الثبات من مضمون واجب الوقت

الإمام الشهيد حسن البنا

يقول الإمام رحمه الله في كلمات لا تنسي " إن العامل ليعمل من اجل الواجب أولا والأجر الأخروي ثانيا ثم الإفادة ثالثا وهي النصر والتمكين لدين الله أما المسلم الذي تضطرب عنده هذه المعادلة فهو مقصر "

فواجب الوقت ألان - لما تمر به أوطاننا من ذل واحتلال ونهب لثرواتها وعدم تحكيمها لشرع الله والفساد الذي استشري في المجتمع – هو الدعوة إلي الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر علي تكاليف الدعوة وأعبائها والقيام لهذا العمل كسرا لجاه الظالمين والمستبدين و المتجبرين و تقوية لقلوب أهل الدين.

وهناك نوعان من هذا العمل غير مطلوبين:

1- اندفاع فوق المطلوب

2- تضحية اقل من الواجب

وأمثلة النوع الأول:

- القصة التي حكاها الأستاذ محمود عبد الحليم عن الإمام البنا حين قام بزيارة احد المرضي في المستشفي فوجد الضمادات تغطيه من رأسه حتى قدميه فلما سال عما أصابه اخبر انه كان يعيب ويسفه من كانوا يطوفون حول ضريح الحسين !!

فتجمعوا حوله وقاموا بضربه بالأحذية وحدث ما حدث.

المثال الثاني: الفتية الذين قاموا بتكسير الخمارات و البارات والملاهي الليلية قال عنهم الإمام البنا " هذا تحدي لم يأت وقته بعد " وأمثلة كثيرة منها تغيير المنكر بالقوة والاغتيالات وتكفير الناس وخلافه.

أما أمثلة النوع الثاني:

- القصة التي حكاها الإمام البنا وما فعله مع احد مشايخ الطرق الصوفية (عبد الوهاب البطراوي)عندما قال له الإمام "نشيد وذكر طوال الليل وماذا بعد ؟ أين التعهد والرعاية وأين التعليم والإرشاد لهذه الجموع ؟"

- العلماء الذين لا يؤدون واجب الوقت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقارعة الظالمين وقول كلمة الحق.

لقد وضع الإمام البنا أساس العمل الإسلامي حتى لا تهدر الطاقات في غير موضوعها وهذه هي آفة العمل الإسلامي الآن إما اندفاع فوق المطلوب وإما تضحية فوق المطلوب.

أما القيام بواجب الوقت بمفهومه الصحيح فالأمثلة عليه كثيرة:-

- عندما خرج الشهيد سيد قطب من السجن عام 1964 عرف أن هناك مجموعة من الشباب يقرأون كتبه فقام بتكليف من الأستاذ الهضيبي بتربيتهم وتعليمهم وتوجيههم ورعايتهم وإرشادهم ولم يتعلل بكبر سنه أو بمرضه أو انه خارج من السجن للتو بعد عشر سنوات !!

ولم يقل يكفيني أن اكتب لهم المقالات والكتب لان هذه تصرفات دون المستوي.

وإنما واجب الوقت يقتضيه أن يقوم بهذه المهمة ويتحمل في سبيلها كل شيء حتى حياته.

ومن أقواله رحمه الله بعد سماع حكم الإعدام كلمة وجهها إلي الفصيل الذي حوكم معه:

" لي كلمة أحب أن أقولها في النهاية استقبل بها وجه ربي، لم نكن في هذه المحنة المفاجئة علي المستوي اللائق من التضحية فينبغي أن نعترف بأخطائنا حتى تتداركها الأجيال القادمة ولكن حسبنا إننا لم نكن السبب فيها إلا انه قدر الله وفعله الحكيم "

وكأن الشهيد سيد قطب كان يريد لهذه الفئة أن تصمد ولا تعترف ولكن التعذيب كان فوق الطاقة، كان يريد ثباتا وصبرا كسرا لجاه الظالمين والمستبدين و تقوية لقلوب أهل الدين كما صمد هو ورفيقه الشيخ عبد الفتاح إسماعيل.

- يحكي الدكتور صلاح عبد الحق احد أعضاء الفصيل الذي حوكم مع الشهيد عن صبر وثبات الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وهو مسئول أسرته قائلا:

" جاءوا بالشيخ أمام تلامذته محلوقا نصف رأسه ونصف حاجبيه ونصف شاربه ونصف لحيته للاستهزاء به ثم قاموا بتعذيبه أمامهم فما لانت له قناة وكان ثابتا كالجبال الرواسي بل كان يردد بصوت عال حتى يبث في قلوب جلاديه الرعب ويقوي قلوب أهل الدين من تلامذته كان يردد رحمه الله " إن تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخذيه ويحل عليه عذاب مقيم".

إنه لم يضعف ولو ضعف لضعفوا لان الضعف يعدي والقوة تغري "

- مثال آخر لواجب الوقت:

الفلاح إسماعيل عبد العال فلاح بسيط لكن تشرب العزة والصبر والثبات من دعوته قيل له ادع الله أن يفرج عنا فقال " أنا لا اشعر إنني في سجن أو في محنة... ولكن سادعوا لأجلكم بشرط أن يفرج عنا وعبد الناصر غير حي

فقيل له لماذا:

قال: الإفراج منة تتطلب الشكر وهو لا يستحقه بما فعله بنا وبدعوتنا وأنا لا اقبل منة من عدو واستشهد ببيت شعر:

واظمأ إن ابدي لي الماء منة      وان كان لي نهر المجرة موردا

يحكي الراوي قائلا: قال لي ذلك ونحن في ليل لا يطلع عليه إلا اللطيف الخبير وما كنت أتصور أن احكي هذه القصة بعد أربعين سنة من حدوثها "

ولكن صدق الإمام البنا حين قال ( لن يحدث وقت طويل حتى يروي الصادق قصتنا ويقول التاريخ النظيف كلمته ولتعلمن نبأه بعد حين ".

لقد أدي الشهيد العالم والشيخ الفقيه الفلاح البسيط واجب الوقت من الصبر والثبات كسرا لجاه الظالمين والمستبدين والمتجبرين وتقوية لقلوب أهل الدين

يقول الرسول وهو خارج إلي غزوة حمراء الأسد " لا يخرج معنا إلا من أثخن في جراحه "

وذلك لان الضعف يعدي والقوة تغري يقول تعالي " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا اجر عظيم ".

والله أكبر ولله الحمد

وسوم: العدد 693