عدنا !! والعود ضجيج

إبراهيم جوهر - القدس

صباحي اليوم بدأ متأخرا ! استيقظت عند العاشرة !! فاتني الفجر الهادئ وأبقى لي نهار الضوضاء والحر والتأفف .

مباشرة توجهت إلى المدرسة لأرسل ما طلبه قسم الامتحانات الرسمية من وثائق تثبت أنني أنا !!

لم يعد مجال للصدق في هذه الأيام ! كانت الكلمة وحدها تكفي ، اليوم عليك أن تثبت أنك أنت !

كان عليّ أن أثبت أنني أنا لمن يجلس هناك بعيدا في تل الربيع التي صار اسمها (تل أبيب) . جهاز الفاكس ( الذي عرّبه مجمع اللغة العربية بالناسوخ) يخدم أحيانا في نقل الوثائق ، لكنه معي هذا اليوم أوصل الوثائق وهي غير واضحة إذ طغى السواد عليها ،كما أخبرتني الموظفة المختصة هاتفيا !

يا لحظي العاثر! عليّ أن أعيد إرسالها غدا مرة أخرى ، ولا ضمانة لوصولها بالوضوح المطلوب .

كانت فرصة لمراقبة الهدوء المخيف في الساحة التي تشهد دائما حركة وأصواتا وعتابا وتحيات ؛ الحياة في المدرسة أيام العطلة تموت . الحياة لا تكون حين يغيب الناس عن الأماكن التي ألفتهم وألفوها .

(غدا ستبدأ أولى خطوات العودة إلى المدرسة مع اجتماع الهيئة التدريسية السنوي تحضيرا لعودة قوية تراجع عاما مضى ، وتخطط لعام يقدم .)

ظهرا صدف أن شاهدت حلقة من مسلسل ( إبراهيم طوقان) الذي يعيد بثه تلفزيون فلسطين . الكاتب المبدع ( محمود شقير ) كان كتب سيناريو المسلسل الهادف أوائل سنوات الثمانين وشاهدته حين بثه التلفزيون الأردني الذي كنت أتابعه وحده إذ لم يكن هجوم الفضائيات الحالي قد بدأ غزوه عالمنا . في العام 1984 كنت قد كتبت مراجعة إعجاب بالمسلسل نشرتها في صحيفة (الفجر) بعنوان ( إبراهيم طوقان والمسلسلات التي نريد ) وأرسلت نسخة من الصحيفة إلى الأردن مع أحد أبناء الكاتب (محمود شقير) الذي التقيته حين زار بلدتنا وقتها ، فالكاتب مبعد عن أرض الوطن ومدينة القدس .

تلفزيون فلسطين الرسمي وهو يتخبط ولا ينتج ما يرضي ويثقف (فطن) اليوم ليعيد بث المسلسل ...(أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا) !

صحيفة (الفجر) أغلقت بعد (أوسلو) .

حياة جديدة كانت منتظرة ، فكانت فضائية كابية ، ومحطات عديدة ، ومنظمات غير حكومية ...وكان ضياع وحيرة وتعميق للاغتراب . لكن كانت (عودة) بعض المبعدين ومن بينهم الكاتب (محمود شقير ) .

(سنعود بعد قليل) شعار ترفعه إحدى القنوات التي تواصل بثها على مدار الأربع وعشرين ساعة .

اليوم تذكّرت الشعار وأنا أبحث في الذاكرة القصيرة عن مثيل له رفع قبل شهر رمضان ! لقد عادت الحفلات بفتاشها ، وأصواتها ، وإزعاجها . لقد عادت بعد الاستراحة الرمضانية ، عادت بقوة وكثافة ، كما عادت المطاعم إلى زبائنها النهاريين ، والزبائن إلى مطاعمهم .

نجيد العودة إلى ما كنا عليه غالبا !

عودة عن عودة تفرق ! ليت غسان ما زال بيننا .