خواطر من الكون المجاور الخاطرة ٢٠١ : ابن رشد الفيلسوف المظلوم الجزء ٤

في الأجزاء الماضية من سلسلة (ابن رشد الفيلسوف المظلوم) ذكرنا بأن الله عز وجل أنعم على النبي يوسف عليه الصلاة والسلام علوم الحكمة والتي توحد جميع العلوم في علم واحد ، وقد أشار الله عن هذه الفكرة في الآية ٦٧ من سورة يوسف " وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ.... " والتي تفسيرها الصحيح يعني بأنه من يريد البحث عن حقيقة قصة يوسف عليه أن يستخدم العديد من العلوم ، فكل باب هو علم . وذكرنا أيضا أن علوم يوسف من بعده إنقسمت إلى قسمين : علوم روحية وعلوم مادية ، العلوم الروحية ذهبت ألى آسيا (الشرق) مع قوم موسى ومنهم وصلت إلى النبي سليمان ومن سليمان خرجت عقيدة (الكابالا اليهودية) . أما القسم المادي من علوم يوسف فذهب إلى أوربا (الغرب) وبالتحديد إلى بلاد اليونان وهناك ظهرت بعقيدة سُميت (الأورفيكية) نسبة إلى أسم أورفياس الذي يعبر عن القسم المادي من صفات يوسف . وفي هذه المقالة سنتابع الموضوع إن شاءالله لنشرح كيف ظهرت محاولات في تشويه حقيقة (الأورفيكية) وكيف حصل التدخل الإلهي لتأخذ هذه العقيدة أسم (الفلسفة) لتعبر بوضوع عن حقيقة علوم الحكمة.

قبل أن أبدأ بذكر ما حصل قبل أكثر من الفي عام ونصف في بلاد اليونان ، أود أن أذكر حادثة واقعية من عصرنا الحديث كان لها أثر كبير في طريقتي في البحث لمعرفة حقيقة الحضارة اليونانية القديمة ، ومن خلال هذه الحادثة سيعلم القارئ أن الحقيقة هي من أحد صفات الله عز وجل " ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ .. ٦٢ الحج " وأن الحقيقة مهما حاول العلماء تشويهها بسبب التعصب الديني أو العرقي، فإنها ستبقى إلى الأبد وستظهر مع مرور العصور وتقدم العلوم ، لتؤكد للجميع بأن القرآن الكريم مناسب لكل الأزمنة .

في بداية وجودي في اليونان شاءت الأقدار الإلهية بعد إنتهائي من معهد اللغة وتعلمي اللغة اليونانية بشكل يسمح لي بالدخول في نقاشات مع اليونانيين بشتى المواضيع ، أن يطلب زميل صديقي منه أن يذهب معه في رحلة سياحية إلى جزيرة ساموس اليونانية ، فزميل صديقي هذا كان على علاقة حب مع زميلته اليونانية في كلية الهندسة وكانت قد إقترحت عليه أن يأتي إلى جزيرة ساموس موطنها الأصلي ليتعرف على أصدقائها وأهل المنطقة التي تعيش فيها ، ولكن كونه عربي وسيشعر ببعض الوحدة عند إجتماعه بشلة يونانية كان قد طلب من صديقي أن يأتي معه ليخفف عنه إحساسه بالغربة هناك ، وافق صديقي على طلبه ولكن إشترط عليه أن يأتي معهما أيضا صديق له (ويقصدني انا) فوافق زميله ، وبدون أي تخطيط او أي تفكير مني وجدت نفسي أذهب معهما إلى جزيرة ساموس . حتى تلك الساعات لم يكن لدي أي رأي خاص بطبيعة الشعب اليوناني ، فقد كانت آراء الشباب العرب الذي يقيمون منذ مدة طويلة في اليونان عن اليونانيين متناقضة فيما بينهم، فبعضهم كان يذكر محاسنهم ويمدح بهم وبعضهم كان يذكر مساوئهم ويشتمهم ، وأنا بطبيعتي لا أثق بآراء الآخرين وأفضل أن اعتمد على تجربتي الخاصة في تقييم الآشياء حتى لا أظلم أحد دون علم.

عندما وصلنا إلى جزيرة ساموس كان ينتظرنا على المرفأ زميلة صديقينا ومعها ما يقارب العشرة من اصدقائها شباب وفتيات ، وكان ترحيبهم بنا في أرقى أشكاله ، إبتسامة حقيقية خالية من أي زيف تملأ وجوههم جميعا. وفي خلال النصف ساعة التي جلسنا فيها في كافتيريا المرفأ أشعروني وكأنني في بلدي بين أصدقاء أعرفهم منذ سنوات طويلة ، الرحلة السياحية هناك دامت لمدة اسبوع واحد ، وكانت أيام هذا الأسبوع من أسعد أيام حياتي في اليونان ، شعرت في داخلي ذلك الوقت وكأن الله يقول لي بما معناه بأن أهل هذه الجزيرة هم اليونانين الحقيقين الذين أسسوا الحضارة الإغريقية ، أما ما يقوله الآخرين عن اليونانيين فهو يخص أولئك اليونانيون الذين خرجوا عن هويتهم اليونانية .

شيء هام آخر حصل هناك ليفسر هذا الإنطباع الذي أخذته عن اهالي هذه الجزيرة ، هو أنه في الدقائق الأولى من لقائي بهم سمعت أحدهم يُخبرنا بأن الفيلسوف اليوناني المشهور بيثاغوراس (الذي سنتكلم عنه بعد قليل) ولد في جزيرتهم ، وهذه العبارة كنت أسمعها تقريبا من كل شخص ألتقي به هناك لأول مرة ، فكنت أسمعها عدة مرات كل يوم وكأن سكان هذه الجزيرة كانوا فخورين جدا بولادة هذا الفيلسوف في جزيرتهم ، وهذا ما جعلني اشعر وأنا بينهم أن كرامات هذا الفيلسوف وتعاليمه هي سبب تلك الطيبة والإحترام وإكرام الضيف التي يتحلى بها اهالي هذه الجزيرة . أسم (بيثاغوراس) في تلك الأيام تحول إلى مصباح وأنضم إلى جانب تلك المصابيح التي دخلت في فكري عبر سنين حياتي ليساهم مصباحه أيضا في إضاءة طريقي في البحث عن الحقيقة . ما أريد قوله بذكر هذه الحادثة التي عشتها دون أي قصد أو تخطيط ، أن الله عز وجل بطريقته الخاصة يوجه ذلك الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة بنية نقية بعيدا عن أي نوع من أنواع التعصب .

لنتابع الآن موضوعنا عن تطور العقيدة الأورفيكية لنوضح دور الفيلسوف بيثاغوراس في تطوير مفهوم علوم الحكمة .

بسبب تشويه هوية علم الفلسفة في العصر الحديث نجد كتب الفلسفة اليوم تذكر أن طاليس الميليسي (٦٣٤ - ٥٤٣ ق.م) هو الفيلسوف اﻷول في التاريخ. ولكن الحقيقة غير ذلك تماما ، فمع مرور حوالي خمسة قرون من زمن ظهور العقيدة الأورفيكية في اليونان بدأ يحدث سوء فهم لتعاليم هذه العقيدة ، مما أدى إلى تشويهها ففقدت تلك الصفات التي تجعلها تستطيع ان تتوحد مع القسم الروحي من علوم يوسف الذي ذهب إلى آسيا .

كان طاليس في البداية يعمل في التجارة ويقوم برحلات عديدة إلى مصر وبلاد الشام بسبب عمله ، وهناك في تلك البلاد كان يلتقي بكبار علماء الحكمة ويسمع آراءهم في خلق اﻷرض وكينونة اﻹنسان والكائنات الحية وكذلك في تفسير الظواهر الطبيعية وتركيب الحياة واﻷشياء. هذا النوع من المعارف أثار إهتمامه كثيرا فجمعها وأخذها معه إلى بلاده وهناك فتح مدرسة تعلم وتبحث في هذه المواضيع .

ولكن بسبب إختلاف ديانة بلاده عن الديانات المصرية والبابلية حاول تغيير تلك المعلومات التي أتى بها لأنها لا تطابق نوعية فكر وديانة الشعب اليوناني فذهب وحذف منها كل شيء له علاقة بالدين والروح وهكذا تحولت هذه العلوم من منطق شامل (فلسفة) إلى منطق مادي (علوم مادية ) وعلى هذه القاعدة المادية ذهب تلامذة طاليس يتابعون أبحاثهم. فتحولت العلوم والمعارف في اليونان إلى علوم تَدرس الإنسان والأشياء وكأنها أجساد فقط. لذلك وجب التدخل الإلهي لتعود علوم الحكمة إلى شكلها الصحيح .

في تلك الفترة كان هناك شابا من بلاد الشام يعمل هو أيضا في التجارة وكان يذهب ببضاعته إلى اليونان ليبيعها ، في إحدى رحلاته وصل إلى جزيرة ساموس التي تكلمنا عنها قبل قليل ، ليبيع بضاعته هناك وشاءت الأقدار الإلهية أن يقع في حب فتاة جميلة من أهل هذه الجزيرة تدعى بيثاي ، فتزوجها وأقام معها في هذه الجزيرة بقية حياته وأصبح أسمه منيساخوراس ، عندما حملت زوجته بدأ الجميع يرى أحلاما عن الجنين الذي تحمله ، وكهنة تلك الجزيرة من خلال ما سمعوا عن تلك الأحلام تنبأوا لها بأنها ستلد طفلا لا مثيل له من الجمال والحكمة وسيكون مختلفا عن الناس وعلومه ستكون عظيمة لها فوائد كبيرة على البشرية. في عام (٥٧٠ قبل الميلاد) ولد الطفل وسموه بيثاغوراس ، من يتمعن جيدا فيما كُتب عن بيثاغوراس وعن حياته ، سيشعر بأن ظهور هذا الشخص في تلك المنطقة لم تكن طبيعية ولكن الله عز وجل كان قد خطط له كل شيء ليقوم بدور عظيم للإنسانية "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا .... ٣٦ النحل " ، " ......إِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ٢٤ فاطر " ، فاسم الجزيرة (ساموس) ليس صدفة ، ولكن علامة إلهية ، فهذا الأسم مصدره كلمة يونانية قديمة (سامي) ومعناها تلة مرتفعة بجوار شاطئ البحر فاسم هذه الجزيرة له نفس كلمة (سامي) بالعربي التي مصدرها فعل سما أي إرتفع شأنه عاليا ، ومنه أتت الكلمات سماء ، مبادئ سامية ...إلخ ، فكأن المشيئة الإلهية أرادت أن يكون أسم الجزيرة نفسه يعبر عن صفات بيثاغوراس ، فكما تذكر المصادر اليونانية عنه أن بعضهم كان يعتقد بأن بيثاغوراس هو في الحقيقة إبن إله (أبولون) ، فهذا الإعتقاد الذي آمن بصحته العديد من اليونانيين القدماء أيضا ليس صدفة ، فمعنى أسم (أبولون) حرفيا يعني (من جميع الأشياء) فكان هذا الأسم مطابقا تماما للتكوين الروحي لبيثاغوراس ، فتكوينه الروحي كان مختلفا عن الآخرين من حوله فهو ولد من أب آسيوي حيث آسيا تمثل العلوم الروحية، ومن أم أروبية حيث أوربا تمثل العلوم المادية ، هذا التكامل الروحي نّمى فيه فكر التوحيد بين الشرق والغرب ، بمعنى أن كل أمة تحمل جزء من الحكمة الإلهية لذلك يجب توحيد معارف الأمم للحصول على الحكمة الإلهية بجميع خصائصها، فما سمعه بيثاغوراس وهو طفل من أبيه الشرقي في المسائل الروحية التي كانت أقرب إلى قلبه من الروحيات التي سمعها من اليونانيين ، وما سمعه من أمه وأهلها الغربيين عن مادية الأشياء كانت قد أثرت على طبيعة تفكيره وجعلته يحمل النوعين من الرؤية الروحية والمادية ، وهذه الرؤية الشاملة ساهمت في إختيار الخطوات الصحيحة في بناء إدركه لما يجري حوله ، فعندما بدأ بيثاغوراس دراسته في المدارس اليونانية وقرأ ما كتبه طاليس وتلامذته من بعده شعر من البداية أن هذا النوع من اﻷبحاث يعاني من ضعف شديد بسبب غياب اﻹحساس بروح اﻷشياء المدروسة ، هذا الإحساس أجبره على البحث عن منابع أخرى للمعرفة ، لذلك بدلا من ضياع وقته في البحث في تلك المواضيع المادية التي تعلمها في اليونان ، حمل نفسه وذهب إلى مصر ليكتسب ما ينقصه من معارف ليكوُّن قاعدة علمية شاملة لهذه العلوم التي تركها النبي يوسف عليه السلام لعلماء مصر القديمة والتي كانت تسمى ( علوم تحوت إله الحكمة) ، وهناك بقي بيثاغوراس لمدة ( ٢٢) عام يقوم بدراسة وتحليل ما يسمعه عن هذه العلوم ، ولكن علوم الحكمة في مصر في تلك الفترة كانت قد عكر نقاءها إندماجها بالآلهة المصرية التي أتت من بعد وفاة يوسف بقرون عديدة فوجب تصحيح هذا التشويه، فحدث أن أثناء وجود بيثاغوراس في مصر أن انتصرت جيوش الفرس على جيوش مصر فدخلتها واحتلتها وأخذت العديد من الأسرى المصريين إلى بابل ، وشاءت الأقدار الإلهية أن يكون بيثاغوراس مع أولئك اﻷسرى المصريين الذين تم نقلهم إلى بلاد بابل .

في بابل سمحت الفرصة لبيثاغوراس أن يلتقي بعلماء اليهود الذين تم أسرهم هم كذلك بعد إحتلال جيوش الفرس لبلادهم وتدميرهم لمعبد سليمان عام (٦٨٧ ق م )، في بابل سمع بيثاغوراس عن عقيدة الكابلا التي أخذها اليهود من النبي سليمان وراح يتعلم منهم كل ما يستطيع عن هذه العقيدة ليستوعب حقيقة الكابلا . في بابل بقي بيثاغوراس ( ١٠) سنوات أخرى ، وعندما شعر أن ما ينقصه من علوم قد إكتسبه وأن علومه قد إكتملت وبعمر الـ (٥٣ ) عام عاد إلى بلاده جزيرة ساموس ، ولكن الأقدار الإلهية شاءت أن تجعل خطوات حياته آيات بينات للذين يبحثون عن حقيقة هذا الفيلسوف ، فعندما وصل بيثاغوراس إلى جزيرة ساموس كانت الجزيرة في تلك الفترة تعيش تحت حكم الديكتاتور بوليكراتيس ، فشعر أنه لا يستطيع أن ينشر علومه بحرية مطلقة في تلك المنطقة ، لذلك إضطر إلى الذهاب إلى بلدة كروتوني في جنوب إيطاليا التي كانت يونانية في ذلك الوقت ، مدينة كروتوني تقع في جنوب إيطاليا ، وكما ذكرنا في مقالات سابقة أن شكل خريطة إيطاليا الذي يشبه رجل إنسان ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، لتعبر عن القسم المادي من يوسف لأن أسم ابوه (يعقوب) مصدره من اللغة اليهودية والعربية أيضا وهي كلمة (عقب) والعقب هو اسفل قدم الإنسان ، لذلك أختار الله لبيثاغوراس أن يعيش بقية حياته في مدينة كروتوتي التي تقع في أسفل شكل القدم لينشر علومه التي تعتبر النصف الثاني من علوم يوسف بشكلها الصحيح دون أي تشويه.

هنا يجب أن نشير إلى نقطة هامة وهي أن عدد السنوات الطويلة التي قضاها بيثاغوراس في البحث والتعلم ليسمح لنفسه بنشر ما تعلمه بين الناس . فلأكثر من ٤٥ عام كان بيثاغوراس شخصا مستمعا فقط دون أن ينشر أي معلومة من علومه ، فرغم أنه عاش في فترة زمنية كانت العلوم فيها لا تزال بدائية وعدد الكتب الموجودة في تلك الفترة يمكن إكتساب معلوماتها في أقل من ١٥ سنة ، فكان بإمكانه كونه من عائلة غنية أن يكتفي بهذه الخمسة عشر سنة من الدراسة ليفتح مدرسة في بلاده قرب أهله وأحبائه ليدرس بها ويعيش حياة سعيدة مكرمة، ولكن رغم ذلك نجده يرفض كل ملذات الدنيا ويهاجر بعيدا بحثا عن الحقيقة من أن أجل أن تكون علومه خالية من أي تشويه قد يؤثر سلبا على سلوك الناس وتطور المجتمع . اليوم حيث المعلومات العلمية أصبحت غزيرة جدا ،وسن الرشد الفكري وصل إلى ما فوق الأربعين ، نجد أن أكثر من نصف الكتب الموجودة في الاسواق كتبت من أشخاص في عمر الاقل من الثلاثين، ومؤلفوها ليس لديهم أي خبرة أو نظرة متكاملة عن ماهية الإنسان وعما يحدث حولهم لتساعدهم في التفريق بين الصح والخطأ وبين النافع والضار ، فمثل هولاء عندما نشروا كتبهم كان هدفهم الأول هو الغنى والشهرة فقط ، بينما بيثاغوراس كان هدفه ألا ينقل أي معلومة خاطئة إلى تلامذته حتى لا تؤثر سلبا على فكرهم وبالذات على فطرتهم التي وضعها الله بهم وهم أطفال لتبقى هذه الفطرة كالمصباح الذي يساعدهم أثناء بحثهم في عدم الإبتعاد عن المخطط الإلهي . بيثاغوراس أتبع هذا الأسلوب لأنه كان يعلم بأن الله سيحاسبه على كل معلومة تنتقل منه إلى الآخرين. وهذا هو الفرق بين العالم الذي أختاره الله ليكون مفيدا للإنسانية ، وبين ذاك الذي أستخدم جميع الوسائل ليصبح مشهورا وغنيا بأسرع الطرق دون أن يهمه شيئا آخر.

طلاب مدرسة بيثاغوراس سموا ب (البيثاغوريون). وحاول من خلال تعليمه فيها إعادة العقيدة الأورفيكية إلى اليونانيين بشكل جديد تستخدم العلوم في تفسير مبادئ هذه العقيدة ، لذلك نجد أن بعض الباحثين يعتقدون ان بيثاغوراس هو نفسه الذي كتب العديد من المخطوطات الأورفيكية .

مدرسة بيثاغوراس أعطت أهمية كبيرة لمكانة المرأة في المجتمع لذلك كانت هناك الكثير من النساء يدرسن في مدرسته، وأعطى أهمية كبيرة أيضا للعفة وإعتبر أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة مقدسة ويجب أن تكون بعيدة عن الشهوات الحيوانية ، وكذلك أعطى أهمية كبيرة للموسيقى فكان في كل فجر من اليوم يجمع طلاب مدرسته على تلة قريبة وعلى صوت الموسيقى الهادئة التي تعزفها فرقة المدرسة يقوم الطلاب بتأمل شروق الشمس وهم يقومون بحركات رياضية بطيئة، الرياضة والموسيقى والتأمل كانت تخلق في نفوس طلابه نوع من الإنسجام بين تكوينهم الجسدي والروحي مع عناصر الطبيعة التي يشاهدونها أمامهم وهي تأخذ تدريجيا ألوانها الزاهية على ضوء أشعة الشمس ليشعروا بعظمة الخالق وليتقربوا منه أكثر فأكثر . هذه الرياضة الروحية الصباحية كانت بمثابة صلاة الفجر . فهذا النوع من الصلاة التي استخدمها بيثاغوراس مع طلابه كان هدفها تنشيط خلايا الدماغ وكذلك تقوية تلك أحاسيس التي تربط روح الإنسان مع تكوينه الجسدي ومع تكوين الطبيعة ، هذه العلاقة المتكاملة ، ذكرها علي رضي الله عنه (وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر) ، كانت نوعية العلوم التي تدرس في مدرسة بيثاغوراس تحقق تقوية الشعور بالخالق لتكون ابحاثهم عن الإنسان وعن الطبيعة من حولهم هدفها الأول هو منفعة الإنسان وسعادة المجتمع .

أسم بيثاغوراس اليوم هو أسم نادر في أسماء اليونانين ، بحثت عن معنى هذا الأسم ولكن لم أعثر على أي شيء لأنه أسم قديم ، حاولت أن أسأل بعض اليونانيين المثقفين لربما يعلمون ولكن للأسف جميعهم لم يعرفوا معناه ، وكذلك لا يوجد في قواميس اللغة اليونانية الموجودة في الأسواق أي كلمة قريبة منها ، ورغم أنني بأبحاثي الخاصة كوّنت مفهوم عن معنى هذا الأسم ولكني لن أذكره هنا وسأتركه حتى أتأكد اولا من صحة ما وصلت إليه ، ولكن رغم غياب معنى أسم بيثاغوراس في أيامنا هذه بسبب ندرة إستخدامه ، فكما ذكرت لكم قبل قليل ان الحقائق الإلهية لا يستطيع أحد أن يمحيها من الوجود لأنها من الله ، وهكذا حصل بما يتعلق باسم بيثاغوراس ، فرغم أن أسمه أصبح اليوم مجرد كلمة قديمة بلا معنى ، ولكن الله ترك لنا علامة إلهية في هذا الأسم ، فكما هي العادة الدينية في اليونان حيث كل أسم يوناني هو أسم لقديس في الديانة المسيحية ، ولهذا كل يوناني يكون عيد أسمه في يوم عيد ذلك القديس الذي يحمل أسمه ، وحسب الديانة المسيحية ان لكل قديس كرامات قد وهبها الله له لتساعد في مهمة معينة ، فمثلا القديس نيكولاس كرامته تخص في مساعدة البحارين والصيادين ، كرامات القديس يورغيوس تخص الفلاحين والمزارعين .. إلخ . وطالما أنه لا أحد من القديسين يحملون إسم بيثاغوراس لذلك أوحى الله بطريقته الخاصة لرجال الدين المسيحي أن يكون عيد أولئك الاشخاص الذين يحملون أسم (بيثاغوراس) في يوم عيد (قديس كل الأشياء) . فرغم أن رجال الدين يؤمنون بأن بيثاغوراس من الجيل الوثني ولا يأخذون له أي اهمية في تعاليم دينهم ولكنهم اختاروا أسمه دون اي علم فقط كإلهام إلهي ليعبر عن صفات بيثاغوراس الذي حاول أن يجمع أكثر أنواع علوم النبي يوسف . لا شيء يحدث صدفة فكل الأشياء والأحداث تسير وفق مخطط إلهي ومهما حاول العلماء المزيفين تشويه الأحداث لفصلها عن بعضها البعض وجعلها بدون معنى ، ولكن الحقيقة ستبقى امامنا إلى الأبد تنتظر ذلك الإنسان الذي يبحث عنها دون أي تعصب ديني أو عرقي ليراها وليذكرها للآخرين.

موضوع تطور علوم الحكمة في اليونان إحتاج إلى صفحات عديدة ، وكونه ثقيل بمعلوماته لذلك فضلت أن أعرضه على جزئين ليسهل فهمه للقراء ، إن شاء الله في المقالة القادمة سنتكلم عما حصل بعد بيثاغوراس من تشويهات في علوم الحكمة وكيف تدخلت المشيئة الإلهية مرة أخرى لتعيدها إلى شكلها الصحيح لتذهب إلى الديانة المسيحية ، وسنذكر كذلك الحكمة الإلهية في تحول أسم علوم يوسف في مصر من (علوم تحوت إله الحكمة) إلى الأسم اليوناني (علوم هرمس) لتساعدنا في الربط بين الفلسفة اليونانية مع القصص الدينية المذكورة في الكتب المقدسة ، وسنذكر أدلة من كتاب سفر التكوين التوراتي والقرآن الكريم بإذن الله.

وسوم: العدد 802