مقالة طارئة

ز.سانا

اليوم إنتشر في وسائل اﻹعلام خبر عن صحيفة شارلي الفرنسية بأنها ستصدر غدا 3 ملايين نسخة فيها كاريكاتير مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك ردا على عملية اﻹرهاب التي قام بها بعض رجال المسلمين المتطرفين قبل 3 أيام حيث قتلوا 5 صحفيين أثناء تأدية عملهم.

قبل أن أعطي رأيي في هذا الخبر سأذكر حادثة ذكرتها في الخاطرة 4 وتتعلق بنفس الموضوع. فقبل سنوات قليلة وبعد حادثة إرهابية قامت بها منظمة إسلامية متطرفة أدت إلى مقتل عدد من اﻷبرياء في أوروبا، عرضت إحدى الجرائد اﻷوروبية رسومات كاريكاتورية تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرض اﻹستهزاء بدين هؤلاء اﻹرهابيين. فقامت مظاهرات في جميع الدول اﻹسلامية إحتجاجا على تلك الرسمات التي أساءت إلى نبي اﻹسلام. في إحدى هذه المظاهرات في تركيا حدث أن مرت المظاهرة بالقرب من كنيسة فدخلها المتظاهرون وراحوا يحطمون كل شيء في داخلها وعندما خرج عليهم قسيس الكنيسة متوسلا إليهم بالتوقف عن تخريب مقدساتها إنهالوا عليه ضربا ولم يتوقفوا حتى فارقت روحه جسده ومات. ماذنب هذا المسكين ليدفع هو ثمن غضب المتظاهرين الله أعلم. فما حصل هو أن جميع وسائل اﻹعلام اﻷوروبية والعالمية التي كانت جميعها ضد ذلك الرسام الصحفي الذي أساء إلى نبي اﻹسلام وطالبت بضرورة إحترام الشخصيات المقدسة لكل شعب، توقفت الكتابة عن هذا الموضوع وراحت تكتب عن مقتل القسيس وعن تخريب الكنيسة ليظهر مدى وحشية المسلمين وليظن الجميع أن اﻹسلام هو فعلا دين عنف وسفك الدماء.

قبل عام أو أكثر أيضا قام حزب هولندي بإنتاج فيلم قصير فيه إساءة للرسول وأهله، بهدف الطعن في اﻹسلام وإثبات أن اﻹسلام هو دين الدمار والتخلف والوحشية وأن السكوت عليه داخل هذه الدول الغربية سيؤدي إلى دمار حضارة هذه البلاد وتحويلها إلى مجتمعات متخلفة يسودها الرعب والوحشية. واليوم كذلك نسمع خبر إصدار رسومات كاريكاتورية جديدة فيها إساءة لنبي اﻹسلام. فرغم ما يفعله المسلمون ﻹيقاف هذا السلوك نجده يزداد مع الزمن. أسهل شيء يمكن أن يفعله المسلم هو أن يشتم أو أن يهدد أو يقتل أو يقاطع منتجات الدولة التي صدرت فيها هذه الصحف المسيئة للإسلام، ولكن كما نرى بأن جميع ردود الفعل هذه إتجاه هذه المشكلة بدلا من أن تحلها جعلتها أكبر حجما فمن رسمة كاريكاتورية تحول إلى إنتاج فيلم قصير واﻵن صحيفة شارلي التي كانت تبيع 50 ألف نسخة غدا ستبيع 3 ملايين نسخة أي بدلا من أن تضعف ماديا ستقوى وسيأتي يوم إذا إستمر المسلمون على ردود الفعل الوحشية هذه أو السطحية نفسها بدون فهم جذور المشكلة فإن عملية اﻹساءة للرسول ستصبح عادة يومية كما حصل مع عمليات اﻹساءة التي تحصل على عيسى وبقية اﻷنبياء عليهم الصلاة والسلام بشكل مستمر في الصحف و الكتب واﻷفلام. لذلك قبل أن نصرخ ونصب غضبنا بشكل أعمى على الفرنسيين أود أن أشرح بعض اﻷمور لنفهم جذور المشكلة، ﻹنه إذا كانت ردة فعلك ستؤدي بالطرف اﻵخر أن يصر على اﻹساءة للرسول فهذا يعني أنك تشاركه في هذه اﻹساءة.

للأسف معظم المسلمين لا يعلمون شيئا عن وضع المسلمين في الدول الغربية ، سأذكر لكم أشياء بسيطة رأيتها بأم عيني ويعلم بها كل مسلم يعيش في الدول الغربية. فعندما تذكر كلمة مسلم أمام فرنسي أو بريطاني أو يوناني أو أي غربي مباشرة تأتي في ذهنهم مثل هذه الصورة والتي تصف عن منطقة سكنية في اليونان 30 % من سكانها مسلمون من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان ومن جميع البلدان العربية الفقيرة، فعلى الرغم من نسبتهم القليلة مقارنة مع نسبة السكان اﻷصليين (اليونانيين) ولكنهم هم الذين يسيطرون بشكل عام على شكل الحياة هناك، ( أعز الله القارئين ) فالقذارة تملأ الشوارع ورائحة البول تفوح من جميع انحائه وجميع المصابيح الضوئية إما سرقت أو تحطمت ليعم الظلام فيها. عمليات السرقة والقتل بين العصابات بشكل دائم. اليوناني الذي يقيم هناك لا يستطيع الخروج خارج منزله بعد غروب الشمس حيث الجميع يقفل اﻷبواب والنوافذ ولا يخرج إلا في اليوم التالي. وكثير منهم لم يستطع تحمل هذه الظروف فتركوا بيوتهم ومحلاتهم وإستأجروا في مناطق أخرى لا يوجد بها مسلمين. وسعر المنزل الذي كان ب 100 ألف يورو في هذه المنطقة اليوم إنخفض سعره إلى 10 ألاف ودون أن يشتريه أحد.، وعندما تذهب القنوات التلفزيونية لتعرض حقيقة ما يحدث هناك يكون تعليق المذيع على تلك الشوارع دائما هو واحد وهو أن (اﻷجانب قد حولوا هذه المنطقة إلى مكان حتى الحيوانات ترفض أن تسكن فيه من شدة قذارتها). لهذا السبب فإن سكان جميع المناطق يرفضون أن يبنى مسجد في منطقتهم ﻷن المسلمون الذين سيأتون إلى الصلاة في المسجد مع مرور الزمن -حسب زعمهم - سيحولون المنطقة إلى منطقة قذرة لا تسكنها حتى الحيوانات. وعدا عن هذه القذارة فهم سيحولونها إلى مركز لمنظمات إسلامية إرهابية أو مراكز لبيع المخدرات، ﻷن وسائل اﻹعلام الغربية لا تذكر إلا مساوئ المسلمين ووحشيتهم وخاصة بعد ظهور داعش والذي له في كل نشرة أخبارية بضع دقائق يظهرون فيها وهم يقطعون رؤوس بعض الغربيين. للأسف سلوك المسلمين في الدول الغربية جعلت الغربيين يؤمنون تماما بأنه من المسلمين لا تأتي إلا القذارة والمتفجرات والخراب والقتل، لذلك إستغلت اﻷحزاب المتطرفة المشابهة تماما بمنطق تفكيرهم منطق الخوارج المسلمين هذه الظروف وشنت حملة لتطهير بلادهم من الغرباء وخاصة منهم المسلمين ، في اليونان مثلا كان الحزب المتطرف (الفجر الذهبي) ترتيبه في الانتخابات يأتي في المرتبة الخمسين ولم يكن يحلم أعضائه أنهم يوما ما سيدخلون البرلمان ، ولكن اليوم وبعد إستغلالهم سوء سلوك المسلمين هناك حيث راحوا يطاردونهم في أحيائهم ويشبعونهم بالضرب في كل مرة يرون فيه شخصا مسلما ، إرتفعت مباشرة نسبتهم في اﻹنتخابات وفي اﻹنتخابات الماضية كانت مرتبتهم الحزب الثالث في البرلمان، وإذا إستمر المسلمون على ما هم عليه اﻵن فإنهم بسلوكهم هذا سيساعدون هم بأنفسهم هذا الحزب الذي يكره اﻹسلام في الوصول إلى إستلام الحكم في اليونان، ما يحصل في اليونان يحصل تماما في جميع الدول الغربية فالمشكلة ليست في الدول الغربية فقط ولكن في المسلميين أنفسهم ، فهم يساعدون بشكل غير مباشر في زيادة كره هذه الشعوب للمسلمين واﻹسلام، هم أنفسهم بالتعاون مع هذه اﻷحزاب يساعدون على نشر الحقد والبغضاء بين الشعوب والديانات.

أعرف شخص مسلم في اليونان لا يقطع صلاة ولا وصوم يعمل ويضع راتبه في البنك ويذهب كل اليوم إلى كنيسة تقدم وجبة مجانية للفقراء وللعاطلين عن العمل، ليأخذ وجبتين واحدة لنفسه وواحدة لزوجته ولكن في الحقيقة الوجبة الثانية هي للعشاء ﻷنه غير متزوج! أعرف مسلما لا يقطع صلاة ولا صوم يملك محل البقالة نصف معلباته قد إنتهت صلاحيتها منذ أشهر وبدلا من أن يرميها في سلات المهملات يستمر في بيعها! أعرف مسلما إستغل طيبة أحد أصحاب المطاعم اليونانية فراح يأكل عنده يوميا لفترة طويلة دون أن يدفع ثمن الوجبة بحجة أنه ينتظر مبلغ مالي كبير من أخيه وأنه سيسدد دينه عندما يأتي هذا المبلغ وبعد فترة هرب من المنطقة دون ان يدفع شيئا لصاحب المطعم! أعرف عدد كبير من المسلمين يذكرون إسم نبيهم عشرات المرات يوميا ولكن سلوكهم عكس سلوك النبي نهائيا، دين اﻹسلام في هؤلاء تحول إلى دين وثني يعبدون أسماء بدون أن يهتموا نهائيا بالقيم اﻹنسانية واﻷخلاقية التي أتت بها هذه اﻷسماء.

وأعرف طبيبا يوناني عندما يأخذ إجازته السنوية وبدلا من أن يذهب إلى الجزر اليونانية للإستراحة واﻹستجمام ينضم إلى منظمة أطباء بلا حدود العالمية ويذهب إلى بلدان تشكو من الكوارث الطبيعية أو البشرية كالتي تعيش حروبا أهلية مستمرة ،ليساعد في شفاء المرضى والمصابين، دون أن أن ينظر إذا كان هؤلاء من دينه أو من دين آخر وبشكل مجاني دون أي أجر ، رغم أنه يعلم أن اﻷماكن التي سيذهب إليها خطرة قد يقتل فيها أو قد يصاب بعاهة دائمة. .. أعرف محامي يوناني عندما أخذت أحد معارفي ليساعده في مشكلة بيته ساعده وربح الدعوة دون أن يأخذ أي أجر منه ﻷنه علم أن وضعه المالي سيء. أعرف شخص يوناني عندما رأى أن المستأجر المسلم لبيته قد خسر عمله وأنه لم يعد يستطيع تدبير مصاريف عائلته ، بدلا من طرده من البيت ﻷنه لم يعد باستطاعته دفع آجار البيت تركه يستمر في السكن وراح يدفع له هو مصاريف أطفاله. أعرف كثير من اليونانيين يعطفون على المحتاجين بغض النظر عن عرقهم ودينهم. في جميع البلدان الغربية يوجد مثل هؤلاء،سلوكهم تسيطر عليها المبادئ السامية التي يتحدث عنها اﻹسلام والمسيحية. لذلك قبل أن نصب غضبنا على الشعوب الغربية ﻷن إحدى صحفها أساءت الى الرسول صلى الله عليه وسلم تذكروا أن هذه اﻹساءة يقوم بها أفراد متطرفين وان مسلمين من نفس منطق التفكير يساعدونهم في ظهور مثل هذه اﻹساءات وبدلا من توجيه صرختكم ضد سكان هذه الشعوب إذهبوا إلى مساجدكم وإسألوا عن دور شيوخكم عما يفعلونه هم وجميع العلماء المسلمين ﻹيقاف هذا اﻹنحطاط الروحي الذي شمل جميع البلدان اﻹسلامية ،في السعودية قبل أشهر طفل بعمر خمس سنوات ذبح أخته الرضيعة. مكة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أطفالها اليوم في المدارس اﻹبتدائية يكرهون ويعذبون كل تلميذ مجتهد محب للخير وذو أخلاق سامية، وإذا كان هذا الطفل المثالي غير سعودي عندها يجعلون ساعات دوامه في المدرسة جهنم ، يا مسلمي العالم افتحوا أعينكم فما يعانيه هؤلاء اﻷطفال الذين أرادوا أن يحملوا صفات الرسول من شقاء وعذاب نفسي في صفوف مدارسهم هو إساءة لرسول الله وللإسلام، إساءة أكبر بكثير من تلك اﻹساءات التي يفعلها الغرب بتلك الرسمات الكاريكاتورية ، فصفات نبيكم اليوم أصبحت مكروهة في قلوب أطفال مكة وأطفال البلاد اﻹسلامية اﻷخرى، إلى هذا المستوى المنحط وصلت اﻷمور بفضل العمى الروحي الذي يسيطر على علماء المسلمين والعالم بأجمعه.

اليوم العالم العربي والعالم بأكمله يعيش فتنة عالمية تريد تمزيق جميع الروابط اﻹنسانية ليس بين الشعوب فقط ولكن بين الطوائف والإقليات حيث وصلت اﻷمور إلى حد تمزيق الروابط في العائلة الواحدة ،وكما يقول رسول الله في حديثه الشريف (إذا جاءت الفتنة إكسروا سيفكم وإقطعوا أوتاركم وإلزموا فيها أجواف بيوتكم وكونوا فيها كالخير من بني آدم ) أي كونوا مثل هابيل إبن آدم الذي قال ﻷخيه ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي ﻷقتلك إني أخاف رب العالمين ) وهذا ما أفعله أنا منذ سنوات طويلة ، لا أشارك في شيء بل أجلس في بيتي وأبحث بصمت وأغور في أعماق اﻷشياء واﻷحداث ﻷصل إلى مضمونها وأكتشف تلك اﻷسباب التي تجعل الأطفال يبتعدون عن الخير واﻷخلاق السامية ويحبون بدلا منها العنف والوحشية واﻹنتقام. واﻵن في مقالاتي ومؤلفاتي أحاول عرض ما حصلت عليه من هذه اﻷبحاث وأترك اﻷمر لله عز وجل فهو الأعلم بما هو الصح وما هو الخطأ

في عالم تسوده الصفات الشيطانية من حقد وعنف ووحشية وإنتقام ،علينا أن نمتنع عن إستخدامها والتكلم عنها وبدلا منها أن نتكلم عن الخير واﻷخلاق السامية ليسمعها اﻷطفال وليعيشوا فيها ولتنمو فيهم هذه الصفات الحسنة.

إلهي زدنا علما لعلنا نفهم حقيقة ما يحدث لنستطيع تصحيح اﻷخطاء ونحمي أطفالنا من هذه اﻷوضاع الخبيثة التي تحيط بهم من كل الجهات.

...يتبع

 

مقالة طارئة 2

 

كان من المفروض أن تكون مقالة اليوم هي الخاطرة 18 ﻷتابع فيها موضوع الخاطرة السابقة عن العلاقة ( إمرأة - رجل ) ولكن الظروف الطارئة أدت إلى تأجيل هذه الخاطرة ، فمن يقرأ التعليقات والردود على المقالة الطارئة التي نشرتها قبل ثلاثة أيام في معالجة موضوع اﻹساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. يجد أن المقالة بسبب نزولها المفاجئ وكذلك بسبب قلة فقراتها وربما طريقة صياغتها أحدث نوع من سوء فهم والقصد من نشرها ، لذلك أجد نفسي هنا مضطرا للعودة إلى هذا الموضوع ثانية ليأخذ حقه و يحقق هدف نشر المقالة.

ولكن قبل أن أدخل في موضوعنا أود أن أشير إلى شيء آخر خارج الموضوع والذي سيهمنا للمقالات القادمة إن شاء الله. القراء الجدد قد يظنون ان ما حصل هو صدفة ولكن معظم القراء القدامى الذين قرأوا كتبي وإنتبهوا أن رقم المقالة المفروض نزولها هو 18، يعلمون بأن ما حدث ليس صدفة ولكن ليعطي علامة إلهية عن أهمية هذا الرقم 18 أو باﻷصح أهمية الرمز ( \/1) في تصميم كل شيء في هذا الكون. فطالما أن حادثة صحيفة شارلي إبيدو ستحدث لذلك القدر اﻹلهي جعلها تحدث في هذه الفترة الزمنية التي ستعطي علامة إلى قراء عين الروح أن يكونوا على ثقة تامة من أهمية هذا الرمز الذي سنشرحه إن شاء الله بالتفصيل في المقالات المقبلة. الله عز وجل هنا لم يوحي لأحد القيام بهذه الإغتيالات التي حدثت في هذه الصحيفة ولكن طالما أنها كانت ستحدث لم تحدث إلا في الفترة الزمنية التي هو أراد تحديد موعدها بإذنه تعالى ليكون لها معنى لفئة من الناس و إحدى هذه الفئات هي فئة قراء "عين الروح" حيث أن جميع التفسيرات التي تنشر في صفحة عين الروح تعتمد على الرمز اﻹلهي \/1 هذا الشكل الذي وضعه الله في كف اﻹنسان لتكون علامة لها معنى أن اﻹنسان كائن يحمل في داخله جزء من روح الله، ذلك الجزء الذي نفخه الله في آدم عندما خلقه والذي إنتقل من آدم إلى أبنائه عبر اﻷجيال.

اليوم وبسبب دخول القراء الجدد باستمرار وقراءتهم فقط آخر المقالات التي تم نشرها في صفحة عين الروح ، أود أن أشرح بشكل سريع ومبسط منطق والهدف الحقيقي من مؤلفات عين الروح وأيضا لتوضيح أشياء تتعلق بموضوع اليوم ، فمن يتمعن في أفكار هذه المؤلفات سيجد أنها غريبة عن المألوف، والسبب أن هذه اﻷبحاث بدأت بشكل فطري عندما كنت طفلا بعمر تسع سنوات فقد شاءت الظروف في تلك الفترة أن تنتحر طفلة عزيزة على قلبي- كما ذكرت في كتابي اﻷول عين الروح اﻷطفال - هذه الحادثة لعبت دورا في تحديد سلوكي وطريق حياتي. ومنذ ذلك الوقت وبدون أن أدري ماذا يحدث معي رحت أبحث عن إجابة لذالك السؤال الذي ولد في أعماق فكري ( لماذا إنتحرت هذه الطفلة ؟) وهذا السؤال مع الزمن تطور إلى شكل آخر ( لماذا هذه الطفلة قتلت نفسها ؟) ومع الزمن تطور إلى ( لماذا يقتل الطفل؟) . طفل يرتكب جريمة قتل هي ظاهرة جديدة لم يسمع التاريخ عنها إلا في عصرنا الحاضر ، هكذا شاءت اﻷقدار أن تدفعني ﻹيجاد جواب علمي شامل يشرح اﻷسباب الجوهرية لولادة هذه الظاهرة، فرأيت نفسي أبحث في كل شيء ﻷن كل شيء له علاقة في فهم روح اﻷطفال ،رأيت نفسي أبحث في فلسفة تصميم شكل اﻹنسان ، في فلسفة الدين الإسلامي ، وفلسفة بقية اﻷديان دينا دينا. وفلسفة تطور الحضارات وفلسفة تصميم المجموعة الشمسية ، وفلسفة تصميم المركبات والذرات ،وفلسفة تصميم الجسيمات التحت الذرية. خلاصة الكلام للوصول إلى إجابة شاملة تشرح سبب ولادة ظاهرة (الطفل القاتل) كان يجب علي أن أبحث في جميع العلوم. تماما كما عبر عنه اﻹمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه (وتحسب أنك جرم صغير. ..وفيك إنطوى العالم اﻷكبر ). كل ما أكتبه في مقالاتي وكتبي هدفه الحقيقي هو الوصول إلى فهم أسباب ولادة حب العنف عند اﻷطفال. نوعية هذا الموضوع ونوعية المنهج العلمي الذي فرضت علي اﻷقدار إستخدامه أثناء بحثي جعلتني أنظر إلى جميع اﻷشياء واﻷحداث بعين طفل. رؤية عين الطفل تختلف نهائيا عن رؤية عين اﻹنسان البالغ ، عين الطفل ترى روح اﻷشياء وتتأثر بهذه الروح ولكن بسبب عدم وجود الخبرة والمعلومات في دماغ الطفل تجعله يتأثر بها ولكن بدون أن يستطيع تحليلها أوتفسيرها. ما ستراه روح الطفل سواء كان سلبيا أو إيجابيا سيحمله معه إلى المستقبل.لذلك عندما أتكلم في أي موضوع أو حدث في كتبي ومقالاتي ما يهمني أولا هو تأثير عناصر هذا الموضوع على بيئة اﻷطفال الروحية، لذلك فمناقشة الموضوع فيها يكون ضمن هذه الناحية بالذات، ﻷن في هذه البيئة سينمو اﻷطفال، و هؤلاء اﻷطفال هم من سيحددون نوعية المستقبل الذي ستعيش به اﻹنسانية بأكملها.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (من كان يؤمن بالله واليوم اﻵخر فلا يؤذ جاره) ويقول في حديث آخر (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) معنى "الجار" هنا بناء على الحديث الشريف الثاني يتطور مع الزمن من مستوى إلى مستوى آخر أرقى من الذي قبله. فهو يبدأ بمعناه البسيط والمقصود به هو الشخص الذي بيته بجوار بيتك. فمن الضروري أن يكون بين سكان الحي علاقة محبة وتعاون ليستطيعوا حل مشاكل هذا الحي ،ولكن معنى الجار مع الزمن ينتقل إلى معنى أرقى وبدلا من سكان الحي يتحول ويصبح معناه أشمل ويصبح سكان المدينة فمن الضروري أن يكون هناك علاقة محبة بين أهل المدينة ليتعاونوا على حل مشاكلها، ومع مرور الزمن يتحول معنى الجار إلى اﻷرقى ليشمل أفراد الشعب بأكمله ليستطيع أهل هذه البلاد في التعاون على حل مشاكله. ومع الزمن يتحول معناه الى اﻷرقى ويصبح المقصود من الجار هو الشعب المجاور ثم يتحول إلى اﻷرقى ليصبح معنى الجار هو الديانة المجاورة . نحن نعيش اليوم في عصر إختصرت التكنولوجيا المسافات والزمن وتحولت الكرة اﻷرضية وأصبحت وكأنها مدينة صغيرة خلال ساعات تستطيع اﻹنتقال من مكان إلى أي مكان في هذه الكرة اﻷرضية. وخلال ثوان يمكنك أن تتحدث مع أي شخص وفي أي مكان من هذا العالم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اطلبوا العلم ولوكان في الصين) . أي حسب تعاليم نبينا صلى الله عليه وسلم يجب أن ننظر إلى جميع شعوب العالم على أنهم جيران لنا ويجب علينا أن نكرمهم ونتعاون معهم كما يقول الحديث الشريف، لذلك ليس من الصدفة أن الحديث الشريف اﻷول ينتهي بالعبارة (ومن كان يؤمن بالله واليوم اﻵخر فليقل خيرا أو يصمت). فالمقصود هنا أن يتكلم خيرا عن الشعوب المجاورة أو يصمت. لتوضيح ما أعنيه بشكل أفضل سأذكر لكم هذا المثال البسيط :

عندما يتشاجر شخصين. اﻹنسان المؤمن هو الذي يحاول تهدئة الوضع ليصالح بينهما فيذهب إلى الشخص اﻷول ويذكر له محاسن الشخص الثاني ومساوئه هو ليزيل عنه غشاوة الحقد والغضب وليرى اﻷول محاسن الشخص الثاني فتحسن صورته أمامه ، ثم يذهب إلى الشخص الثاني ويذكر له محاسن الشخص اﻷول ومساوئه هو ليزيل عنه غشاوة الحقد على الشخص اﻷول وبهذه الطريقة يستطيع إزالة العداوة والبغضاء بين الطرفين لتعود بينهما علاقة المحبة والتعاون. وهذا ما حاولت أن أفعله في المقالة السابقة. ففي ذلك اليوم كثير من المسلمين "وكما يحدث عادة" في كل مرة يسمعون فيها خبرا فيه إساءة للرسول سيشعرون بالحقد والغضب وهذا الشعور عادة يتحول شيئا فشيء إلى حقد على الشعب الغربي وعلى الشعب المسيحي بشكل عام. لذلك أنا كمسلم ذكرت محاسن بعض اﻷشخاص من هؤلاء الغربيين. وذكرت للمسلمين مساوئ بعض المسلمين الذين يعيشون في تلك الدول الغربية. وهنا أعرض عليكم هذا الفيديو ( في أسفل الصفحة )حيث القسيس هنا كمسيحي يفعل تماما كما فعلته ولكن مع الطرف اﻵخر فهو يذكر محاسن المسلمين للمسحيين ويذكر مساوئ المسيحيين لهم. يجب أن يعلم المسلمون بأنه يوجد كثير من الناس الطيبين مثل هذا القسيس في جميع شعوب العالم يحترمون اﻹسلام والمسلمين ومع هؤلاء يجب أن نتعاون في حل مشاكل هذا العصر، حيث الفتنة أصبحت تلعب دورها في تمزيق جميع الروابط اﻹنسانية في المجتمع ليتحول إلى أجزاء كثيرة حيث كل جزء فيه عدو للجزء اﻵخر.

 يجب أن نعلم أنه في مثل هذه المجتمعات المتحطمة التي تعشعش فيها العداوة والبغضاء لا يمكن لذلك الجزء من روح الله في الطفل أن ينمو ليجعل من هذا الطفل كائن ذو مبادئ سامية وأخلاق حميدة ﻷن الترابط الروحي في هذا المجتمع قد تحطم وتحطمه هذا سيجعل من الطفل عندما يكبر كائنا أناني لا يشعر إلا بنفسه وسيملأ التعصب الأعمى قلبه لكل شيء يخصه هو فقط.

في الشبكة العنكبوتية الإنترنت تعرض اليوم بعض اﻵراء التي تقول بأن حادثة صحيفة شارلي إيبدو هي خدعة ملفقة من قبل الفرنسيين أنفسهم لتكون حجة في إضطهاد المسلمين، بالنسبة لي أنا لا أدخل في مثل هذه المتاهات فقد يكون فعلا خدعة قامت بها فئة من الفرنسيين ولكن أيضا قد تكون خدعة من فئة من المسلمين ليخفي أخطاء المسلمين ويلقي اللوم على الفرنسيين. الله أعلم.. فكما ذكرت في مقالاتي السابقة أن أبشع شيء في عصرنا هذا هو سهولة تغيير الحقائق لخداع اﻵخرين فاليوم لدينا تكنولوجيا متقدمة تستطيع أن تضع إنسانا معينا في مكان ما لم يذهب إليه في حياته وبدون أن يترك أي شك ﻷي مشاهد من صحة الخبر . للأسف في عصرنا الحاضر لا يمكن الوصول إلى الحقيقة ﻷن كل طرف يستطيع خداع أفراد طرفه ليؤمنوا تماما بصدق رأيهم. لذلك أنا لا أدخل في هذه التفاصيل وأحاول دوما أن أبحث فقط في مضمون الحدث ،ومضمون الحدث في حادثة صحيفة شارلي إيبدو هو لماذا وصل اﻹنسان إلى هذا المستوى من اﻹنحطاط الروحي ليشعل هذه الفتنة بين الشعوب والديانات . وما يهمني هو ماذا سترى روح الطفل من هذه الحادثة . فالمشكلة التي تعاني منها اﻹنسانية بأكملها في عصرنا الحاضر قد تجاوزت مشكلة اﻹساءة إلى رسول الله بأشواط عديدة ووصلت إلى اﻹساءة إلى الله عز وجل نفسه. فمشكلة اليوم هي هل اﻹنسان كائن يحمل في داخله روح الله لذلك فهو مميز ويختلف عن جميع الكائنات اﻷخرى، أم أنه حيوان مثله مثل بقية الكائنات الحيوانية. اليوم وصلت اﻷمور كما ذكرت إلى مستوى من اﻹنحطاط الروحي نجد فيه الطفل يرتكب جريمة.هذه الظاهرة ظهرت في بريطانيا ثم في بقية الدول الغربية وقبل سنوات حدثت عدة مرات في مصر وبعض الدول العربية وقبل أشهر حدثت في السعودية. دخول الجريمة في عالم اﻷطفال يعني بأن آلاف السنين من مجهود شاق في التطور وإنشاء االحضارات وظهور الديانات قد ذهبت جميعها هباء دون أي فائدة. فولادة هذه الظاهرة يعني كأن الشيطان نفسه يقول للإنسانية بأكملها أطفالكم هم أبنائي وليسوا أبناء آدم! هذه المشكلة التي دفعت إلى ولادة ظاهرة (الطفل المجرم) هي أساس جميع المشاكل التي تواجهنا اليوم. لذلك يجب علينا التعاون مع جميع الشعوب وجميع الديانات لوقف هذا اﻹنحطاط الروحي الذي سيؤدي شيئا فشيء إلى إنتحار اﻹنسانية بأكملها.

يجب أن يعلم المسلمون أن صفة التضحية بالنفس من أجل هدف معين موجودة في جميع شعوب العالم وليس في المسلمين فقط . وأن تهديدات المنظمات اﻹسلامية المتطرفة لشعوب الغربية بأنها ستقتل كل شخص يسيء إلى رسولهم ، بهذا التهديد سيزيدون المشكلة أكثر ،ﻷن كثير من الغربيين عقيدتهم اليوم هي الديمقراطية (حرية الشخص في التعبير عن الرأيه) وهم يؤمنون بها بنفس مستوى إيمان المسلمين بدينهم ، وكلما زادت تهديدات المسلمين كلما إستمر الغربيون في أفعالهم أكثر فأكثر حتى ولو علموا أنه سيتم قتلهم في اليوم الثاني، لذلك فإن إصرار المسلمين بعمليات التهديد سيدفع إلى إزدياد عدد أولئك الذين يسيئون إلى اﻹسلام ﻷنهم سيشعرون أن المسلمين هم الذين يسيئون إلى عقيدتهم التي هي الديمقراطية ، كما حدث تماما في حادثة صحيفة شارلي إبيدو. فهذه الصحيفة كانت صحيفة سخيفة في نظر معظم الفرنسيين وكانت في أفضل أحوالها لا تصل نسبة بيعها إلى أكثر من 50 ألف نسخة في اﻹسبوع في بلد سكانه 66 مليون نسمة. ولكن بعد إغتيال الصحفيين الخمسة فيها وصل عدد النسخة المباعة إلى 3 ملايين وبسبب نفاذها في ساعات قليلة تم طبع 2 مليون نسخة أخرى لليوم التالي.

النتيجة هي أكبر إثبات علمي ، والنتيجة بعد هذه الحادثة أن صحيقة شارلي إيبدو من صحيفة سخيفة تحولت إلى صحيفة عالمية، وللأسف مع عرض خبر إغتيال الصحفيين في جميع الوسائل الإعلامية الصحفية والتلفزيونية تم كذلك نشر الرسومات المسيئة للرسول والتي رآها أكثر من نصف سكان العالم.

نعيش اليوم في عصر غريب وللأسف حتى اﻵن العلماء بكامل فروع علومهم وبسبب سيطرة اﻹدراك المادي على منهج أبحاثهم العلمية ،لم يستطيعوا فهم حقيقة هذه التغييرات التي تحدث على المستوى المادي والروحي ليستطيعوا إيجاد حل لها ، لذلك كل ما علينا نحن المسلمين أن نفعله لوقف هذا الدمار في عصرنا هذا أن نتبع قول نبينا المكتوب في هذا الحديث الشريف ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فاليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت).