انبعاث

جمانة الجعبري

وحشةٌ ... ظلمةٌ وظلامٌ... ضيقٌ حد الاختناق، أحلامٌ مبعثرة وأمانيُ تحتضر، رسوماتٌ قاتمةٌ... دموعٌ متحجرةٌ... وصمتٌ مشنوقٌ محبوسٌ في قصاصاتٍ مهمةٍ محفوظةٍ بجانب القلب، حياةٌ محجمة... أنفاسٌ متشظيةٌ على الأسيجة والقضبان، وهناك في الزوايا المعتمة همهماتٌ وآهاتٌ تسرب نشيجها من صدورٍ طالما كانت للأسرار مقابر... تسربت لتعانق ملامحاً حفظتها الألوان والأوراق، لتقبل حروفاً مكتوبةً بالحب بالشوق باللوعة بالحرمان، وعيونٌ مغمضةٌ تحتضن صوراً بين الأهداب علها تبقى هناك ولا تغادر.

صمت الأيام الزاحفة لن يحمل في رحمه كلمة "شحرور" إلا بمعجزة، والخبز المعطر برائحة الأرض بات حلماً، وضمةُ صغيرةٍ بضفائر وفستانٍ ورديٍ ليس سوى وهماً، وصلاة جمعة في الأقصى هي أقصى الأماني المحرمة، ولمسةٌ حانيةٌ من أمٍ سبعينية ليست سوى إحدى الأساطير... وقاموسٌ للحياة كبير لا لزوم له إلا لقراطيس تُملأ بالآهات، وليبق كتاب الله حصناً للروح حتى يسلم الجسد...

حياة تختلط بالموت، أوقاتٌ ساكنة قد يحركها الأذان... ورحى برزخٍ دائرةٍ لا يؤمل منها انبعاث...

ثم كانت أقدارٌ ورجالٌ وانبعاث...

فتنفست الحياة من عفن الرملة ورطوبة مجدو وحرارة النقب، ومن قبور العزل وزنازين المرض من حبة الأكامول السحرية انبعثت آمالٌ لا ترجى، وانبلج ضياءٌ من شيب الأيام الموحشة دفأ زوايا الذاكرة الباردة وأنعشها بصورة عروسٍ يتفتح الحياء على وجنتيها جورياً أحمر، أنعشها بصوت طفلٍ وليد، أنعشها بابتسامة رضاً وضمة ودٍ وقسم عِزٍ على مفترق الشهادة..

عصبة عزٍ على جبينٍ مظفر وَلَّدَّت أعراساً خفقت لها البيارق بعد التواري وصدحت لها الحناجر بكل التحايا... فهطل الخير وأزهرت النفوس وذاب عنها جليد الآلام..

وانبعثت في الأرض تباشير نصرٍ لم يعد ببعيد...وانبعث الحق وإن لم يمت وذلَّ الباطل وإن لم يعز ...

وسجل التاريخ هتاف الثبات وأعلن بكل فخرٍ وعز أن أحلامَ انبعثت، ويحيى عاد عزيزاً، ونائلُ الثائر سيبقى ثائراً، ورائدة جنت صبر أيامها وكان لها روحي كما اشتهت، وسارة كل صباحٍ ستنعم بصباح الخير يا سارة.