زهرة عن زهرة تفرق

زهرة عن زهرة تفرق

إبراهيم جوهر

 انتظرت شروق شمس الصباح هذا اليوم انتظار المتشوق لرؤية ( كوكب الزهرة ) التي ستتوسط بيننا وبين كوكب الشمس حتى السابعة والنصف . انتظرت حتى بزغت وسط ضباب الصباح الندي هذا اليوم . لم أر زهرة ولا ( فينوس ) ؛

كوكبنا الأرضي ، وكوكب الشمس كما هما كل يوم . لا زهرة بيننا . أين اختفت ؟ لماذا لا تظهر كما وعدونا أمس ؟! لا أملك منظارا يري ويكشف .

منظاري عيناي ويقيني فقط .

( يدور السؤال في ذهني ؛ هل لأني في " زهرة " لا أرى كوكب الزهرة ؟)

هذا هو اليوم الثاني لصدمة حزيران ؛ صفحته عامرة بالذاكرة الحية .

أحداث كثيرة حصلت ، ومياه كثيرة جرت في نهر الحياة . الأطفال كبروا ؛ شقيقتي ( إنعام ) كانت طفلة عمرها أيام حين نسيتها والدتي ونحن متجّهون نحو كهف قريب من منزلنا ، ثم عادت لتصحبها معنا في رحلتنا نحو المجهول .

صديقتي ( ماجدة صبحي ) كانت بمثل عمر شقيقتي ( إنعام ) أيامها .

( أم طارق صبحي ) أرسلت إليّ هذا اليوم حول هذه اليوميات التي تحاول ( الهرب ) من متابعتها ، ولكنها تجد نفسها منساقة لقراءتها .

...أجيال كبرت ، وعملت ، تزوجت ، وأنجبت ، وحافظت على حلمها بطرق متعددة ...والصدمة بآثارها باقية تتعمق فينا ، والقدس تشهد صدمتها الخاصة كل يوم .

 اليوم صباحا كتبت لزميلي ( يوسف يوسف فتيحة ) :  الشهداء لا يموتون لأنهم مستمرون في نسلهم المحافظ على روح الرسالة .

( يوسف فتيحة ) استشهد في مثل هذا اليوم ( 6 حزيران ) وكان ( يوسف ) الذي حمل اسمه جنينا لم يولد .

وصلتني أمس نسخة من كتاب ندوتنا الثقافية الأسبوعية ( اليوم السابع ) بوساطة صديقي الكاتب ( جميل السلحوت ) الذي يحرر المداولات ويعدّها للنشر . الكتاب الذي اخترت له عنوانا عاما ( بيارق الكلام لمدينة السلام ) وكتبت تقديما له جاء فيه : ( إن القدس محرّكنا الأكبر ، والأدب الصادق غايتنا التي ننشدها للتعبير عن حالنا ، وحلمنا ، وهويتنا ...) هو الإصدار العاشر لندوتنا العصامية .

عصرا زرت برفقة صديقي ( جميل السلحوت ) صديقنا الكاتب ( محمد خليل عليان ) الذي تعافى مؤخرا من أزمة صحية عابرة . عند أبي خليل دار حديث حول ثقافة زيارة المريض ، وواقع التربية والتعليم ، ومهنة التدريس ، والقوانين الدخيلة الجديدة المقيدة للمعلم ...وكانت هموم وثقافة وشكوى وأمل وشفافية .

السؤال هنا : هل يخطط لمجتمعنا لينهض ؟ أم ليواصل كبوته بغطاء القوانين الغربية ؟ لماذا يعزف الطلبة عن التوجّه للعمل معلمين ومعلمات ؟

صباحا بحثت عن ( الزهرة ) ، وكتبت عن الشهيد ، واستذكرت أطفالا صاروا منتجين ، وأعدت قراءة جملتي ( إن القدس محرّكنا الأكبر ....) ؛ زهرة المدائن باقية ظاهرة بعين القلب والواقع ، أما تلك ( الزهرة ) فبعيدة لم أرها .

زهرة عن زهرة تفرق.