في طريق النصر (خواطر على سورة العصر)

في طريق النصر

(خواطر على سورة العصر)

محمود رفعت

[email protected]

لستُ شيخًا مسنًّا ، ولكن هذا لا يمنع أن الأيام قد علمتني الكثير الذي لم أتعلمه – للأسف – إلا على حساب أمور أخرى، كان يجب لمثلي تعلمها، ولكن لا بأس في ذلك، فهذه هي الدنيا، وهذه هي الحياة : لا نأخذ فيها شيئا إلا بمقابل يكون – عادة – أكبر مما نأخذ؛ ليتسرَّبَ إلى قلب كل عاقل مدرك – ولو كان كافرًا – قول الله تعالى { إن الإنسان لفي خسر }.

أما الكافر فإنه يقف يائسًا أمام هذه الحقيقة الوجودية، وقليل من الكفار من ينطلقون منها إلى ما بعدها، وأما المؤمن فإنه ينتقل تلقائيًّا منها إلى الحقيقة التي تليها {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.

فلا بد للنجاة من إيمان القلب، ثم عمل الجوارح، ثُمَّت إن الحياة لتأبى أن يكون هذا الإيمان مجانيًّا، فتسوق إلى المؤمن المصائب تلو المصائب، فإما أن يبيع إيمانه بالنجاة من هذه المصائب القريبة، وإما أن يستعمل إيمانه في التصدي للحياة، فيكون إيمانه كعضلات جسمه التي يستعملها في الرفع والوضع فتقوى، وعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء، ويتمايز في كل أمة أصحاب كل درجة من درجات الإيمان، وتجمع المصائب بين قلوبهم، فتقف هذه القلوب المتحدة منهكة أمام حياة تزداد كل يوم تغولا، ومع هذا الإنهاك لا تملك هذه القلوب إلا أن تتواصى بالثبات على الحق، ومع غارات الحياة لا تجد أمامها إلا التمسك بالصبر والتواصي به، وإلا استسلموا فغنموا حياة وخسروا أنفسهم.