ما أحلى هذيج الأيام

كاظم فنجان الحمامي

خواطر عراقية مؤلمة

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

زمان كانت أسماؤنا أحلى

كانت النساء أكثر جمالا وأنوثة

ورائحة الفاصوليا اليابسة والبامية تتسرب من شبابيك البيوت

وكانت ساعة (الجوفيال) في يد شايب البيت أغلى أجهزة البيت ثمنا

وأكثرها حداثة

كانت حبات المطر أكثر اكتنازا بالماء

وأخبار الثامنة اخف دما

ومذاق الشمس في وجوهنا أطيب

والطرقات أقل ازدحاماً

وبنات المدارس يخبئن أنوثتهن بين صفحات دفتر العلوم

زمان كانت غمزة سميرة توفيق أكثر مشاهد التلفزيون جرأة وإثارة

وكانت أجرة الباص 14 فلسا فقط

وكان الحليب والصمون يأتيك للبيت في الصباح

والصحف تنشر جميع أسماء الناجحين بالبكالوريا

ومجلة المختار المستعملة نشتريها بعشرة فلوس

وكانت المناديل (الجفافي) توزع مع دعوات العرس

ومعها جكليت (ملّبس) ملفوف بسيلفون

والجارة تمد يدها من خلف الباب بقوري جاي سنكين وحار للزبال

فيمسح عرقه ويستظل بالجدار

زمان كانت ((الدورة والمأمون) هما آخر الدنيا

وصندوق السعادة أهم برامج المسابقات التلفزيونية

ولم نكن نعرف بعد ملمع أحذية سوى أبو التمساح

كان الكمون يوصف علاجا للمغص

والأولاد يقبلون أيادي الجيران صباح العيد

والجكليت والواهلية وصينية الزلابية في مقدمة أحلام الطلبة الناجحين

وكانت ام القيمر تحمل أطباق القيمر والزبد واللبن الى بيوتنا

كانت جريدة البلاد والأخبار مصدر معلوماتنا

ثم جاءت الراصد لصاحبها الفكيكي لتكون أشهر الصحف وأجرئها على الإطلاق

وكانت صورة المطربة صباح على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط

زمان كنا نصحو على صوت فيروز

ونستمع لبرنامج أبو رزوقي يعطي نصائحه المرورية للسائقين

مساء كنا نترقب خيرية حبيب أو كامل الدباغ أو مؤيد البدري

وكان التلفزيون يفتح ويغلق شاشته مثل أي محل أو مطعم

وكانت جامعتا بغداد والمستنصرية كعبة الطلاب العرب

كانت رسائل الغرام تكتب على أوراق تبيعها المكتبات مطرزة ومزينة بالفراشات

والورود الملونة قبل ولادة الموبايل

زمان كانت جوازات السفر تكتب بخط اليد ولا تحتاج لرشوة

ولا لوساطة للحصول عليها

وكان السفر لتركيا أو سوريا بالقطار المتري

وفيزة أوربا تأخذها وأنت تشرب الشاي أمام مبنى السفارة

كانت البيوت لا تخلو من صوبة علاء الدين ذات البرج الفستقي المتكسر الألوان

ومبردات الهلال كانت حلم كل بيت

لأن الووتر بمب أحسن من غيره

كان التلفزيون يعرفنا يوميا بخيرة رجال المجتمع

مصطفى جواد في برنامجه اللغوي

وعلي الوردي في برنامجه الاجتماعي

ومؤيد البدري في برنامجه الرياضي

ومسلسلات عراقية مشوقة خلدت في الأذهان والقلوب

سليم البصري وحمودي الحارثي تحت موس الحلاق

وخليل الرفاعي أبو فارس في قهوة عزاوي

وكانت مباريات آليات الشرطة والجوية والسكك قبل أن يتحول إلى الزوراء

تجمعنا في ملعب الشعب بين 60 ألف متفرج

لا يستطيع أي قمر صناعي أن يعرف من فينا السني

ومن فينا الشيعي

وكان رعد حمودي أفضل حراس المرمى

ولم نتخيل انه سيرشح نفسه يوما في الانتخابات

كان الناس يهنئون بعضهم البعض

أو يعزون بكيس سكر أبو خط الأحمر

والأمهات يحممن الأولاد بالطشت

والصوغة يحملها الناس لزيارة المريض

حين كان مذاق الأيام أشهى

والبرد يجعل أكف التلاميذ حمراء ترتجف فيفركونها ببعضها

كانت لهجات الناس أحلى وأوضح

وكانت قلوبهم أكبر, وطموحاتهم أصغر

الموظفون ينامون قبل العاشرة ليصحوا باكرين

والزوجة في يوم الجمعة تخبئ كبدة الدجاجة وقوانصها

لتقليها للزوج دلالة على تدليله

كانت الحياة أكثر فقرا وبردا وجوعا

لكنها كانت أكثر أمانا واستقرارا

كانت حياتنا في تلك الأيام أحلى من حياتنا هذه الأيام

حيث لا طعم ولا لون ولا رائحة لها

غير طعم البارود ولون الدم ورائحة الكراهية

ومظاهر الغل والتنابز والتحزب والطائفية المقيتة

حياتنا كانت أحلى وأيامنا كانت أجمل

والله يستر من الجايات