الكتابةُ بالشموع

محمد عميرة – القدس

[email protected]

صمت َ الليل ُ وسكت ْ ...

بعد طول عناء ٍ من مر ّ الأنباء ...

وكان موجز ُ النشرة ِ شاعريا ً :

شقيقتان ِ تبكيان ِ ... طفلةٌ   وشمعه ْ

طفلة ٌ تلقي شعرا ً في ظلمَه ْ

فسالتْ من عينها دمعه ْ

لتنير َ الدّربَ للأمه ْ

كدَمع ِ شمعة ٍ مشتعله ْ

تسيل ُ ... فتحترق ُ الشمعه ْ

لتغتال َ الظلمه ْ

سكن َ الليل ُ وانتهت ِ النشرَه ْ

وكما ترَبتُ الأمّ على كتف ولدها لينام ، فإن ّ سكون الليل هذا يربتُ تربيتا ً لطيفا ً على روح أحمد لِينام بسكينة ٍ ... فنام  .

صحا أحمدُ من نومه كالعادة متأخرا  تأخراً يؤخر الأمة ولو دقيقة -  راجيا ً العفوَ ممن يعلم السّر والحقيقة – متململا ً بعض الشىء من كسَله ، فحين يصحو مبكرا ويصلي الفجرَ حاضرا ً يبتسم ُ ابتسامة َ النصر على نفسه .

 نظر من نافذة بيته المقوّسة ُ والمشرفة ُ على مشرق ِ الشمس ِ ، والتي أوصى البناءَ بتقويسها ليشم ّ فيها رائحة َ حضارة ٍ راقية ٍ ، والتي ما زالت نحو التشافي والمعالي تسعى حثيثا ، ارتشف من كأسه رشفة ً من الشاي سبقت ْ رائحة ُ النعناع ِ إلى أنفهِ الشاي إلى فمهِ ونظر إلى الشمس ِ الآخذة  في الصّعود ِ  وتنهدَ  تنهيدة ً  أثارت فضولَ الشمس .

قالت الشمس : صباح ُ الخير والورد ِ يا أحمد ، في هذا الصّبح ِ المشرق ِ على الوَرَى ... علام َ التنهيد ُ يا ترى  ؟ 

أجاب أحمد : إني حائرٌ في حكيمٍ   في الأمس البعيد .

 وما قصته سأ لت ِ الشمسُ البهية ُ الجميلة  ؟

قال أحمد : قرأتُ مرّ ة ً أن ّ  أحد َ الحكماء َ حمل فانوسا ً وصار يجوبُ به في الطرقات نهاراً فقبض عليه جندُ فرعونَ  وعلقوه ُ على المشنقة .... واليومَ عشراتُ الألوفِ يحملون الفوانيسَ ليلا ونهارا ً ، وبالرّغم من ذلك هم أنفسُهم يرتطمون ببعضهم ويحوزون من فراعنتهم على الأوسمة .  أليس هذا أمرا ً محيرا ً  ؟

قالت الشمس باسمة ً وقد أبعدَتْ عن عيونها شعرَها الذ ّهبي ّ برشاقة : أتذكرُ ذلك الحكيم وقلتُ :  لعله يسخرُ منّي وضيائي ، ولكني فهمت قصده فيما بعد .

إنكَ على حق ّ ٍ يا أحمد إن الأمورَ التي تجري في هذا الزمان يصعب فهمها ومما يحيرُني أنني أمامكم وفوقكم وعن يمينكم وعن شمالكم لكنكم تأبون الا أن تجعلوني ورائكم .

قال أحمد : أيتها الشمس إنني أشعر بالتقصير ، فكل عمل صالح ولو كان صغيرا فهو خطوة نحوكِ ولو قراءة ُسطرٍ واحدٍ في كتاب الحرية .

وإنْ كنتِ تتعجبين فإنني أتعجبُ مثلك من ظلام ٍ أضاء .

 وكيف ذلك يا أحمد ؟ سأ لت الشمسُ متعجبة ً .

قال أحمد : إن ّ ظلاما ً في غز ّ ة َ أضاءَ دُوَلا ً مترامية الأطراف حتى بَر ِ قَ  في مكة َ .

قالت الشمسُ : صدقتَ ، إذهب الآن إلى عملك ولن أقول لك متى نحتسي الشايَ معا ً .

صمت أحمد وابتسم وحمل المرآة والمشط قبالة َ الشمس وسرّحَ شعرَه ُ وانطلقَ إلى عمله بخطوات ٍ متفائلة ٍ  وفي مخيلته ِ  صورة ُ مارد ٍ  أخضرَ فتح َ عينا ً واحدة ً بعد سبات ٍ طال أمد ُ ه ُ .