ومضة صرير..

أزح نواظر عشقك للوراء، فلعل الذي صار يُحيي الذكريات..

فــ الذكريات شاهدة بين الأمس وزهور الهمس!

على ضفة نهرٍ قلبنا أكف التمني، فما حال من وشم ذاته في الماء الآسن؟! حين بعُدت المسافة، كتب على وسادة السفر:

يا فرحة الحادي على صوت فـلاح

وشعاد تالي للمحب وينشر شعرها

ويا وقفــة المحبـوب لعيـون ذبــاح

وكيف الرمش ميبين وباقي نحرها

وأيُّ دمعٍ يُسكن الخاطر ويمسح النواظر؟

مصرع الوتر!

أعتقت لأجلكِ كل الحروف، فارتشفت من أطرافكِ خمر العشق رغبة ولذة من فناجين أوقاتكِ..

وحين امتطت أصابعي جدائل شعركِ خرَّ الوتر صريعاً على نحركِ..

فتزاحمت كل المعاني على خُبز ريقكِ..

فتذوقت طعم الحب، ولعقت شهد العشق، وتلذذ الشوق بليلٍ عارٍ!

فتوسد الحنين على وسادة مقلتيكِ خلسةً، وتوارى فوق أمواج الهيام..

أجل، أسميت مدكِ روحاً، وجزركِ حياةً، وطوفانكِ جنوناً..

فازرعيني جورية بين أهدابك..

فإذا اشتعلت عناوين السمر، أكتبي حكايتنا لكل العابرين.

الذكريات لا تموت برحيل أصحابها. على دكة التعجب..

كبرنا فوق يدٍ كافية، وضحكة عالية، فما موقفُنا حين أتخمتنا البطون، وسيجتنا الظنون؟

نعم، العُمر ماضٍ وختامه الشيب الذي صال وجال وأضعف أبطال..

فما قولنا نحن تجاه بعضنا في الحضور والغياب؟

ألحفنةٍ تُبلى السرائر وتُجلى البصائر؛ أم هي آنية عارية لكل مارٍ منا يغترف؟

مررنا على ضواحي شتى، ويا الله حسن الخاتمة كما قال أجدادنا الأوائل (رحمهم الله)..

لذا، أطلب الأجر واترك الأثر بكل نفسٍ يرتقي بالشهيق والزفير.

الحياة رسالة..

لا تسل هـــذا وذاك للمسيـــر

فاعرف الحق بمكنون الصرير

كــم بليــدٍ طــاله سـوط الحــدا

فعلام يرتقي صــــوت الصفير؟!

هكذا أوغل صوت القرار، وتغنى بالقيثار:

أني أخاف كلامها في قُبلةٍ شهية!

أهديته كتابي، فأشار على مُتكأ العُمر بالرحيل! الورد غاية أُمي وجدتي، فقل لهجرَّ كيف يسقيكِ القدح؟ أهب العطر بقايا ذكرى، فيحبسُني في سجلات الغزل! تباً لأفواهٍ تمدح ذاتها، وفي شداد الدهر تُلوح بالعطش! لا يبتغي الدهر جُدران الصور، وقد تشكل الوجه باسم الملامح! أنّى للحب كتاب ذاته وقد أدهشه رذاذ المطر؟! إن لم يكن صباحي تمرة، كيف يرنو حفيدي للسكاكر؟! على فُتات خُبزٍ تتغنى البلابل، فكيف للفقراء مقارعة الطرب؟! أراني فأراكِ، فكيف نحسب بيننا كلَّ المسافة؟! أشتاقكِ كوردٍ نديٍّ عطره المطر، أشتاقكِ كصدرٍ مُرهفٍ أشعله السمر.. تُفتش في المرايا عن بقايا وجهها، وفي الضفة الأخرى يسكن الوجع! لم تُبالي حُبيبات التوت وهي تتساقط من فمها، وشفيف لسانها يجمح للعسل..

كيف لا..

ألم تكن قُبلات المساء سُلافة حضورها فوق جيد الوسن؟!

أم أن ما يُثير خلخالها وجدها ترنم بذاك المضمخ الساجع على سجى تنهدات الاحتضان؟!

أشعلت بحر أناملي بتجديف الصرير، فكيف بأشرعة التيه على حوافِّ الغزل؟! حينما يُسطرنا الحب في مجراته، تترجل محبرة الروح من أبجديتها..

فلا تُبصر أمامها إلا غيوم الحرف التي اقترنت بها من جديد!

أُحبُ الورد وأخاف أنفاسه! نُفتش في جوف الليالي والرأس جاثٍ للمُخيلة! العُمر ماضٍ للذي كان هُنا، والطين باقٍ في فروع الارتحال! وتاقت الأيادي لبقايا الطعام، فكيف ينظر الله لأفعال البشر؟! أيُّ العصافير أُطيرها، وأقفاص عقلي ساقت للوصال؟! كقُبلةٍ تاقتْ جبين المساء، فكيف بالورد إذا رمى بنفسه فوق عناوين عطش؟! نشتم العطر من أفواه الندى، فترنو إلينا عناقيد الارتياح. هكذا نحن حين نحن لأنفسنا..

ما حال ذكرايَّ القديم

طوبى لأصوات الرنيم

لم تلتحفني الأيام يوماً بالتناسي حول رسالة الطفولة (بمنجرة الوالد رحمه الله)

 (القوني، الملزمة، المنقر، البارية، الفرميكا، البزة، النملية، الكبت، الرندة، مشارة الدز والسحب، القشبار، الچعب، الترندج، الشترة، والبتات).

إلى من أودع الجمال وتغنى بالخصال الخال: ياسين بن جمعة الصالح (سلمه الله):

تبخر يا نظر عيني عيني تبختر

وعسى دومك على راسي اتبختر

وقلي يا قمر ليلي عليهم

وهوى روحي من اشواقي عليهم

تبخر يا نظر عيني عيني تبختر

وعسى دومك على راسي اتبختر

توضأت روحي من فم قُدسها، فأنّى ليَّ الصلاة على سجادة لسانها؟! قال: لا تنظر صورتي لتمنحني ابتسامة فارغة! قال: وأتوق أطراف الحديث لأجلها، فكيف بمن أبكاني ثم رحل؟! إلى رائحة الطين بالفريج الشمالي مع التحية:

أيش أسوي بالبحر من دون رُبان

والمراكب جـدفت كلها وحدهــــا

والمراجل تتضح من غير بُرهـان

للذي يعرف طـواريها وسندهـــا

هكذا خلفتنا جدران البيوت بالتساؤل لكمية الماء (المرشوش) قوق صلابة ( الاسمنت البورتلندي):

حتى الدرايش تبتسم

وبس الروازن تنرسم

وشعـاد ثميـه يحتشـم

بغير الأراسـي تنجشم

بهاء الإعجاز دوزنة الإنجاز. هكذا الليل يعزفُنا على سيمفونيته المفعمة بأشواق الدفء والحنين:

أطرب المشموم ابلون النهار

غــرد البلبول ابصوت القرار

ورفرف البيرق اباقي عزوته

للـذي هـاليوم فـرحني ابجهار

ولدي: أراني فيكَ بالصغر، فلا تجزع مني بالكبر! الكلام الصادق كالتمر الطيب، فماذا تقول أوتاره:

أنت حديقة وقلبك البستان

وشلون تاكل هالعنب مني ورطبها؟!

إذا خانك التعبير لا تكثر التبرير. لا تُجاري سحاب الصيف بكلامه، فالوقت حافٍ بسلامه. الكتابة بصمت أفضل من ضجيج المديح. قالت يتيمة: أفي قلبي يسكن فقر أبي، أم في القلم الذي أبيعه ولا أعرف كيف أكتُبه؟! القصيدة أُنثى، فكيف يُدغدغها رُضاب الشاعر والمشاعر؟! أأخاف من ضعفي أم أجوب بتمرتي، وفي رُفاة الوقت أمانٍ مؤجلة؟! إذا قل الشُكر، عافت الطيور فُتات الشوارع! من أضحك يمّه سكّن همّه.

وسوم: العدد 760