بأي المصائب نبدأ؟!

وخزة ضمير (36)

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

تتكاثر مصاعب الحياة ومصائبها، وتتعدد أشكالها، ويتسع يوميا الخرقُ على الراقع، وينفلت الزمام رويدا رويدا، وتتحطم آمال الناس وطموحاتهم، ويطأطئون رؤوسهم أسفا وحسرة على أحلامهم التي نسفتها أيدي المسؤولين، فصرنا نحدث أنفسنا بالنجوى وبالقهر والألم، ولا نقوى على فعل شيء، نحس وكأن أيدينا قد تكبلت، وأفواهنا لا تستطيع الكلام، حتى اللغة أصبحت غير منتظمة الجمل والمعاني، وصار الأغلب يتحدثون (شرقي- غربي) لا يلتفتون لما يقولون، ولا يعنيهم ما يقولون، المهم حديث والسلام، ذابت النفوس في الوهم، ولم تشرب سوى من سراب التوقعات الفارغة، وهذه هي الحال، فكيف بنا، وقد أضحى هذا حالنا، أن نساهم في تطوير هذا الوطن المفترى عليه بكرة وأصيلا؟!

بأي المصائب نبدأ؟ وإلى أين سينتهي مشوارنا؟ وهل إن تصالحنا مع إحدى تلك المصائب سننجو من أليم حبال مصيبة أخرى؟ كيف لنا أن نتكيف مع واقع خُلِق مشوها؟ كيف لنا أن نتعامل مع أناس لا أمل لها في التغيير والتبديل، وصار أقصى حلمها رغيف الخبز والراتب؟ كيف لحياتنا أن تنمو طبيعيا وقد اغتال حراس هذا الوطن كل بارقة أمل فردية وجماعية؟ كيف وكيف، وسيتفرع عن هذه الكيف مليونا أخرى وبسلسلة لا تنتهي، ولكن أين نحن من كل ذلك؟ ولماذا نظل نجلد أنفسنا ونعذبها؟ ماذا علينا لو قلنا: حُطْ راسكْ بين هالروس وقولْ يا قطّاع الروس"، وانتهينا، فهل تستطيع أن تقيم الدين في مالطا؟ ولا حتى في بيتكم!

حقيقة من هنا يجب أن نبدأ، يجب علينا محاربة الثقافة الانهزامية التي طبعت حياتنا وختمتنا بميسمها، فلا يتداول الناس اليوم إلا الأمثال الشعبية الاستسلامية، وسرت على الشفاه، فلا تسمع إلا بقولهم: امش الحيط الحيط وقول يا رب الستيرة، وما لك ومال غيرك؟ والكف لا تناطح المخرز؟ وعدو الدولة ضعيف، وغيرها وغيرها، ونسي الناس تلك الأمثال التي كانت نابعة من نفسيات واثقة مؤمنة ومتحدية، فلا تكاد تسمع بالمثل الذي يقول فرعون فرعن من قلة حدا يرده، ومن باعك بيعه، وما بحرث الأرض إلا عجولها، وغاب القط العب يا فار، وغيرها وغيرها، ... وكلها تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي انقلاب في الثقافة الشعبية والوعي العام من المجابهة والتحدي إلى الاستسلام والهروبية والاستكانة، وهذه أم المصائب، ومن هنا يجب أن يبدأ التغيير.   

لا شك بأن المهمة صعبة، وليست سهلة، وقد نجحت الأنظمة في كل بلد صغير أو كبير في ربط الناس بمصالحها الدنيا الآنية الضيقة والذاتية جدا، وأهمل الشخص هموم مجتمعه، وأصبح أحدنا لا يعنيه أمر أخيه من النسب، فكيف سيعنيه أمر جاره، أو أمر ابن بلده، ما دام حال الناس ينطقُ بقولهم "يسلمْ راسي ولَعُمُرْ كل الروس"؟

أنانية طاغية، تهلك النفس والمجتمع وتهلك الحرث والنسل، وتجعلنا نعيش في دياجير الظلم والظلام والذل والهوان زمنا طويلا، إذا لم نسارع وننفض غبار المهانة عن أنفسنا ونتحرك انتصارا لكرامة الإنسان فينا، فليس بمعقول أن يُكْرِمَنا اللهُ بكرامتهِ ونحن نُهين هذه الكرامة وهذه المنحة الإلهية، ولتكن ثقتنا بالله عالية، ففرعون لم يفرعن في أي بلد إلا لأننا نحن من صنعناه وسكتنا عنه أو مجدناه، واعتبرناه زعيما أوحد لن يجود الزمان بمثيله وكأنه مبعوث العناية الإلهية، ولم يتدبر الناس أفعال هؤلاء الطواغيت، وكيف أنهم يحاربوننا بلقمة عيشنا لنظل لا نعرف معروفا ولا ننكر منكرا، لا نعرف إلا وقت الوجبات الثلاث، والخلود إلى سرير نشبع فيه غريزة حيوانية، لنعوض انكساراتنا الخارجية بوهم الحروب على سرير لن يدوم حتى صياح الديك لتعلن الحياة من جديد أننا رضعنا من وهم كبير وعشنا لحظة مجنونة لم نخطُ فيها خطوة واحدة نحو أن نتخلص من عارنا المفروض علينا، ولم يفرض علينا إلا بالتطبيل والتزمير، فمتى يتنفس الصباح ليعلن أننا حطمنا أغلال الخوف والجبن والذل، لنصنع حياة العزة والكرامة؟

عليكم بالإجابة بالتغيير الجذري، فالقطار سيفوت من نام وغط في سبات عميق!!