في وداع عام 2013

م. محمد يوسف حسنة

كان عاماً استثنائياً بكل المقايس، تجارب جديدة وخبرات مكتسبة، أمل وألم، خيبات ونجاحات، تحدٍ على كل المستويات، ورسائل لمقامات ومقالات متعددة، وإبحارٌ في عملية تغيير فكري كبير وإصرار على تحقيق الأهداف رغم وعورة وصعوبة الطريق، ولذة انتصار في كل محطة تحقيق هدف كلما زادت صعوبة تحقيقة كانت نشوة الانتصار بتحقيقه أعظم.

في وداع 2013، علمتني أن لا أحد يحتكر الصواب المطلق ولا يوجد شر مطلق وخير مطلق وأن جزء كبير من دُعاة المبادئ ماهم إلا تُجارٌ تتغير نبرات أصواتهم ووجهات ولائهم بتغير الحال، إلا أن المفارقة إن فعلوها هم باتت مصلحة وإن فعلها غيرهم باتت مفسدة.

علمتني أن الثابت الوحيد في السياسة هو المتغير، وبقاء الحال من المحال، ومراكز القوى في تغيير مستمر وأن هنالك حاجة للتوازن والمرونة مابين متطلبات العلاقات الدولية وتشابك الساحة الإقليمية من جهة والثوابت والقيم والمبادئ من جهة أخرى دون أن يخل التوازن المطلوب والمرونة المفترضة بأصل الفكرة وأصل الهدف.

علمتني أننا وفي رحلة بحثنا عن التحرير تحول جزء منا من رجال إدارة صراع وتحرير وثورة وتنوير، إلى رجال إدارة أزمات متلاحقة وكوارث لا متناهية، وإن كان مطلوب إلا أنه من غير المقبول أن يكون الفرع على حساب الأصل وأن يتراجع العام لأجل الخاص.

علمتني أن جزء ليس باليسير لا يهمه تحقيق النتائج وايصال الرسالة بقدر ما يهمه إحداث جلبة هنا وصراع هناك، وبحث عن اضطهاد من قبل السلطات، فبالمعارضة الدائمة ترتفع الأسهم ويُنال الثقة في صفوف المتذمرين والحانقين، ولا يدرون أنهم خذلوا الرسالة والفكرة ببحثهم عن تحقيق الذات على حساب الرسالة.

علمتني أن الشباب الفلسطيني كان دوماً مدرسة في الثورة ونبراساً في قيادة التغيير، وهو صاحب قضية وفكر، وهم من يحمل الوطن بين خفقات قلبه، هو يحتاج فقط لمن ينفض الغبار المتراكم عن رغبته في مقارعة المحتل نتيجة الانقسام وكثرة تُجار الوطن، هو بحاجة لرائد يدله على بداية الطريق فقط.

علمتني أننا الشباب قادرون على قيادة التغيير، وأننا بالغون الهدف وإن تأخر الوصول، وأن طالبي بناء المجد لأوطانهم لابد وأن يتعثروا، ويُحال بينهم وبين أحلامهم إلا أن الإصرار والمواصلة وتعزيز القاعدة الشعبية من حولنا ستساهم بلا شك بالوصول إلى المرسى حيث الهدف المنشود.

 

علمتني أن كثيراً ما يحدثنا قادتنا على أننا الشباب عماد الدولة ومستقبلها وأننا الأدوات والوقود الذي أشعل الصراع وحافظ على الثوابت وانتفض للأقصى، ورغم تسارع العالم من حولنا ووجود الوزراء الشباب في الدول الغربية وقيادة الشباب للربيع العربي إلا أن قادتنا الكبار يصرون على تقزيم دور الشباب ووضعهم في مربع الأدوات المنفذة لا مربع صانعي القرار، يشغلونهم بهمومهم اليومية ومكابدتهم للحصول على فرصة عمل واستقطاب البعض منهم وزجر البعض الآخر في محاولة بغيضة لتهميش الشباب وإبقاء صوتهم طيّ الحاجز الموضوع والمساحة المسموحة.

علمتني أن المواقع المتقدمة وإن أعطت النفوذ إلا أنها لا تبني مجد الرجال، ولا تًوقع الهيبة في النفوس، الرجال من تبنى مجد المواقع، وتحقق الهيبة، فلا تزاحموا أحد على المواقع، فالمواقع ستزاحم العظماء لاحقاً فكونوا أنتم العظماء الذين تخسرهم المواقع إن تركوها، ولا تكونوا أنتم الخاسرين بمغادرة المواقع.

علمتني كلما أينعت الثمرة، وازدهرت الفكرة، وانتشرت وتوسعت، كلما كثٌر راجموها، غالبا لا يستطيع الضعفاء ناشروا الاشاعات الاختلاف مع الفكرة لنقائها فيبدؤون بالتشكيك بنوايا القائمين عليها ونسج القصص والحكايا حول منفذيها، وأمام أصحاب الأفكار خيارين إما الرد على كل شاردة وواردة وفيه مهلكة للوقت والجهد وحرف للبوصلة وهذا غاية المشككين، والخيار الثاني المضي قدماً في التطبيق وتجاهل القيل والقال ففي الميدان يُعرف فعل الرجال والحرائر، وفي مجالس السمر يتحدث أبي رغال .

علمتني أن الأكثرية مشغولة في النظر بما في يد الأقلية، يُهمها الإشاعة وتناقلها أكثر مما يهمها التثبت من مصداقيتها، سريعون في الإدلاء بالشهادة والحكم عن بُعد لأننا نعتقد أن ما لدينا صواب لا يحتمل الخطأ، ليس مهماً كم من البشر ظلمنا وكم من المصداقية حققنا، طالما أننا نُرضي غرور أنفسنا ونُحقق انتشار رأينا.

علمتني أن التجانس يتطلب المشاركة، والوصول إلى الهدف يتطلب الاصرار، والوصول إلى القمة يتطلب المبادرة والريادة، والتغيير عملية تراكمية، والتألق والتميز يتطلب العمل بروح الفريق والتعاون، وتحقيق الحلم يتطلب المثابرة.

علمتني أن كل منا يحتاج الآخر، فلا داعي لاصطناع العداوات، ولا داعي لسوء الظن، ولا داعي لتبني مواقف واختيار الفراق، وألا نحرق السفن وألا نقطع شعرة معاوية فكلنا بحاجتها.

علمتنى أن القوة الفردية تمنحها المصداقية وفعل الميدان، ونظافة اليد واللسان، قوة الفرد من قوة الفريق المتماسك الواحد تعززها شبكة العلاقات على قاعدة المبادئ و القيم، فلم يكن تعريف قوة الفرد يوماً ظهر مؤثر يحمي ومصالح تلتقي، الأول يبقى والثاني إلى زوال.

علمتني أن جزء كبير منا نحن الرجال في الحب قيس وعنتر وفي الكرم طائي الحاتم، داعي تحرر ومؤمن بمشاركة المرأة في المجتمع طالما الأمر لم يصل حدود بيته بعد، حتى إذا انقلب إلى زوجته تحلل من قيس وعنتر والطائي حاتم وانقلب لأبشع صور الاستبداد والطغيان.