعالى: )ولَنَبْلُوَنّكم حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم( فصار يقول: يارب، إنْ بَلَوْتَ أخبارنا فضحتنا، وهتكت أستارنا... إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذّبتنا... ويبكي.

فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون يتدبرون القرآن الكريم، ويتفاعلون مع آياته ومعانيه.

2- وهو شهر الصيام. والصيام صبر. والصبر جزاؤه عند الله. قال تعالى: )إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب( سورة الزمر: 10. وفي الحديث القدسي الصحيح: "كل عمل ابن آدم له. الحسنةُ بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف. إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به" من حديث رواه البخاري ومسلم.

فلا غرابة أن يكون للصائم الأجر العظيم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.

3- وهو شهر القيام. وإذا كان قيام الليل فضيلة عظيمة كل أيام السنة فهو في رمضان فضيلة أعظم.

وقد وصف الله تعالى عباده، عباد الرحمن بقوله: )...والذين يبيتون لربهم سُجداً وقياماً(. ووصف المؤمنين بأنهم: )تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، ومما رزقناهم ينفقون(.

وكما كان جزاء الصائم، كان جزاء القائم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.

4- وهو شهر الصدقة. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة!.

ومن الصدقة إطعام الطعام وتوزيعه على الفقراء، وعلى الأصدقاء، وتفطير الصائمين.

وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي: "أفضل الصدقة صدقةٌ في رمضان".

وقال تعالى: )ويطعمون الطعام –على حبّه- مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله. لا نريد جزاءً ولا شكوراً(.

وروى أحمد والترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" حديث صحيح.

وقال بعض السلف: لأن أدعوَ عَشَرَة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحبُّ إليّ من أن أُعتِق عشرة من ولد إسماعيل!.

وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.

وفي عبادة إطعام الطعام التودد والتحبب للإخوان، ومجالسة الصالحين، واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بالطعام، لا سيما في تفطير الصائمين.

في الحديث الذي أخرجه أحمد والنسائي: "من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" حديث صحيح.

5- وهو شهر الجهاد في سبيل الله. ويكفي أن نتذكر أن كبرى المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام كانت في رمضان كغزوة بدر الكبرى (2هـ) وغزوة الفتح الأعظم (8هـ) ومعركة بلاط الشهداء (114هـ) وفتح عمورية (222هـ) ومعركة عين جالوت (658هـ)... وهكذا وهكذا، فكل هذه المعارك كانت في رمضان.

* * *

وبعد، فما أحرانا أن ندع الكسل والخمول والقعود، ونشمر عن ساعد الجد، ونُقْبل على الله تعالى صياماً وقياماً وتلاوة للقرآن وإنفاقاً في سبيل الله، وجهاداً في سبيله، حتى نرتقي إلى آفاق هذا الشهر العظيم!

اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم أعنّا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان.

اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام واجعلنا من عتقاء رمضان.

اللهم آمين آمين.

وسوم: العدد 670