ذاكرة الحرب

د. عمر عبد العزيز العاني

ذاكرة الحرب

د. عمر عبد العزيز العاني

[email protected]

لا تنسى ذاكرتي يوم أن دخلت قاعة الدرس .. كانت فارغة .. لم يأت الطلبة يومها.. كتبت على السبورة.

( ربما نلتقي بعد انتهاء الحرب ) .. لكننا لم نلتق إلى الآن

*****

لا تفارق ذاكرتي أيام المطر الأسود .. كان منظره على الجدران يؤلم التاريخ .. وعلى شناشيل بيوتنا القديمة تنتحب الذاكرة .. لا شموع في يوم زكريا

*****

العصافير أرعبها ليل آذاريّ عاصف .. لا تطيب الشمبانيا إلا على الحرائق اللاهبة، هكذا سمعتهم يتحدثون. وخلت الرصافة والجسر من العباءات وعيون المها

*****

تمرّ الغيوم في سماء بغداد سوداء كأردية الحزانى .. تأجلت كل مراسم الحب .. النخيل في احتجاج جماعي .. والدبكات الحماسية تنذر بطبول الموت القادم

*****

حتى في الأعياد كان السلاح لعبتهم المفضّلة.. لم يكن بمقدرتي صرفهم عن السلاح إلى الأراجيح .. لا وقت للّعب أيها العم .. كان الموت يزحف، واليوم يعدو

*****

البارجات ترسو عند ميناء أم قصر.. تحمل الموت الناقع بمياهنا.. فيه ملح مياه الخليج العربي.. وكانت أيضًا تحمل لُعبًا لأطفالنا .. الأيتام قريبًا

*****

التتار اليوم - زرق العيون .. صُهْبٌ .. شُقْرٌ .. يمتطون خيولا من حديد .. يسكرون من كرمة بستان من بساتين الفرات .. ينفثون زفيرًا من رماد تنور جدتي

*****

تأجل عرسها مرتين .. وظلت تنظر إلى الأمل بعينيها الواسعتين .. ذبلت عيناها .. الاحتلال الأمريكي قتل الفارس .. وتأجل عرسها إلى الأبد

*****

رأيتهم - ببراءة - يرسمون صور القلوب على الجدران بالتوت الأسود، وبقيت تاريخا لعدة سنين حتى غرقت المدينة تحت الفرات. لم أعد أعلم شيئًا عن تلك القلوب

*****

كانت ليالي ليس فيها كهرباء .. ربما يحس بوجعها حفيف السعف .. وقمر المساء .. وعجوز تحمل فؤاد أم موسى فارغًا

*****

ومرّ آخرون