وقفه مع سورة الكافرون

لماذا تكرر قوله تعالى :

"لا أعبد ما تعبدون . ولا أنتم عابدون ما أعبد . ولا أنا عابد ما عبدتم . ولا أنتم عابدون ماأعبد " ؟

لماذا عبر بالاسم فى قوله عن الكفار : " ولا أنتم عابدون ما أعبد " ولم يعبر بالفعل فيقول ( ولا أنتم تعبدون ما أعبد ) ؟

اﻷقوال فى السر فى تكرار اﻷفعال :

المراد بقوله : "لا أعبد ما تعبدون" نفى الفعل ؛ ﻷنها

جملة فعلية .

والمراد بقوله : "ولا أنا عابد ما عبدتم" نفى قبوله لذلك بالكلية ؛ ﻷن النفى بالجملة الاسمية آكد.

فكأنه فى الجملة اﻷولى نفى عن نفسه عبادة معبودات المشركين ..

وفى الثانية نفى اﻹمكان الشرعى لذلك .

وهو ما ذهب إليه ابن تيمية

وقيل من باب التأكيد كقوله :"فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ".

وهو ما ذهب إليه الشوكانى رحمه الله فى (فتح القدير )

وقيل : "لا أعبد ما تعبدون " أى من المعبودات .

" ولا أنا عابد ما عبدتم " : أى لا أسلك طريقتكم فى العبادة .

فكل عابد لابد له من أمرين :

- معبود يعبده.

- عبادة يسلكها إليه .

فمعبود المسلمين هو الله عز وجل

وعبادتهم هى ماشرعها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولهذا كانت كلمة اﻹسلام :

لا إله إلا الله محمد رسول الله

أى : لا معبود إلا الله

ولاطريق إليه إلا شريعة رسول الله

صلى الله عليه وسلم .

والمشركون يعبدون غير الله

وعبادتهم لم يأذن بها الله.

ولهذا قال لهم :

"لكم دينكم ولى دين "

فإن الدين هو مجموع اﻷمرين :

المعبود ، والعبادة .

فأظهر البراءة من معبوداتهم وعباداتهم ..

كقوله : " أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون "

وهو ما ذهب إليه ابن كثير فى تفسيره .

وقيل النفى فى الجملة اﻷولى للحال والثانية للمستقبل

فكأنه يقول : لا أعبد ما تعبدون اﻵن ولا أنا عابد لمعبوداتكم فى المستقبل ؛ فمعبودى الحق واحد فى الحال والمآل لاأرضى به بدلا ولا أبغى عنه حولا ؛ بخلاف الكافرين فإنهم يعبدون أهواءهم ويتبعون شهواتهم فى الدين فيعبدون اليوم معبودا وغدا غيره.

الجملة اﻷولى فعلية تدل على التجدد والحدوث ، والثانية اسمية تدل على الوصف الثابت

فكأنه قال : عبادة الله لا تكون فعلا لى ولا وصفا لى.

وهو ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله

عبر بالاسم فى قوله عن الكفار : " ولا أنتم عابدون ما أعبد " ولم يعبر بالفعل فيقول ( ولا أنتم تعبدون ما أعبد ) : لأن شركهم لايصح أن يسمى عبادة ؛ فنفى عنهم الوصف بالعبادة مطلقا فقال :

" ولا أنتم عابدون " فهم وإن كانوا يعبدون الله ومعه غيره فلم ينف عنهم الفعل فى القرآن ، ولكن نفى الوصف ﻷن من عبد غير الله لم يصح أن يوصف بأنه عابد لله .

قال ابن القيم :

فتأمل كيف أنه لايوصف بأنه عابد لله وأنه عبده المستقيم على عبادته إلا من انقطع إليه بكليته وتبتل إليه تبتيلا ولم يلتفت إلى غيره ولم يشرك به أحدا فى عبادته ، وإنه إن عبده وأشرك معه غيره فليس عابدا له ولا عبدا له .

فياأيها المسلمون

تبرءوا من كل معبود غير الله

تبرءوا من الطواغيت واﻷنداد

فلا تقبل منكم عبادة حتى تخلصوا دينكم لله

ولن تنفعكم لا إله إلا الله حتى تحققوا النفى واﻹثبات فيها

فأما من أثبت ولم ينف .. من عبد الله ولم يتبرأ ممن سواه فهو ومشركى قريش سواء وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم

فإن ملة إبراهيم حنيفا هى التبرؤ كما قال :

"إننى براء ما تعبدون .إلا الذى فطرنى "

وياأيها المسلمون

تبرءوا من كل بدعة محدثة لم يأذن بها ربكم ولا شرعها نبيكم

فإنكم لا تردون على الحوض إلا إذا أخلصتم الاتباع وأتيتم سنة نبيكم بيضاء نقية من شوائب البدع والمحدثات فحينئذ يحق لكم أن تشربوا من ماء الكوثر الذى هو أبيض من اللبن وأحلى من العسل .

استمسكوا بدينكم الذى ارتضى الله لكم

أخلصوا العبادة .. وأخلصوا الاتباع

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وسوم: العدد 704