نبع الذاكرة والأسئلة

إبراهيم جوهر - القدس

يوم العسل ! للعسل طعم آخر بعد يوم راحة ! للعسل طعم آخر ومعنى مختلف بعد التعب !

هذا هو الخميس الأخير في شهر أيلول ؛ فجر هادئ ، لم تفق الحياة بعد ؛ لم تدب الحياة بعد في الشرايين .

أضأت مصباح النور الخارجي لأرى ما حولي على الشرفة . الوقت ما زال مظلما ، والمكان ينتظر ضوء الصباح  .

مع بدايات تشقق الفجر وانبلاجه نشط عصفور ، وديكة تحاورت ؛ بدأت الحياة .

ما الذي جلب (دورا) إلى صفحتي هذا الفجر ؟ لست أدري !

يوم السبت سنكون في دورا ؛ مجموعة من ندوتنا الأسبوعية المقدسية ستكون في (دورا) بتنسيق ودعوة من (دينمو) الندوة الثقافية في الخليل (خولة سالم) .

هل أخذت دورا اسمها من الدائرة ؟! تلك التي تعود إلى بداياتها بعدما ظن الظان أن حركتها ابتعدت عن معنى الأصالة والانطلاق ؟!

دورا من الدائرة التي تعود إلى البدايات لتراجع ذاتها ، ومسيرتها . إنها بلد الشهداء ، والأدباء .

أراقب خيط الدخان وهو يتكاثف وينتشر ويشكّل شكلا شيطانيا في فضاء الأفق القريب ؛ هنا مجمع النفايات التي تحرق فجرا فينتشر رذاذها ودخانها وسرطانها فوق سماء العيزرية وأبو ديس والسواحرة .

اليوم نلتقي في المسرح الوطني الفلسطيني لمناقشة (نوافذ) الشاعر (رفعت زيتون ) . بعد الندوة سأزور أقربائي في (خلة عبد) للمشاركة في الحفل الساهر لأحد الشبان الذين قرروا البناء بالزواج .

أتمنى صادقا راجيا أن لا تكون أغاني (الضياع والخراب والإفساد الفني) حاضرة في مكبرات الصوت !

(أوثق أفكاري ، وأمنياتي صباحا . ثم أعود مساء لمراجعتها . سأرى ...)

لا شيء أجمل من النهوض باكرا ومراقبة الحياة وهي تسري في عروق الدنيا والأفق . للحياة جمال لا نقف عنده كثيرا .

راقبتها جارتي الحمامة وهي تنقل بيضتيها بفمها ضامّة طرفي منقارها الطويل ، إلى أين ؟ ولماذا ؟ هل أزعجتها ؟ هل غضبت مني ؟ هل وجدت جارا أفضل ؟

دارت الأسئلة بحزن وشعور بالخسارة في ذهني .

اعتدت وجودها وأنا أسترق النظر إليها للاطمئنان على وجودها .

قطعت شكوكي وأسئلتي حين عادت ؛ اكتفت بنقل البيضتين ثم عادت ، الآن هي موجودة على شباكي . إلى الآن لم أفهم سر نقل البيضتين !!

في الندوة طرحت آراء ، وتساؤلات ، وتحليلات . من بين الأسئلة الأكثر حضورا وصدى يستحق التوقف عند معانيه ، ما طرحه الكاتب (محمد خليل عليان) على الشاعر : لماذا غاب الشعر المقاوم بروحه التي تربينا عليها عن كلماتك ؟

(أبو خليل) يرى، بحق ، أن روح الشعر التي اختطها شعراء المقاومة قد بدأت تختفي في الشعر الفلسطيني الحديث . والسؤال : لماذا ؟

دار نقاش أبديت رأيي فيه بالقول : إن النمط التقليدي لشعر المقاومة والتصدي قد غاب ليحل مكانه لون آخر في الخطاب لا يعتمد المباشرة التي هي ليست ذات حظ كبير من التوفيق الفني ، وباتت المقاومة تأخذ أشكالا أخرى .

أنا لا أجد غضاضة في البوح الذاتي ، ولا في الغزل الإنساني ، والتغني بالمدن والأوطان ، فهذا كله من المقاومة .

الكاتب (محمود شقير) استشهد بقول (محمود درويش) في كتاب (أثر الفراشة) إذ يرى أن كل ما يكتبه الفلسطيني هو أدب مقاومة . وأضاف : يجب توسيع المصطلح ليشمل ألوانا من الخطاب التي غابت لصالح لون المباشرة في القول .

أقترح تخصيص ندوة خاصة لنقاش المصطلح . ربما ستكون قريبا .

الندوة نافذة مشرعة على الرأي ، والجد ، والصدق . فيها أجد نفسي دائما وأنا أبني عالما من الأمل .

خاب فألي في الأغاني هذا المساء !

الحمامة حمت بيضتيها ! وعادت في حركة غريبة !

هل تأثر أدبنا بثقافة ال(أن . جي . أوز) ؟! والتمييع ؟!

ما معنى العودة إلى الذاكرة ؛ جغرافيا ؟ وثقافيا ؟