إشراقات من سورة الأنعام 18

إشراقات من سورة الأنعام

(سنّة الله الثابتة في الدعوة والدعاة)

د. فوّاز القاسم / سوريا

(( ولقد كُذبت رسلٌ من قبلك , فصبروا على ما كُذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا , ولا مبدل لكلمات الله , ولقد جاءك من نبأ المرسلين )). .

إن موكب الدعوة إلى الله موغل في القدم , ضارب في شعاب الزمن , ماض في الطريق اللاحب , ماض في الخط الواصب . . مستقيم الخطي , ثابت الأقدام . يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل , ويقاومه التابعون من الضالين والمتبوعون  ويصيب الأذى من يصيب من الدعاة , وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء . .

ولكن الموكب يسير في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا ينكص ولا يحيد . .

والعاقبة هي العاقبة , مهما طال الزمن ومهما طال الطريق . .

إن نصر الله دائما في نهاية الطريق: ( ولقد كذبت رسل من قبلك , فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا , ولا مبدل لكلمات الله , ولقد جاءك من نبأ المرسلين). .

كلمات يقولها الله - سبحانه - لرسوله [ ص ] . . كلمات للذكرى , وللتسرية وللمواساة , والتأسية . . وهي ترسم للدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله من بعد رسول الله [ ص ] طريقهم واضحا , ودورهم محددا , كما ترسم لهم متاعب الطريق وعقباته , ثم ما ينتظرهم بعد ذلك كله في نهاية الطريق . . .

إنها تعلمهم أن سنة الله في الدعوات واحدة . كما انها كذلك وحدة . وحدة لا تتجزأ . دعوة تتلقاها الكثرة بالتكذيب , وتتلقى أصحابها بالأذى . . وصبر من الدعاة على التكذيب وصبر كذلك على الأذى . . وسنة تجري بالنصر في النهاية . . ولكنها تجيء في موعدها . لا يعجلها عن هذا الموعد أن الدعاة الأبرياء الطيبين المخلصين يتلقون الأذى والتكذيب , ولا أن المجرمين الضالين والمضلين يقدرون على أذى المخلصين الأبرياء الطيبين ! ولا يعجلها كذلك عن موعدها أن صاحب الدعوة المخلص المتجرد من ذاته ومن شهواته إنما يرغب في هداية قومه حبا في هدايتهم  ويأسى على ما هم فيه من ضلال وشقوة , وعلى ما ينتظرهم من دمار وعذاب في الدنيا والأخرة . . لا يعجلها عن موعدها شيء من ذلك كله . فإن الله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه . ولا مبدل لكلماته .

إنه الجد الصارم , والحسم الجازم , إلى جانب التطمين والتسرية والمواساة والتسلية..