في انتظار لغة النرجس

إبراهيم جوهر - القدس

عصرا انطلقت للتسوّق . هي فرصة لاكتشاف الحياة الرمضانية قبل المغرب ؛ حركة نشاط غير عادية في الشوارع والناس والحوانيت . رمضان شهر للتسوق ، والسرعة ، والغضب ، والأعصاب المتوترة .

في بلادنا تتوتر الأعصاب بسرعة ، والصيام يزيدها توترا .

اليوم اشتريت القطايف لتجهيزها في المنزل . التزمت بمخالفة العادة السائدة ( لا رمضان بلا قطايف ) رمضاني بالقطايف بدأ اليوم فقط !

للقطايف ذاكرة تعود إلى طفولتي البعيدة حين أحضرها أخي الأكبر ولم يجب عن تساؤلنا ، نحن الأطفال : ما هذا ؟! وحين تذوّقتها عجينا لم أستسغ طعمها . القطايف تؤكل محشوة ومشوية ومقطّرة .

القطايف متلازمة رمضان .

( كتب " عاطف سعد " ذات تقرير صحافي حول الحلويات النابلسية : نحن نحشو كل شيء بالجبن ، ولو كان الكوسا يصلح للحشو بالجبن لحشوناه ...! )

 في صلاة التراويح قرأ الإمام آية حول البطانة ، وعلّق مفسّرا أهمية بطانة القائد .

( ليت قومي يعلمون ! ليتهم يطبّقون ! )

البطانة الصالحة تدل على العمار ، البطانة الخربة كما الغراب تقود إلى الخراب وجيف الكلاب .

في استراحة ما بعد الإفطار تواصلت الذكريات الرمضانية ...قلت : كنت في الصف الخامس الابتدائي حين قرأت قوله تعالى : ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ظننت أن في الكتابة خطأ ! ذهبت إلى نسخة أخرى فوجدت الآية باللفظ ذاته !

( تساءلت ببراءة الطفل : كيف يمكر الله ؟!! )

حين كبرت عرفت (المشاكلة ) البلاغية . المشاكلة هنا في الآية الكريمة ، كما في قول الشاعر : ( ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا .)

المشاكلة تكون من جنس القول ، والفعل .... في بلادنا لا نشاكل ! نسعى للمصالحة الشكلية بعيدا عن المشاكلة !

اليوم شاهدت أشكالا من السلوك .

اليوم انهمرت الذكريات أنهارا من الكلام والحزن .

اليوم توقفت عند بطانة السوء ، وبطانة الخير ، والمشاكلة ...

هي اللغة ؛ لغة الذاكرة ، والواقع ، والوجع .

أنتظر لغة من نرجس ، وفضة ، ونقاء . حينها لعل فرحا يكون .