من وحي آيات الصيام

الشيخ عمار أبوالشامات

أيُّها الأحبَّة:

غدا  ان شاء الله ربما يكون  اول ايام  شهر رمضان..

 اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ  . وان يجعله شهر خير وبركة وان يزيل الغمة عن هذه اﻻمة برحمته وكرمه..

 ورمضان  -احبتي الكرام-خمسة أحرف، الراء والميم والضاد والألف والنون؛ الرَّاء من رمضان: رحمة، والميم مغفرة، والضَّاد ضمان للجنَّة، والألف أمان من النَّار، والنُّون نور من الله العزيز الغفَّار..

رمضان جامعة الخير كلّه؛ لأنَّنا نكون في ضيافة الرب العفو الغفور:

أَصْبَحْتُ ضَيْفَ اللَّهِ فِي دَارِ الرِّضَا      

  وَعَلَى  الكَرِيمِ   كَرَامَةُ   الضِّيفَانِ

تَعْفُو المُلُوكُ  عَنِ  النَّزِيلِ  بِسَاحِهِمْ  

      كَيْفَ  النُّزُولُ   بِسَاحَةِ   الرَّحْمَنِ

معاشر اﻻخوة:

ثﻻثة أسئِلة نجيب عنها في خطبتنا  اليوم.

 السؤال الأوَّل: كم مرَّةً ذُكر الصيام في القرآن الكريم؟ 

والثاني: لماذا وضع الله تعالى الصيام بين الإيمان والتَّقوى؟

والثَّالث: لماذا وضع الله آية الدُّعاء بين آيات الصيام؟

كم مرَّةً ذكر الصيام في القرآن الكريم؟

ذكر الله الصيام في القرآن الكريم أربع عشرة مرَّة، سبْع مرَّات في سورة البقرة وحدها، ومرَّة في سورة النِّساء، ومرَّتين في سورة المائدة، ومرَّة في سورة مريم، ومرَّتين في سورة الأحزاب، ومرَّة في سورة المجَادَلة  .

و أنتقل  بحضراتكم لﻹجابة عن السؤال الثاني: لماذا وضع الله الصيام بين الإيمان والتقوى في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

(يا أيها الذين آمنوا)، لم يقُل: يا أيُّها الناس، ولم يقل: يا عبادي كتب عليكم الصيام، إنما خاطب المؤمنين بالذات؛ لأنَّ الذي يستجيب لأمر الله عزوجل  هو المؤمن الذي خالط اﻻيمان قلبه ، عندما يسمع الله تعالى ينادي عليه  يقول: لبَّيك ياالله، هأنذا واقف بين يديْك، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾، الإيمان أوَّلاً، والصيام ثانيًا، والتقوى ثالثًا، فلماذا جاء الصيام بين الإيمان والتقوى؟ ولكي نُجيب عن هذا السؤال لا بدَّ لنا أن نسأل سؤالين اثنين: ما هو الإيمان؟ وما هي التقوى؟ ثم نسأل سؤالاً ثالثًا: ما محلّ الإيمان وما محل التقوى؟

أمَّا الإيمان فهو أن نؤمن بكل ما جاء به نبيُّنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكلِمة الإيمان هنا معناها التَّصديق، التَّصديق بماذا؟ بكل ما جاء به سيِّد الرسل؛ أن نؤمِن بالله وملائكته وكتُبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، هذا هو الإيمان؛ ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

فما هي التقوى؟ يفسِّرها لنا سيدنا علي - كرَّم الله وجْهَه - وهو ربيب بيْت النبوَّة الذي تربَّى في حجر  الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفسر لنا سيدنا علي التَّقوى بأرْبع كلمات فيقول: "التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

وهي كما عرَّفها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضِي الله عنه -: "أن يطاع الله فلا يُعْصَى، وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأن يُشْكَر فلا يكفر".

الإيمان تصديق بالقلب، والتقوى محلُّها القلب، فقد أشار الحبيب المصطفى - صلَّوات ربي وسلَّامه عليه - إلى صدره وقال: ((التقوى هاهنها)) الإيمان محلُّه القلب، ليس الإيمان بالتمنِّي ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل، والتقوى محلها القلب والإيمان في القلب، وكذلك الصيام سر بينك وبين ربِّك لا يعلمه إلاَّ هو.

فإذا كان الإيمان أمرًا سريًّا، وكانت التقوى أمرًا سريًّا، وكان الصيام أمرًا سريًّا، فناسب ذلك أن يأتي الصيام بين الإيمان والتقوى؛ لأنَّ الثلاثة أمورٌ سرّيَّة لا يطَّلع عليها إلا علام الغيوب، ولذلك اسمع إلى مايقوله مولانا  عزوجل في الحديث القدسي الجليل يؤكد سرّيَّة الصيام، فيقول: ((كلُّ عمل ابنِ آدمَ له، إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرْفُثْ، ولا يَصْخَب، فإن شاتمه أَحَدٌ أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم، والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لخَلُوفُ فمِ الصَّائم أطيبُ عند الله من ريح المسْك، للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطر فَرِحَ بفطره، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه))؛ متَّفق عليه.

أمَّا السؤال الثالث: لماذا وضع الله آية الدعاء بين آيات الصيام؟ لم وضعت الآية: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، الآية التي قبلها: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ الآية، والآية التي بعدها: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾، فلماذا جاءت بين الآيتين آية الدعاء؟

ولهذه الآية قصَّة لا بأس من ذكرها، عندما جاء أعرابي إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - يسأله: يا محمَّد، أقريبٌ ربُّنا فنُناجيه أم بعيدٌ فنُناديه؟ وقبل أن يُجيب - صلَّوات ربي وسﻻمه عليه - كان أمين وحي السَّماء جبريل عليه السﻻم يجوب الآفاق بقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ولنا في هذه الآية وقْفة: لماذا اختلفتْ هذه الآية بالذَّات عن جَميع آيات السُّؤال الموجَّهة إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن؟ أيّ سؤال وجِّه إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن جاءت الإجابة: قل، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 217]، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219]، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189]، ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴾ [طه: 105]، ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85]، أمَّا آية الدعاء: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ﴾ فلم يقُل: قل لهم إنّي قريب، إنَّما تولَّى الله الإجابةَ بنفسه، وقال: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ حتى لا يكون بين العبد وبين الله أيُّ واسطة في الدُّعاء، فإذا سألتَ فقُل: يا الله، وإذا استعنتَ فقل: يا الله، إذا جلستَ على فِراش المرض فقل: يا الله، وإذا جاءك ملك الموْت فقل: يا الله.

فلماذا جاءت آية الدُّعاء بين آيات الصيام، والجواب من فَمِ رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -: ((إنَّ للصَّائِم عند فطره دعوةً ما تُرَدّ)).

 نسأل الله تعالى ان يعنينا في رمضان على الصيام والقيام وغض اللصر وحفظ اللسان ...

الخطبة الثانية:

 ايها اﻻحبة: علينا ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك ان نعد انفسنا للاستفادة من هذا الشهر المبارك بنيل مزيد من الطاعات حتى نلقى الله وهو راض عنا ..  واليكم خمسة أمور  أذكر نفسي وإياكم بها  :

أولاً: بادرْ إلى التوبة الصادقة , المستوفية لشروطها 

ولنتذكر قول الله عزوجل:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الآية - الزمر

 إنها الرحمة التي تسع كل معصية مهما كانت، إنها دعوة  للعصاة  إلى الأمل والثقة بعفو الله ورحمته، فإذا ما تسلطت عليه لحظة يأس وقنوط، سمع هذا النداء الندي اللطيف، الذي يعلن أنه ليس بين المسرف على نفسه إلا الدخول في هذا الباب الذي ليس عليه بواب يمنع، ولا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان.

ثانياً: تعلَّمْ ما لابد منه من فقه الصيام وأحكامه وآدابه..واسأل اهل العلم إن اشكل عليك أمر

ثالثاً: اعقد العزم الصادق والهمة العالية على استغلال رمضان بالأعمال الصالحة ,  وتحر أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً .

رابعاً: استحضر أن رمضان كما وصفه الله عزَّ وجلَّ ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)، فهو موسم فاضل ، ولكنه سريع الرحيل .. واستحضر أيضاً أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة سرعان ما تذهب بعد أيام ، ويبقى الأجر ، وشَرْحُ الصدر بإذن الله ، أما المفرط فإن ساعاتِ لهوه وغفلته تذهب سريعاً ، ولكن تبقى تبعاتها وأوزارها .

خامساً ً : التخطيط والترتيب لبرنامج يومي للأعمال الصالحة كقراءة القرآن ،والذكر والصﻻة  في المسجد ، والجلوس مع الأهل واﻻهتمام بهم وبعباداتهم ، والصدقة ، والقيام ، والاعتكاف في المساجد ان امكن ،  وغيرها من الأعمال الصالحة ، فلا يدخل عليك الشهر وأنت في شَتات ، فتحرمَ كثيراً من الخيرات والبركات .

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كنتم تعملون).

وسوم: العدد 722