الخاطرة ١٧٤ : الأنبياء ومراحل تطور الإنسانية الجزء ٦

خواطر من الكون المجاور

الإسلام هو آخر ديانة سماوية وهو يمثل المرحلة الأخيرة من حياة الطفولة وهي تلك المرحلة التي تسبق مرحلة البلوغ ، وهي المرحلة الأخيرة في التكوين الروحي للطفل ، حيث الطفل بعدها يدخل في مرحلة نمو جديدة مختلفة نهائيا عن مرحلة الطفولة حيث يصاحبها سلسلة من التغيرات الجسدية تجعل شكله يعبر عن جنسه فيما إذا كان ذكر أو أنثى .

في المرحلة الأخيرة من الطفولة يأخذ الطفل ما تبقى من تلك التعاليم الإلهية التي ستجعل تكوينه الروحي له صفات خاصة تحدد سلوكه وتصرفاته ليكون كائن إنساني يحمل في داخله جزء من روح الله .

حتى نستطيع فهم حقيقة هذه المرحلة لا بد ان نشرح بعض الرموز التي وضعها الله في دين الإسلام لتعطينا فكرة واضحة عن هذه المرحلة التي كانت عليها الإنسانية في زمن ظهور الإسلام .

في الإسلام من الناحية الروحية يعتبر يوم الجمعة من أهم أيام الأسبوع ، والسبب لأنه اليوم السادس في الأسبوع ، والمقصود منه بالضبط ليس الرقم ستة ، فهذا الرقم يعبر عن مرحلتين حيث كل مرحلة تتألف من ثلاثة أيام ، فيوم الجمعة في الإسلام هو رمز يعبر عن إكتمال النوعين من التكوين المادي والروحي. حيث الأيام الثلاثة الأولى ترمز عن مرحلة التكوين المادي وهي مرحلة تكوين الجسدي للإنسان ونقصد المرحلة الجنينية حيث يتم فيها تكوين أعضاء جسم الإنسان ليأخذ الجنين شكله الإنساني ، أما الأيام الثلاثة الثانية فهي ترمز إلى مرحلة التكوين الروحي ونقصد مرحلة الطفولة حيث فيها يحدث النمو الروحي والتي ستحدد طبعه وسلوكه ككائن حي.

لذلك نجد ان صلاة يوم الجمعة يشترط بها أن يتقدمها خطبتان قبل الصلاة وليس خطبة واحدة، فيبدأ الخطيب بخطبة الجمعة الأولى ثم يجلس بفاصل قليل ثم يبدأ للخطبة الثانية ، حيث كل خطبة هنا ترمز إلى مرحلة من المرحلتين، الخطبة الأولى ترمز إلى مرحلة التكوين المادي ، والخطبة الثانية ترمز إلى مرحلة التكوين الروحي، وهذه هي الحكمة الإلهية من وجود خطبتين وليس خطبة واحدة ، لذلك يجب ان يكون موضوع الخطبة الأولى يتعلق بالأمور المادية للمجتمع ، أما الخطبة الثانية فيجب أن يكون موضوعها يتعلق بالأمور الروحية للمجتمع ، ولكن للأسف بسبب عدم فهم الشيوخ معنى رمز يوم الجمعة وكذلك السبب الحقيقي لوجود خطبتين لصلاة الجمعة ، نجد ان مواضيع كل خطبة يتم بشكل عشوائي لا يعتمد أي مبدأ.

في سورة الجمعة الآية ٥ تذكر (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، معظم علماء المسلمين فسروا هذه الآية على أن المقصود منها هم اليهود الذين أُعطوا التوراة للعمل بها فلم يعملوا بها لانهم حفظوها لفظا ولم يفهموها ، فمثلهم في ذلك كمثل الحمار الذي يحمل كتبا ولكنه لا يدري ما فيها ، ولكن هناك حديث شريف يذكر ( من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ....) هذا الحديث يفسر المعنى الحقيقي للآية القرآنية فالمقصود من الحديث الشريف هنا هو أن الذي يتكلم أثناء خطبة الجمعة كأنه ينفصل عن الجماعة، وعندما ينفصل عن الجماعة يصبح كمثل الحمار الذي يحمل كتبا ولا يفهم ما في داخلها ، فهذه الآية التي ذكرناها قبل قليل لم توضع في سورة الجمعة ليكون تفسيرها يخص فقط اليهود ولكن ليخص الإنسانية بأكملها ، لأن الفرق بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان كائن فيه إحساس بالإنتماء إلى الجماعة ، ونقصد هنا كإحساس روحي وليس كإحساس مادي كما هو عند النمل او الغزلان او غيرها والتي تعيش في حياة جماعية ، فهذه الحيوانات تعيش في حياة جماعية لتأمين حاجاتها الجسدية ، بينما إحساس الإنسان بإنتمائه الجماعي فسببه وجود جزء من روح الله في تكوينه ، وهذا الجزء يدفعه إلى حاجة الإنتماء الجماعي ليتحد ويتعاون مع الأجزاء الأخرى من روح الله الموجودة في الأشخاص الآخرين ليستطيع الوصول إلى الكمال الروحي .

كلما كان الإنسان ارقى روحيا كلما تغير نوع الإنتماء الذي يشعر به ، والدين الإسلامي أعطى أهمية كبيرة لصلاة الجمعة لتكون رمزا لأرقى أنواع الإنتماءات وهو الإنتماء الإنساني أي الشعور بالإنتماء إلى عائلة كبيرة وهي الإنسانية بأكملها ، فالإنسان عندما خلقه الله أعطاه صفات أرقى بكثير مما نستطيع ان نتصورها ، ولكن بسبب خروج الإنسان من الجنة خسر هذه الصفات وتوزعت على الإنسانية بأكملها ، الله عز وجل أعطى لكل شعب قسم من هذه الصفات ، فالإنسانية اليوم مثلها مثل المعرفة التي تجزأت إلى عدة علوم ، حيث كل علم يحاول دراسة ناحية معينة لما يجري حولنا ، فحتى نستطيع فهم الحقيقة الكاملة لكل ما يجري حولنا يجب ان نوحد جميع العلوم لنحصل على رؤية شاملة للشيء او الحدث، وهذا ما حاول ان يفعله الإسلام فنجد ان اهم دور قامت بها الحضارة الإسلامية هو حماية وتطوير معارف الشعوب المحيطة الإغريقية والمصرية والهندية حيث حاول علماء المسلمين توحيدها لتأخذ شكلا اكثر تطورا، تماما كما تذكر الآية ١٣ من سورة الحجر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فكما تذكر الكتب المقدسة عن قصة الخلق بأن الله في البداية خلق آدم ومن ثم من آدم خلق حواء ،أي ان الله قسم الإنسان الأول إلى قسمين ذكر وانثى ، حيث كل قسم يكمل القسم الآخر ، هكذا تماما حدث مع الإنسانية فهي إنقسمت إلى عدة شعوب حيث كل شعب أخذ جزء من هذه الصفات ، لذلك فهي بحاجة للتعاون مع بعضها لتستطيع توحيد جميع الصفات التي وهبها الله للإنسان لتصبح الإنسانية عائلة متكاملة من جميع الصفات.

الله عز وجل يضع في الطفل في نهاية مرحلة الطفولة الإحساس بحاجته إلى الشمولية فيشعر الطفل بأنه جزء من الكل وأنه بحاجة إلى التعاون مع الآخرين ليصبح واحدا منهم .هذا الإحساس هو الذي يعطي الضوء الأخضر للجسم ليبدأ بالتغيرات الهرمونية ليبدأ جسد الطفل بالتحول إلى جسد جديد يشعره بأنه نصف كائن وأنه بحاجة إلى نصفه الآخر فعندما يكتمل بلوغ الإنسان عندها يشعر الرجل بأنه بحاجة إلى إمرأة والمرأة تشعر بأنها بحاجة إلى رجل . فعند نهاية مرحلة الطفولة تنتهي مرحلة التكوين الروحي للإنسان ، لذلك كان الإسلام آخر الديانات السماوية ومحمد صلى الله عليه وسلم كان خاتم الأنبياء ، لأن الله قد وهب الإنسان كل ما هو بحاجة له ليكون كائنا إنسانيا ، ولذلك كان اسم خاتم الأنبياء (محمد) له معنى الحمد والشكر، أي الإنسان يشكر الله لأنه خلقه في أحسن تقويم ، أي بمعنى إكتمال الخلق الروحي .

هناك رمز أيضا يدل على معنى هذه المرحلة وهو اسم بنت الرسول فاطمة ، فهذا الإسم الذي سميت به بنت الرسول ليس صدفة ولكن علامة إلهية تدل على معنى مرحلة فترة ظهور الإسلام في تاريخ الإنسانية ، فاسم فاطمة على وزن فاعلة و أصله من الفطم بمعنى فصل الولد ومنعه عن الرضاعة ، وكما يقال بأن العرب يسمون بناتهم بهذا الأسم تيمناً وتفاؤلاً أن تكبر الفتاة وتتزوج وتلد ويكبر ولدها وتفطمه . فأسم فاطمة الذي سميت به بنت الرسول كرمز هنا له معنى أن الرسول الذي من خلاله ظهر الإسلام إلى الناس قد مهد الطريق لتكتسب الإنسانية جميع الصفات الروحية التي تحتاجها الإنسانية ليكتمل تكوينها الروحي، لتسمح لها بالدخول في مرحلة البلوغ ، فاسم فاطمة هنا يعني وكانه نقطة الفصل بين مرحلة الطفولة والمرحلة التي بعدها .

هناك أيضا رمز آخر يوضح معنى مرحلة ظهور الإسلام في تاريخ الإنسانية ، فكما هو معروف عند المسلمين أن علي رضي الله عنه كان يلقب بعبارة ( كرم الله وجهه) لأنه لم يطلع على عورة أحد اصلاً وكذلك لأنه لم يسجد لصنم قط ، هناك كثير من العلماء المسلمين يعارضون تخصيص هذا اللقب لـ علي دون سائر الصحابة فحسب إعتقادهم أن أول من أستخدمه هم الشيعة من باب التعظيم والتكريم، ولكن رغم ذلك نجد أن هذا اللقب الذي يخص علي ويرفضه علماء السنة قد اصبح يستخدم من قبل الكثير من المسلمين العامة بغض النظر عن إنتمائهم الطائفي ، وكأن هذا اللقب قد تقبلته الامة الإسلامية باكملها، وهذا لم يحدث صدفة ولكن حسب رأيي- والله أعلم - هو حكمة إلهية لأنه يساعد على فهم حقيقة فترة ظهور الدين الإسلامي في تاريخ الإنسانية ، فعلي هو احد الخلفاء الراشدين وهو الوحيد الذي تنطبق عليه رموز الدين الإسلامي التي تفسر الفكرة التي نشرحها في هذه المقالة، ففترة نزول الإسلام كانت تلك الفترة التي كان علي فيها في آخر مرحلة من حياته الطفولية اي بعمر حوالي إحدى عشر سنة ، فالطفل في هذه المرحلة يكون بدون أعضاء تناسلية بمعناها الروحي ، فالأعضاء التناسلية في الطفل تكون تابعة لجهاز الإطراح فقط لأنها لا تعمل جنسيا وانما تساعد في عملية الإطراح ، لذلك يقال عن علي ان الله كرم وجهه لأنه لم يرى اعضاء تناسلية ، والسبب لأنها لم تكن موجودة اصلا ، فاللقب هنا رمزي وفهمه ومحاولة نقاشه إعتمادا على معناه الحرفي يعتبر عمى روحي لأنه يلغي مباشرة معناه الروحي. فعلي هنا هو رمز يفسر المكانة الروحية للإسلام في مرحلة ظهوره في تاريخ البشرية .

أما السبب الثاني لإعطاء علي اللقب (كرم الله وجهه) وهو عدم سجوده لصنم ، فيعني روحياً أن إحساسه مرتبط بالله فقط وليس لأي إله وثني آخر لأن الإله الوثني يخص عادة صفة واحدة والإحساس بصفة واحدة يعني رؤية مادية بينما الطفل خلقه الله برؤية روحية ترى كل الأشياء مرتبط ببعضها البعض ، وهذا فعلا ما يحصل في مرحلة الطفولة، فالطفل في مرحلة الطفولة كما ذكرنا في الأجزاء الماضية يكون تحت حماية إلهية وكل ما يجري حوله يدركه الطفل بمعناه الروحي حيث إرتباط الأشياء مع بعضها البعض يمكن رؤيتها فقط من خلال العلاقة الروحية بين هذه الأشياء ولهذا كان يوم الجمعة - والذي اسمه مصدره كلمة جمع - من أهم أيام الأسبوع عند المسلمين .

فلقب (كرم الله وجهه) الذي لقب به علي من دون سائر الخلفاء الراشدين ليس هدفه تقليل مكانتهم كما يحاول بعض علماء السنة تفسيره ، فهذا اللقب هو من عند الله عز وجل ليساعد على فهم حقيقة ما يحدث . ولهذا السبب تقبلته جميع الأطراف بصدر رحب واستخدمته في حديثها عن علي رضي الله عنه.

في القرن الثالث عشر عندما بدأت الحضارة الإسلامية تدخل في عصر الإنحطاط ، دخلت الإنسانية في مرحلة جديدة وهي مرحلة المراهقة ، هذه المرحلة تعتبر بمثابة ولادة جديدة للإنسان ، لذلك نجد ظهور حضارة جديدة في تاريخ الإنسانية وهي حضارة عصر النهضة والتي إسمها الحقيقي في تلك البلدان التي ظهرت فيها هذه الحضارة يعني (الولادة من جديد) والمقصود منها ليس الولادة من بعد الموت ، ولكن معناها تجديد الولادة ، اي الظهور بشكل جديد ، تماما كما يحصل عند بداية مرحلة المراهقة حيث تحدث عدة تغيرات جسدية وهرمونية ، فتظهر العضلات ويتوسع المنكبين عند الذكور بينما في الاناث يتوسع الورك ويكبر حجم الثدي . وتحدث أيضا تغيرات أخرى عديدة وأهمها فرز الحيوانات المنوية في الذكور والحيض عند الإناث.

اليوم نعيش نهاية مرحلة المراهقة، وهي مرحلة ما قبل الدخول في سن الرشد، لذلك نجد حدوث إضطرابات إجتماعية وروحية مشابهة تماما لتلك الإضطرابات التي يعاني منها المراهق حيث تصبح علاقته مع الكبار تعاني الكثير من المشاكل ، فنجده يرفض الرقابة ويحاول التخلص من السلطة ليشعر بالإستقلال الذي تفرضه عليه رغباته وشهواته ، فعندما يعيش المراهق في بيئة فاسدة عندها تتحول رغباته إلى رغبات تسيطر عليها الغرائز الحيوانية فيحدث معه صراع داخلي بين ما تشتهي نفسه وما يفرضه عليه الضمير ، فتصبح نفسيته متوترة وتثور عصبيته لأتفه الأسباب ، فيتمرد على الكبار ويحاول كسر القوانين التقليدية والعادات .

من يدرس سلوك المجتمع الحديث بتفاصيله الدقيقة سيجد أنها مشابهة تماما لمراهق تربى في بيئة فاسدة حيث ثقافة هذه البيئة الفاسدة جعلت غرائزه الحيوانية تنتصر على ضميره وعواطفه السامية، وهذا شيء طبيعي لأن روح السوء العالمية في نهاية كل حضارة تستطيع ان تأخذ السيطرة على عقول علماء المجتمع لتجعلهم يفهمون ما يجري حولهم فهماً ببغائيا مما يؤدي إلى دخول هذه الحضارة في عصر الإنحطاط ، ولكن القانون الكوني الذي يسيطر على تطور كل شيء يؤكد على ان سنة الله في الخلق تسير كما وضعها الله تعالى دون اي تحريف فهو يمهل ولا يهمل ، وأنه دوماً بعد كل إنحطاط ، تظهر حضارة جديدة تسمح للإنسانية في متابعة تطورها نحول الكمال الروحي والمادي.

وسوم: العدد 771