تأملات إيمانية

أعياد الأمم والشعوب تتنوع من عهد إلى عهد وتتغير أسماؤها وتعدل مواعيدها من مناسبة لأخرى وتكثر وتقل ويزاد فيها وينقص منها وذلك مسايرة للأحداث والمناسبات ومجاراة للأهواء ومراسم هذه الأعياد تتأثر بتطور الزمن وتغير الأفكار .

أما الأعياد في الإسلام فهي ثابتة منذ كانت لا تغير في الأسماء ولا تعديل في المواقيت ولا تطور في الشعائر ولا زيادة فيها ولا نقصان منها لأنها صالحة لكل زمان ومكان ومرتبطة بعبادات إلهية .. وهذا هو الفرق بين ما صنع رب العزة وبين ما صنع البشر .

تقوم دولة من الدول في مكان ما فى الأرض فتكون لها أعيادها وتسقط هذه الدولة وتقوم مقامها أخرى فتلغى من الأعياد ما تشاء وتثبت ما تشاء وتزيد ما تشاء ويسود نظام من النظم جماعة من الجماعات فتكون له أعياده ويسقط هذا النظام ويحل محله نظام آخر يخالفه أو يناقضه فيلغي أعياد سابقة ويقيم أعياداً جديدة ويتولى عظيم من العظماء فتكون ولادته عيداً وتنتهي هذه الولاية بموته أو بتنحيته وتولي سواه فيتخذ لنفسه عيدا آخر يفرضه على المحكومين.

تختلف مراسم الاحتفال بالأعياد من شعب إلى آخر ومن عصر إلى عصر فإنا مواكب الخيل المطهمة وحيناً عرض للدبابات ومظاهر للقوة وحيناً آخر إطلاق المدافع الفارغة والسهام النارية .

أما أعيادنا الإسلامية فلا صلة لها بعظيم من العظماء أياً كان مبلغه من العظمة لا بولادته ولا بولايته ولا بموته ولا ارتباطاً بقيام نظام من النظم البشرية المتغيرة والمتضاربة ولا بتخليد موقعة من الوقائع الحاسمة ولا تسجيل فتح من الفتوحات .

شعائر أعيادنا الإسلامية لم يطرأ عليها تغيير ولا تحوير بل هى نشيد علوي سماوي :

الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد .. وصلاة جامعة محددة المعالم .. ثابتة الأقوال والأفعال بعد ارتفاع الشمس وخطبتان مناسبتان بعدها أعيادنا الإسلامية : عيد الفطر وعيد الأضحى .. لم يزد عليهما ولم ينقص منهما ولم تتغير معالمهما وشعائرهما .

فحين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وجد الأنصار ذات يوم في لهو ولعب فقال : ما  هذا ؟ فقالوا : يا رسول الله إن لنا يومين كنا نلهو فيهما ونلعب في الجاهلية .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أبدلكم خيرا منهما .. عيد الفطر وعيد الأضحى .

حكمة بالغة في علاج العادات الهازلة اللاهية بإحلال العبادات الجادة النافعة محلها مع الاحتفاظ بطابع السرور ورباط المودة بين الناس .. فعيد الفطر يوم يفرح المسلمون بإتمام الصيام وفيه يخرجون إلى الصلاة في حلة جديدة تحدثاً بنعمة الله فيتصدقون على الفقراء والمحتاجين ، يجتمعون لصلاة العيد واستماع الوعظ بعد أن تلقوا من الصيام درساً ملأ نفوسهم بالخشية والإخلاص والرحمة ولين قلوبهم بالإحسان وأيدهم بالصدقة ثم يتبادلون التهاني مبتهلين إلى الله أن يحقق لهم الآمال والأماني .

هو سرور عام بين جميع الذين يدينون بالإسلام في أي أرض أقاموا وبأي لسان تكلموا .. شعور شامل يوحد بينهم في الهدف المشترك بالأحاسيس المتجاوبة .

هكذا يحدد الإسلام شئون الأعياد والمواسم فينظم طريق الحفاوة بها ويبث فيها معنى روحياً واجتماعياً سامياً يربط الغني بالفقير والكبير بالصغير والحاكم بالمحكوم والإمام بالمأموم أما المعنى الروحى فمظهره التكبير والصفوف المنتظمة في الصلوات وما يستمعون من عظات وبينات وأما المعنى الاجتماعي فمظهره زكاة الفطر التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي كل مسلم والتزاور بين الأصدقاء والأقرباء والجيران وسائر المسلمين والبهجة والسرور والمرح الكريم واللهو البرئ مما يبعث في النفوس نشاطاً يعينها على العمل النافع.

هذا هو عيد الفطر الذي يأتي أول يوم بعد رمضان ويفرح فيه المسلم الصائم فرحتين .. فرحة القيام بواجب الطاعة لله عز وجل وفرحة الفوز بجائزة الله له على هذه الطاعة .. وهى جائزة تفوق كل تثمين وتقدير يحدثنا عنها جابر الجعفي .. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا : أغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل فقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم وأُمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم فإذا صلوا نادى مناد : ألا أن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهذا يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة ) رواه الطبراني في الكبير .

أما العيد الثاني فهو عيد الأضحى .. يوم يجتمع فيه الحجيج بمنى لذبح الهدى ويشاركهم المسلمون في جميع بقاع الأرض بذبح الضحايا .. يوم يهتف فيه الحجيج بالتكبير عند رمي الجمرات ويشاركهم المسلمون في سائر بقاع الأرض بالتكبير عقب الصلوات :

الله أكبر.. الله أكبر  .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد .. الله أكبر كبيرا .. والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا .. لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله    ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .

هذا يوم الوحدة والتآلف والود والتعاطف .. هذا اليوم الثاني لمؤتمر الحجيج العام الذي يعقد في الأماكن المقدسة كل عام بعد أن عقدوا المؤتمر الأول في عرفات تحقيقاً لقول الله تعالى : [[ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ]] سورة الحج 28 - 29

هذا موسم البر بالفقراء والمعوذين والوفاء بالنذر الوثيق ومتعة الطواف بالبيت العتيق الذي جعله الله للناس جميعاً سواء العاكف فيه والباد وجعله حرماً آمنا لسائر العباد .. وسيذكر التاريخ أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم أعلن هناك في حجة الوداع حقوق الإنسان حيث قال : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ) وقرر المساواة حيث قال صلى الله عليه و سلم : ( لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ) فقضى بذلك على التفرقة العنصرية التي لا تزال بعض الدول تمارسها حتى اليوم كما قضى على الاستغلال حيث قال : ( إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عمي العباس ) . 

في عيد الأضحى علينا أن نتذكر التضحية والفداء الذي أبتلى الله فيه خليله إبراهيم عليه السلام أي ابتلاء حيث أراه في المنام أن يذبح ولده إسماعيل فأطاع الوالد والولد وكان عاقبة ذلك فداء الولد بذبح عظيم والثناء على الولد ثناء خالدا في الآخرين وتبشيره بولده إسحاق نبياً من الصالحين وفي ذلك يقول الله تعالى فى سورة الصافات : [[ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (112) ]] .

لقد ندب الإسلام إلى أن نهدي من الأضحية الأصدقاء ونصل الرحم والفقراء ولنحقق المودة والتراحم فى هذا اليوم العظيم ونحقق اشتراكية ديننا الحنيف .

عن زيد بن أرقم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال : سنة أبيكم إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه .. قالوا : فما لنا فيها يا رسول الله ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة . ( رواه الحاكم و صححه ) .

هذا هو عيد الأضحى الذي يكون في العاشر من ذي الحجة من كل عام وفيه تكون فريضة الحج .. الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي .

هذه هى أعيادنا الإسلامية : أعياد مبرات وخيرات للصغير والكبير .. الفرد والأسرة .. القرية والمدينة .. للأمة الإسلامية جمعاء .. أعياد اللعب واللهو البرئ المباح .. أعياد التقوى والتطهر والتزين والتطيب ولبس أجمل الثياب .

قال الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجده .

وسوم: العدد 647