خواطر فؤاد البنا 846

اليمن من أكثر البلدان التي شهدت ثورات ومناسبات وطنية عديدة في هذا العصر، فهل هذه الثورات برهان على تمرد اليمنيين على واقعهم المرير؟ أم أنها علامة من علامات الحكمة اليمنية التي يريد اليمنيون استعادتها بقوة؟ أم أنها عَرَض من أعراض الحُمق الذي حلّ بهم بعد أن غادرتهم الحكمة؟ أم أنها دلالة على الفراغ الذي يعيشونه  مثل كل أصحاب البطالة الحضارية، فقد قيل بأن الإناء الفارغ أكثر جلَبَة من الإناء الممتلئ؟!*

************************************

هناك كثير من الطيبين ولفرط إحباطهم من الواقع، يبالغون في تقدير مكانة الحاكم وإمكاناته في تحقيق الإقلاع الحضاري المنشود، لدرجة أن ألسنة قالهم وحالهم تنطق بأن كل جهد يُبذل في إصلاح المجتمعات وتغيير الأوضاع إنما  يذهب سدى إن لم يوجد حاكم يقف على سدة السلطة السياسية، كأن الحاكم يمتلك قدرات خارقة في تغيير الأوضاع وإصلاح العقول والقلوب، وكأن السلطة التي بيده (ريموت كنترول) يفتح بواسطته كل أبواب الصلاح ويغلق منافذ الفساد بصورة آلية. ولهؤلاء نقول: لماذا فعل أغلب الأنبياء ما فعلوا ثم مضوا إلى ربهم قبل أن تقوم لهم دولة أو يصنعوا لأمتهم حضارة؟  ولماذا يأتي يوم القيامة النبي، كما جاء في الحديث الشريف، وخلفه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو جماعة بسيطة لم تستطع في الدنيا أن تمنع عنه حتى القتل؟ وهل أفهم من كلام الذين يبالغون في تقدير قدرات الحاكم بأن أردوغان -على سبيل المثال- لو حكم اليمن عشر سنوات سيفعل كما فعل في تركيا؟ ولو حكم مهاتير محمد الصومال عقدين من الزمن ستصبح الصومال ماليزيا أخرى؟ وهل يمكن القول بأن الحركات والتيارات الإسلامية التي تعمل من أجل تربية الشعوب وإصلاح أوضاعها عبر مؤسسات التربية والتوعية وتوسيع مساحات الوعي، هل يمكن القول بأنها لم تفعل شيئا ما دامت لم توجد القائد الصالح؟!

************************************

إنما تتحقق (الاستقامة) الواردة في القرآن الكريم، عبر الربط الواعي بين الثنائيات التي تبدو متقابلة، مثل الربط الحكيم بين الدنيا والآخرة، وذلك بأن يستحضر المؤمن الفوائد الدنيوية للعبادات التي تبدو كأنها شأن أخروي بحت، كالصلاة ذات المقاصد الدنيوية المرتبطة ببناء العقل وتزكية القلب وصحة الجسم بجانب الثمار الاجتماعية العديدة والتي تساهم في وقاية المؤمن من مقارفة الفحشاء والمنكر بمعانيها العريضة والمنسابة في مختلف حقول الحياة. وفي الطرف الآخر لا ينسى المؤمن وهو ينهمك في عاديات الحياة أنه يتعبد الله بذلك ويبتغي نيل مرضاته وحصد الجزاء الأخروي العظيم، كما في قوله تعالى: {وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك}.

وسوم: العدد 846