السفينة في سورة الكهف، درس وموعظة... من كتاب رأيت الله

و السفينه التي جاء ذكرها في سورة الكهف مَثل من أمثلة تلك الخفايا .. فهي سفينه كانت لمساكين يعملون في البحر .. و كان في أعلى البحر ملك يتربص لكل سفينه فيأخذها غصبًا . . ولم يكن موسى يعلم من أمر هذا الملك شيئًا ولا أصحاب السفينه المساكين كانوا يدرون شيئًا عمّا ينتظرهم . . الوحيد الذي كان يعلم كان رجلًا حكيمًا آتاه الله العلم. 

وعمدَ الرجل الى السفينه فخرقها ليرى فيها الملك شيئًا تالفًا هالكًا لا يستحق أن يغصبه فيتركها لأهلها .

و فوجيء موسى بهذا العدوان الصارخ وهذا الإتلاف المتعمد الذي يقوم به الرجل لشئ لا يملكه، ورأى فيما يفعله جريمة غادرة بدون وجه حقّ . . ولم يستطع صبرًا ولا سكوتًا ورفع صوته بالاحتجاج والاعتراض. . وكان على خطأ في اعتراضه ولم يدرك أن ما يفعله الرجل هو الإنقاذ وليس التخريب .

و كانت هذه القصة درساً لموسى ليتعلم التواضع وليعرف أن هناك من يعلم أكثر منه . . وهي درس لنا لنعلم أن لا شيء يحدث عبثاً .. و أن وراء الأقدار التي تبدو غادرة في مظهرها حكمة . . وأن كل قطرة دم تسيل لا تُهدَر سُدَى وإن ظهر لنا من سطح الحوادث أنها أُهدرت سُدَى .. إنها تبدو كالعبث و اللامعقول بالنسبة لمن لا يعرف كيف يقرأ الحوادث ، و لكن الذين أوتوا البصائر يعرفون أنه سيكون لها دور لأن كل سطر في ملحمة الوجود له معنى .

د. مصطفى محمود

من كتاب / رأيت الله

وسوم: العدد 696